أجمع خبراء اقتصاد على قصور سياسات واجراءات صندوق النقد الدولي التي اعتاد توزيعها على دول العالم الثالث بين الفينة والأخرى في تقديم ما ينقذ الوضع الاقتصادي لجهة اختلاط وصفاته وترياقاته بالصبغة السياسية وتحقيق المآرب الذاتية للغرب عامة عبر ادخال دول العالم الثالث تحت مظلة مصيدة الديون الغربية ومن ثم الارتهان والارتماء في أحضانها وتمرير أجندتها وتحقيق منافعها. ونفى خبراء اقتصاد جدوى الاستفادة من الروشتة التي قدمها صندوق النقد الدولي للحكومة السودانية القاضية بخفض دعم الوقود بشكل أكبر لجهة أن الدعم الذي تقدمه الحكومة للوقود كبير رغم فقدان العملة السودانية أكثر من نصف قيمتها، وزاد الخبراء أن توصية الصندوق لم تزد عما ظل ينادي به وعابوا على الوصفات التي درج على تقديمها الصندوق لجوءها للحلول الصعبة التي يعود أثرها السالب في نهاية المطاف على المستهلكين، اذ يعمد دوما على التركيز على المناداة برفع الدعم عن المحروقات وما من شاكلته من اجراءات بالرغم من وجود خيارات أخرى يمكن اللجوء اليها والصبر على نتائجها ، ولفتوا الى التعارض بين سياسات ودعوات صندوق النقد الدولي وصنوه البنك الدولي وما يدعو اليه المجتمع الدولي ومؤسساته من تحقيق لأهداف الألفية الانمائية التي يتقدم طليعتها تخفيف و خفض حدة الفقر في حين أن كل السياسات والاجراءات التي يدعو لها صندوق النقد والبنك الدولي تعمل على تعميق حدة الفقر. واتفق الخبراء على أن ثمة ما يقتضي الوقفة والمراجعة العجلى على الصعيد الاقتصادي لوقف دفق نزيف الاقتصاد السوداني الذي تكاثرت عليه سهام الانتقاص شريطة اكمال المراجعة والمعالجات بعيدا عن رؤية صندوق النقد التي ما أفادت دول العالم الثالث يوما ما على حد قولهم. وشددوا على ضرورة البحث عن خارطة طريق لانقاذ الاقتصاد السوداني قوامها اعادة هيكلته تماما مع الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية الحقيقية «الزراعة والصناعة» مع ضرورة الالتفات الى قطاع التعدين والعمل على توسيع دائرة التعدين المنظم بجانب زيادة رقعة المظلة الضريبية مع انتهاج سياسة نقدية مخالفة للتي أقدمت عليها الدوائر الاقتصادية مؤخرا . ويقول الخبير الاقتصادي البروفيسورعصام بوب ان القارة السمراء مرت عبر العقود الماضية بسلسلة من السياسات التي فرضها عليها البنك الدولي والتي رمت في مجملها لتبني سياسة التحرير الاقتصادي تحت دعاوى المساهمة في تنشيط القطاع الخاص ونقل السياسات الاقتصادية بدول القارة من قبضة المركزية الى باحة اقتصاديات السوق الحر حيث تم تكثيف الدعوة والترويج لخصخصة القطاعات الاقتصادية العامة باتباع سياسات التكيف الهيكلي عبر تمويل مشاريع كبيرة كثيرة عن طريق البنك وصندوق النقد الدوليين غير أن هذه السياسات برغم خلفيتها الاقتصادية المعروفة ونجاحها في الغرب، برأي بوب ،لم تجد البيئة المناسبة التي تساعد على نقلها الى القارة الأفريقية حيث أنها بصورة عامة برأيه كانت وما زالت متخلفة تقنيا واداريا مما قادت الى نتائج غير متوخاة فغرقت الغالبية العظمى من دول القارة السمراء في الديون الغربية فصعب عليها الخلاص جراء عدم نجاحها في ادارة المشاريع المقدمة لها لجهة عدم جاهزية تلك الدول من ناحية الطاقة الاستيعابية