منذ ثلاث سنوات، تنظّم شركة خدمات معلوماتية دورات تدريبية لموظفيها عنوانها «كيفية التواصل الهادئ وغير العنيف مع الغير»، ترتكز على الإصغاء إلى الآخر والتعاطف معه، ما يسمح بالتخفيف من الضغوط في أماكن العمل وتحسين العلاقات. إنه يوم الاثنين. أشرقت الشمس على مكتب عادل (رئيس الشركة) حيث يعقد اجتماع أسبوعي لرؤساء الأقسام، يتمحور الحديث فيه حول منى، عالمة كمبيوتر ومديرة أحد المشاريع تتمتع بكفاءة عالية وتستقطب الزبائن للعمل معها وتشكل منافسة قوية لزملائها، لا سيما غسان (مدير المبيعات المسؤول عن توقيع عقود جديدة). كان من الممكن أن يتحول النقاش حول طريقة عمل منى إلى خلاف وأن يظهر الغضب على وجه غسان ويتفوه بعبارات قاسية وهو يتوجه إلى مروان (مدير أنشطة التجارة الإلكترونية ومسؤول عن تعيين علماء كمبيوتر مناسبين في مشاريع مناسبة ووقت مناسب (لكن، بدلاً من ذلك، حافظ على هدوئه ولم يتضمن كلامه أي حكم أو انتقاد، واكتفى بمجرد ذكر الوقائع كما هي. في الجهة المقابلة لطاولة الاجتماع، كان من الممكن ألا يهتم مروان سوى بمصالحه الخاصة على سبيل رد فعل دفاعي. بدلاً من ذلك، التزم الصمت لبعض الوقت، للتفكير من وجهة نظر غسان في المسألة المطروحة. بعد ذلك، عبر عن فكرته بلطف وتعاطف، آخذًا في الاعتبار حاجات الزملاء المجتمعين. سرعان ما اتفق غسان ومروان على حل وسطي من دون الحاجة إلى تدخل عادل. تعلم هؤلاء الأشخاص، من خلال مشاركتهم في دورة تدريبية حول التواصل غير العنيف، أن يضعوا نصب أعينهم أن الشخص الآخر له حاجاته ويواجه معوقات، وأن يبعدوا الطابع الشخصي عن النزاعات، وفهموا أنه يمكن التوصل إلى حلول ترضي الأطراف كافة. إصغاء يقول عادل: «المعلوماتية عالم خاص، لذا نسعى إلى تعويد التقنيين الذين يعملون أمام الشاشات أنه يمكن حل أي مشكلة من خلال التواصل والإصغاء: قد يميل البعض إلى التسرع في البحث عن حلول معقدة يجاملون أنفسهم من خلالها، لكنهم يبتعدون أحيانًا عن طلب الزبون». تتمثل مهمة التقنيين في هذه الشركة في تصميم مواقع إلكترونية أو شبكات داخلية أو تطبيقات لشركات تحتاج إلى الانتشار بسرعة في السوق، لذا يرزح الموظفون تحت توتر لأسباب من بينها: ضغظ المهل الزمنية، العلاقة مع الزبائن المتطلبين... يوضح عادل: «في هذه الأوقات العصيبة، قد يرمي الموظفون مسؤولية التأخير المحتمل على بعضهم البعض. لذا ابتكرنا وسيلة التواصل غير العنيف بشكل طبيعي، كوقاية من التوتر، وجعلناها مقدمة لتوضيح حالات سوء الفهم وحل النزاعات وتسهيل العلاقات في العمل. ما زال مضمون هذه التقنية غير واضح في العقول، لكن أحدثت هذه الدورة التدريبية فارقًا كبيرًا، في رأي الجميع. يضيف عادل: «أثار إعجابي العمل على الجسد، فقد قمنا بتمارين استرخاء وتوازن، ولم يكن ذلك تافهًا كوننا نتواصل في إطار عملنا مع الآلات، وبتمارين تبادل الأدوار أعدنا خلالها تمثيل خلافات سابقة حدثت في الإطار المهني أو الشخصي. في الواقع، جعلتنا هذه التمارين نسقط عن وجوهنا قناع الأبطال». بدوره يشرح مروان: «تأثرت بتمرين الاعتراف بالجميل. طُلب منا التوجه بالشكر لكل من الزملاء على أمر ما. فشكرت المتعاونين على استثماراتهم وشكرت أحد المسؤولين عني لثقته التي ساعدتني على التقدم. وشكرني مشارك آخر على صدقي، فقد سمحت له بالتعبير عن نفسه». في نهاية الدورة، أدرك مروان أمرًا مهمًا فعلاً: «لم نتمكن من التعبير عن مشاعرنا من دون أن يسيء ذلك إلى العلاقات المهنية فحسب، بل وجدنا أن هذه العلاقات قد تعززت أيضًا». راحة لاحظت حنان فرقاً كبيراً بين المرحلة التي سبقت الدورة وتلك التي تلتها، «لا أعرف ما قد يترتّب عن تحسين السوق أو إعادة تنظيم الخدمات أو تقنية التواصل غير العنيف، لكنني أجد أن المديرين مرتاحون أكثر». تهتم حنان بإعداد الفواتير وعقود العمل والنفقات وتذاكر النقليات. تعرف مزاج كل موظف وتقدّر جهود البعض لتحسين أدائه. في رأيها: «يتمثل مصدر التوتر الأول بالنسبة إلينا في رسائل البريد الالكتروني، فهي تؤدي إلى سوء فهم. لكن اليوم، عندما نواجه ضغوطات معينة، نحاول البحث عن حلول بدلاً من إدانة الفشل». ويقول مروان: «لا أعتقد أننا أصبحنا أكثر لطفًا من السابق بل أكثر فاعلية إذ تعلمنا كيفية تجنب بعض المآزق». ماذا تغير بالنسبة إليه وإلى فريقه؟ «لم أعد أخشى التعاون مع موظف مبتدئ لأساعده في إنهاء عمله. في السابق، كنت أقوم بذلك على مضض وينتهي بي الأمر إلى غضب وانزعاج. أما الآن، فنستطيع التحدث حول العقبات ونحاول إيجاد حلول. بدوره يقول كريم (مدير في الشركة): «انتبهوا، التواصل غير العنيف لا يملي علينا الامتناع عن قول ما يجب قوله، إنما يدفعنا إلى اتخاذ موقف بعيد عن التوبيخ والتأنيب، وإلى تحمل المسؤولية عمليًا وكلاميًا على حد سواء». بانتظار أن يتشبع الفريق كله، في الدورة الثانية، بثقافة التواصل غير العنيف، يتابع عادل دورات التدريب عن بعد: «كنت أتكلم مع مدير سويسري على الهاتف، وكان على وشك توجيه إنذار إلى زبون غير راضٍ، يقول له: «إما تسير الأمور بهذا الشكل أو ننسحب من المشروع»، فجعلته يقرأ، خلف فظاظته للزبون، ما يعتريه من مخاوف: ضغط المنافسة، التسلسل الهرمي الملزم به... وتوصل المدير في النهاية إلى طمأنة الزبون والاعتذار له عن فظاظة كلامه، وتم إنقاذ العقد...»