وضع التقاط طفل لورقة تحمل اسم الأنبا تواضروس من بين ثلاث ورقات في إناء زجاجي على مذبح الكاتدرائية المرقسية بالقاهرة نهاية لعملية طويلة لاختيار البطريرك الجديد للكنسية القبطية الأرثوذكسية. وأصبح الأنبا تواضروس البابا 118 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية وسيجلس على كرسي مار مرقس الرسول خلفا للبابا شنودة الثالث الذي قاد الكنيسة لمدة 40 عاما وتوفي في مارس بعد نحو عام من ثورة أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك صعد بعدها تيار الإسلام السياسي ليتنامى شعور الأقباط بالقلق على مستقبلهم. لكن الرئيس د.محمد مرسي الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين شدد على أنه يحافظ على مصالح جميع المصريين. ويعرف تواضروس الذي ألّف 13 كتابا بمهاراته الإدارية وشخصيته الهادئة وإجادته للغة الإنجليزية. وسيواجه البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية العديد من التحديات أغلبها يتعلق بمواكبة تغيرات العصر التي تؤثر على كنيسته وأتباعه الذين يمثلون وفقا لتقديرات غير رسمية نحو 10% من سكان مصر الذين يبلغ تعدادهم نحو 83 مليون نسمة، والمسيحيون في مصر غالبيتهم العظمى أقباط أرثوذكس. وقال الأنبا باخوميوس مطران البحيرة الذي تولى إدارة شؤون الكنيسة بعد وفاة البابا شنودة الثالث «البابا الجديد عليه أن يواكب متغيرات العصر التي حدثت بعد ثورة 25 يناير، يجب أن يحللها ويتابعها ويضع منهجا للحياة الكنسية من خلال المواطنة السليمة». وأضاف في تصريحات تلفزيونية «عليه أن يتعاون مع الدولة في تدعيم الوحدة الوطنية وحل مشكلات المجتمع». وتعكس محاضرات سابقة لتواضروس إدراكه لضرورة أن تواكب الكنيسة العصر والتغيرات التي تحدث في المنطقة والعالم. وقال في محاضرة لخدام في الكنيسة عام 2009 بعنوان «كن مستعدا للتغيير»: «التغيير سمة إنسانية ووصية إلهية، ورغبة دفينة عند كل إنسان». وأضاف «احذر أن تتجاهل التطوير الذي يحدث في العالم كله.. احذر أن تتجاهل أننا نعيش في قرن أو زمن يتجدد ويتغير خلاله العالم كل 18 شهرا.. إياك أن تعيش في فكر متخلف.. (في) فكر قديم.. يجب أن تكون متطورا مع زمنك... يجب أن تكون حيا مع زمنك ومتفاعلا معه». وعزف الأقباط عن المشاركة القوية في الحياة السياسية في العقود الأخيرة لكن الأحداث المتعاقبة في مصر منذ انتفاضة يناير 2011 فرضت عليهم التفاعل مع ما يجري في الشارع المصري. ويؤكد تواضروس على أهمية اندماج المسيحيين في المجتمع. وقال في الآونة الأخيرة خلال مقابلة تلفزيونية «الاندماج في المجتمع صفة مسيحية كتابية أصيلة.. الاندماج المعتدل والحلو. لكن لا بد أن يشارك الكل في ذلك. نحن كمصريين جميعا لا بد أن نشارك والمشاركة تبدأ بمكانين.. الفصل الدراسي ووسائل الإعلام.. لا بد ان يكون لدى جميع من يعمل في هذين المكانين الوعي». وكما كان لسلفه البابا شنودة الثالث دور في الحفاظ على السلام الاجتماعي بين المسيحيين والمسلمين في مصر من المتوقع أن يسعى البابا الجديد لتعزيز الوحدة في البلاد التي شهدت مؤخرا احتجاجات عنيفة بسبب فيلم يسيء إلى الإسلام اتهم مسيحي من أصل مصري بإنتاجه في الولاياتالمتحدة. وقال تواضروس الذي سمي أمس البابا تواضروس الثاني «كمصريين نحن نعيش مع إخوتنا المسلمين.. هذه أولوية مهمة جدا في العيش المشترك.. والحياة المشتركة.. والمسؤولية هي أن نحافظ على ذلك». من جانبه، هنأ المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع الأنبا تواضروس الثاني بمناسبة اختياره بابا للإسكندرية وبطريركا للكرازة المرقسية. وقال بديع في رسالة تهنئة وجهها إلى البابا تواضروس الثاني عبر الصفحة الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين «أتقدم لكم بأسمى التهاني القلبية على انتخابكم الكريم وأتمنى لكم التوفيق والسداد لما فيه صالح مصر الحبيبة وشعبها الكريم». وأضاف «وفقنا الله جميعا لما يحب ويرضى لخدمة وطننا وأهلنا.. مع خالص تقديري». من جهته، بعث الرئيس د.