لاستقبال وتدوير رؤوس الأموال المقدمة لها فمثل ما تم استدانته من قبل الغرب فخا للسقوط في هاوية جب الديون الغربية مما ساعدها في بسط هيمنتها واحكام قبضتها على دول القارة فقادت الى آثار اقتصادية واجتماعية غير مرجوة عوضا عن المساعدة في نهوض المجتمعات والدول الأفريقية اقتصاديا واجتماعيا فظلت الدول تعاني من تلك الآثار ولم تتعافَ من أعراضها حتى يوم الناس هذا ، ويواصل بوب افاداته بأن السودان لم ينجُ من الوقوع في شراك الديون الغربية خاصة أنه من الصعب على المرء التنبوء بامكانية الخروج من وهدتها والخلاص من تبعاتها وملاحقاتها المتواصلة الا عبر اعفائها أو حدوث تحكم وهيمنة كاملة على مفاصل اقتصاده كما حدث في العديد من الدول الأفريقية بصورة مباشرة أو غير مباشرة حيث مثل تحديد وفرض الدخول تحت مظلة الاستثمار الأجنبي مخرجا وحيدا . ودعا بوب لنقل تجربة اليابان والصين والنمور اليابانية وماليزيا التي زار رئيس وزرائها الأسبق السودان الأسبوع الماضي وأعلن على الملأ أن بلاده لم تنفذ طيلة مسيرتها الاقتصادية حرفا واحدا من وصفات صندوق النقد الدولي. وختم بوب بالدعوة الى الابتعاد عن تنفيذ سياسة صندوق النقد الدولي والعمل على اعادة هيكلة الدوائر الاقتصادية كلية شريطة أن يتبعها اجراء حزمة من الاصلاحات الداخلية قوامها محاربة الفساد بصورة حقيقية وخفض الانفاق الحكومي والغاء كل الامتيازات والمخصصات الباهظة بجانب العمل على دفع عجلة الإنتاج بالمشاريع الاقتصادية الأساسية «الزراعة- الصناعة» والابتعاد عن التخبط وسياسة التجريب التي أضحت سمة مميزة للدوائر الاقتصادية. ومن جانبه ، يقول الدكتور محمد الناير ان روشتة صندوق النقد الدولي لا تصب في مصلحة البلاد لجهة ما ورائها من مآرب وأجندة سياسية، وزاد أن كل متطلبات الصندوق تدعو لرفع الدعم عن المحروقات التي تنسحب تأثيراتها تلقائيا على العديد من شرائح وقطاعات المجتمعات النامية محدودة الدخل بالرغم من وجود خيارات اقتصادية أخرى متاحة يمكن اللجوء اليها علاوة على أن دعوات الصندوق تتعارض وتتنافى مع أهداف الألفية الانمائية الأمر الذي يقود الى زيادة حدة الفقر عوضا عن خفضه أو تخفيف حدته. ولم يتوان الناير في وصم متطلبات الصندوق وسياساته بالقسوة، وأضاف ان أمام الحكومة العديد من الخيارات الاقتصادية تمكنها من الهروب من نفق الضائقة الاقتصادية التي تئن تحت وطأتها، وزاد على الحكومة حث الخطى لتوسيع المظلة الضريبية وزيادة الإنتاج عبر تشجيعه في المشاريع الزراعية والقطاعات الصناعية مع اتباع ذلك بزيادة رقعة التعدين وتنظيم قطاعه لاسيما في مجال التعدين عن الذهب بغية توفير المزيد من العملات الحرة والمحلية .وشدد على التخلي عن سياسة النقد الحالية والاستعاضة عنها بسياسة نقدية جديدة تقوم على تحديد سعري صرف للجنيه في مقابل العملات الأخرى أحدهما تشجيعي لحفز القطاعات الإنتاجية عبر المساهمة في تسهيل انسياب مدخلاتها والآخر للعامة دون أن يكون مسنودا بدعم فبمرور الوقت وتدفق الإنتاج سيعود سعر صرف الجنيه الى وضعه الطبيعي فيزداد احتياطي البنك المركزي من العملات الحرة. وحذر من مغبة انصياع الحكومة لوصفة الصندوق لجهة أنها تعني مزيدا من صنوف المعاناة على كاهل المواطن البسيط . الصحافة