الإنسان بتكوينه متشمم دقيق للغاية، يستخدم المعلومات التي يجمعها أنفه طوال الوقت. في دراسة أجريت في مركز مونيل طُلب فيها من الناس تحديد مصدر الروائح، أصابوا في ثمانٍ من أصل تسع مرات. ويلاحظ الباحث يوهان لاندستروم: «لكن عندما سألناهم إلى أي مدى هم واثقون من إجاباتهم، قالوا: «نحن نخمن». حتى عندما لا تعتقد أنك تشم رائحة مريبة، يعرف أنفك الكثير، خصوصاً عن الأشخاص من حولك. إليك أربع مواهب غير متوقعة لهذه الحاسة التي غالباً ما ننساها. 1- التعرف إلى الأقارب في دراسة تعتمد على إغلاق العيون، قدم إلى المشاركين قمصاناً ملبوسة من أفراد الأسرة، من صديق، أو غريب. تبين أنه يمكن اختيار روائح الأشقاء والآباء وحتى الأصدقاء المقربين بدقة أكبر من الحظ، لكن تمكن المشاركون من تحديد رائحة أمهاتهم بدقة تبلغ نسبتها ما يقارب 90 في المئة. في حين أن من المنطقي التعرف إلى روائح الأشخاص المقربين منا، فصلت دراسة متابعة القرب المادي عن التقارب البيولوجي ووجدت أن العلاقات الجينية القوية تمنح الشخص رابطة شمية خاصة، تتجاوز حدود الألفة. فيمكن للأمهات بسهولة التعرف إلى روائح أطفالهن، لكن ليس على روائح أحفادهن على سبيل المثال، ويمكن للأشقاء أن يحددوا بدقة روائح بعضهم. لماذا؟ وجد عدد من الدراسات التي أجريت على البشر والحيوانات أن لكل منا بصمة رائحة فريدة تحتوي على معلومات كيماوية حول بعض جيناتنا. فالتمييز بين من هم من العائلة ومن ليسوا منها يساعدنا في تحديد أهلنا ويحول دون الملاحقة الرومانسية للأشقاء والآباء والأمهات. 2- البحث عن الزوج تقول الباحثة في جامعة براون راشيل هيرز: «إذا لم تحب المرأة رائحة الرجل، يشكل ذلك حاجزاً أساسياً يعيق الحميمية». ويعتمد الرجال أيضاً على روائح النساء، لكنهم أكثر عرضة للتأثر بمظهر المرأة بدلاً من رائحتها. مع ذلك، ما من رائحة جيدة في المطلق. يجوز أن تبدو رائحة الرجل طيبة فعلاً بالنسبة إلى بعض النساء وسيئة للأخريات، وما من شيء يمكن فعله في هذا الصدد. في الواقع، الكيمياء الحيوية المتعلقة بالرائحة تشكل جزءًا من الكيمياء الجنسية، دليل يكشف لماذا يتفق أشخاص بعينهم بعضهم مع البعض. بصمة الرائحة الجينية نفسها التي تساعدنا على التعرف إلى أقاربنا تتناقل معلومات خفية عن جهاز المناعة، وتؤدي دورًا في عملية الجاذبية. عندما تجد امرأة أن رائحة الرجل الطبيعية رائعة، يشكل ذلك تلميحًا من دماغها على أن أنظمة المناعة لديهما متوافقة، المزيج الأمثل للتداخل أجهزة المناعة المتنوعة التي ستضاعف مقاومة أبنائهما للإصابة بالأمراض. إلا أن رائحة الجسم ليست مرتبطة بالإنجاب فحسب، فالرجال المثليون، على سبيل المثال، يفضلون رائحة رجل آخر مثلي الجنس على روائح النساء والرجال، ونجد تأثيرًا موازيًا بين المثليات. 3- الكشف عن العمر والمرض تدل أحدث البحوث التي أجراها لاندستروم وفريقه في مونيل على مهارة غير معروفة للأنف: يمكننا التعرف إلى روائح العمر والمرض. في دراسة حديثة لبلوس وان، تمكن المشاركون الذين استنشقوا روائح من 20 إلى 30 سنة، من 45 إلى 55 سنة ومن 75 إلى 95 سنة، من تمييز المجموعات الثلاث، وكانت رائحة المجموعة الأكبر سناً أسهل للتحديد. في دراسة أخرى غير منشورة، تم حقن المشاركين بترياق مضاد للسم يدفع الجهاز المناعي إلى حالة تأهب قصوى، كما لو كان مصاباً بمرض. أُخذت عينات رائحة بشكل مستمر من لحظة الحقن حتى ظهور الأعراض. وتبين أن الأفراد الأصحاء تمكنوا من الكشف عن رائحة المناعة المشددة بعد ساعة من الحقن، أي قبل وقت طويل من إظهار المشاركين للأعراض. في كلتا الحالتين، يعتقد لاندستروم، أننا في الواقع نشم رائحة كيماوية ترتبط بتفعيل جهاز المناعة، والتي يمكن أن تعمل بشكل مضاعف السرعة لدى المرضى وأولئك الذين تخطوا ال75 من العمر. في حين أن نفحة المرض قد تساعدنا شعورياً على تجنب الأشخاص المعديين، على الأغلب، ليست الرائحة قوية بما يكفي ليتم التعرف إليها بسهولة. 4- استشعار الخوف والإجهاد إذا أخذنا عينات عرق من شخصين يتصببان عرقاً، الأول يركض والثاني يلقي خطاباً، والعينة الأخيرة فقط ستفوح منها رائحة الخوف. في حين أننا لا نستطيع دائماً تحديد رائحة شخص قلق بشكل واع، يمكن للرائحة أن تتفوق على استجابة الكر والفر وتدفعنا الى مزيد من الحذر والوعي، بحسب لاندستروم. لا يعرف العلماء حتى الآن ما المادة الكيماوية التي تسبب رائحة الخوف، لكن تأثيرها موثق جيداً وحاسماً لبقائنا. فقد يكون من المفيد أن تشعر بالخوف إذا كان الآخرون خائفين، لأنك لا تعرف ما إذا كان النمر قاب قوسين أو أدنى، وعليك الخروج من هناك أيضاً.