محمد مرسي ببرقية تهنئة إلى البابا تواضروس الثاني بمناسبة اختياره بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، مشيرا إلى عراقة الكنيسة الأرثوذكسية وإنها تعد معلما بارزا من معالم تاريخ هذا الوطن وتراثه. وأكد د.مرسي في برقيته أن شعب مصر شعب واحد، تسوده روح الاخوة والمحبة بين مسلميه وأقباطه وتتضافر جهود أبنائه لصالح الوطن، معربا عن تهانيه لأقباط مصر الأعزاء، متمنيا لهم موفور الصحة. طفل القرعة الهيكلية: كنت أشعر بأني سأختار الأنبا تواضروس الصيدلي الذي أصبح بابا الأقباط القاهرة أ.ف.پ: الانبا تواضروس أسقف محافظة البحيرة الذي أصبح بابا الأقباط الجديد هو صيدلي في الستين من عمره صعد تدريجيا السلك الكنسي. وشاءت الصدفة أن يكون يوم اجراء القرعة الهيكلية هو يوم عيد ميلاده الستين، فهو من مواليد 4 نوفمبر 1952. وحل الأنبا تواضروس في المركز الثاني في الانتخابات التي جرت الاثنين الماضي لاختيار ثلاثة مرشحين يشاركون في «القرعة الهيكلية» لاختيار البابا اذ حصل على 1623 صوتا. ولد الأنبا تواضروس باسم وجيه صبحي باقي سليمان، وحصل على بكالوريوس الصيدلة من جامعة الاسكندرية عام 1975، وحصل على بكالوريوس الكلية الاكليريكية وزمالة الصحة العالمية بانجلترا عام 1985، وظل يعمل مديرا لمصنع أدوية تابع لوزارة الصحة بدمنهور، حتى ذهب في 20 أغسطس 1986 إلى دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون وظل طالب رهبنة حتى ترهبن في 31 يوليو عام 1988، ورسم قسا في 23 ديسمبر 1989، ثم انتقل للخدمة بمحافظة البحيرة في فبراير 1990، ثم نال درجة الأسقف في 15 يونيو 1997. ويحظى الأنبا تواضروس بتأييد الأنبا باخوميوس، الذي شغل موقع قائمقام البطريرك منذ وفاة البابا شنودة الثالث في مارس الماضي، فهو تلميذه وعمل معه في أسقفية البحيرة لفترة طويلة. وقبل الانتخابات، حصل الأنبا تواضروس على تأييد عدد من الأساقفة من أبرزهم الأنبا دميان أسقف المانيا والأنبا سوريال أسقف ملبورن والأنبا مكاريوس رئيس دير السريان والأنبا باخوم أسقف سوهاج. وعن رؤيته لمستقبل الكنيسة قال الأنبا تواضروس اخيرا في مقابلة تلفزيونية «يجب أن نهتم بفصول التربية الكنسية منذ الصغر وأن نجعل فصول اعداد الخدام من أولوياتنا فالخدمة هي التي ستصنع نهضة جديدة داخل الكنائس سواء بمصر أو ببلاد المهجر». ويطالب الأنبا تواضروس بإنشاء معهد لاعداد خدام كنائس بالمهجر لاطلاعهم على الثقافات المختلفة في الدول الأوروبية وأميركا وكندا، معتبرا أن إقامة قنوات للحوار مع الشباب أمر ضروري فهو يرى ضرورة لم الشمل بين الكنيسة وأقباط المهجر من جهة، والكنيسة والشباب المسيحي من جهة أخرى. ويعتبر الأنبا تواضروس أن باب الكنيسة هو صمام الأمان للكنيسة وللدولة، مؤكدا ضرورة استمرار العلاقة الطيبة بين المسيحيين والمسلمين في مصر، وطالب وسائل الإعلام بالتركيز على القيم المشتركة بين الجانبين لنبذ التطرف ودعم الوحدة الوطنية. ويعد تواضروس الثاني من أنصار ان تركز الكنيسة على الشؤون الدينية والا تتدخل في السياسة الا في احالات استثنائية، وستعقد الكنيسة القبطية حفل التجليس في 18 نوفمبر بحضور كبار مسؤولي الدولة. من جهته، قال بيشوي مسعد جرجس طفل القرعة الهيكلية الذي سحب الورقة التي حملت اسم البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية إنه كان يتوقع أن يقع عليه الاختيار لسحب القرعة الهيكلية وأن يسحب الورقة التي تحمل اسم الأنبا تواضروس. وأضاف الطفل بيشوي عقب خروجه من القاعة التي شهدت قداس القرعة الهيكلية في الكاتدرائية المرقسية امس، حدث خطأ في اسمي وذهبت إلى الكاتدرائية أمس الأول بصحبة والدي لتصحيحه وبالفعل نجحت في ذلك، وصليت كثيرا من أجل أن يقع علي الاختيار وقد استجاب الله لي». وقال «أنا أحب الأنبا تواضروس وكنت أشعر بأنني سأختار الورقة التي تحمل اسمه»، مضيفا أن جسده كان يرتعش عندما عصب الأنبا باخوميوس أسقف البحيرة قائم قام البطريرك عينيه قبل أن يسحب ورقة القرعة. ويبلغ الطفل بيشوي مسعد 6 سنوات ونصف السنة إذ إنه ولد في الأول من مارس عام 2006، ويخدم بكنيسة ماري مينا بالوراق بالجيزة.