إن الانتقادات التي صوبها خبراء ونقابيون أفارقة لسياسات البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي الاقتصادية ليست بدعا وقد سبق أن أشار خبراء سودانيون إلى قصور تلك السياسات في تقديم ما ينقذ الوضع الاقتصادي بالقارة السمراء لجهة اختلاط وصفات وترياقات المؤسسات عاليه بالصبغة السياسية وتحقيق المآرب الذاتية للغرب عامة عبر إدخال الدول الأفريقية تحت مظلة مصيدة الديون الغربية ومن ثم الارتهان والإرتماء في أحضانها وتمرير أجندتها وتحقيق منافعها. ودعا خبراء سودانيون إلى ضرورة العمل على فكاك الدول الأفريقية وإخراجها من براثن شبكة الاستدانة من الغرب التي غرقت في لجة بحرها كثير من الدول الأفريقية فيصعب لها الخلاص مع مرور كل يوم جراء تراكم الديون بسبب فائدة الدين المفروضة من قبل الغرب وبين أصله. ويرون أن المواءمة بين النظام الرأسمالي والاشتراكي من حيث المنظور الاقتصادي سيكون على يديها الحل أي ما يعني تطبيق النظرية الإسلامية الاقتصادية التي تنطبق عليها شروط الدعوة حتى يتسنى للدول والحكومات الأفريقية النهوض بواجبها في توفير المتطلبات الأساسية لشعوبها على رأسها توفير الغذاء والسكن والصحة والتعليم ومياه الشرب والطاقة والنقل والاتصالات والعمل اللائق . وكال الامين العام لمنظمة وحدة النقابات الافريقية حسن سنمون ،في مؤتمرصحفي بمنبر سونا أمس الأول انتقادات لسياسة التحرير الاقتصادي التي تتبناها كثير من الدول الأفريقية جراء إدخالها لإنسان مواطني تلك الدول في أوضاع إنسانية غير لائقة .وحث سنمون، الحكومات الافريقية على تحقيق نمو اقتصادي واقامة الحكم الراشد والديمقراطية ومحاربة الفساد واطلاق الحريات، وقال ان ورشة المنظمة الافريقية للنقابات التي ستستضيفها الخرطوم في التاسع من مايو الجاري ستناقش مشاكل البطالة والفقر والاقتصاد والحكم الراشد والديمقراطية . من جهته، قال الامين العام لاتحاد عمال نقابات السودان، علي يوسف عبدالكريم، ان الورشة ستحظى بحضور شخصيات دولية مهمة بينها خمسة وزراء عمل افارقة ومدير الشؤون الاجتماعية في الاتحاد الافريقي ومفوضة لجنة العمل والشؤون الافريقية،و ستطرح قضايا البطالة والحكم الراشد والازمة الاقتصادية التي تواجه الدول الأفريقية. ويقول الخبير الاقتصادي البروفيسور عصام بوب إن القارة السمراء مرت عبر العقود الماضية بسلسلة من السياسات التي فرضها عليها البنك الدولي والتي رمت في مجملها لتبني سياسة التحرير الاقتصادي تحت دعاوى المساهمة في تنشيط القطاع الخاص ونقل السياسات الاقتصادية بدول القارة من قبضة المركزية إلى باحة اقتصاديات السوق الحر حيث تم تكثيف الدعوة والترويج لخصخصة القطاعات الاقتصادية العامة باتباع سياسات التكيف الهيكلي عبر تمويل مشاريع كبيرة كثيرة عن طريق البنك وصندوق النقد الدوليين غير أن هذه السياسات برغم خلفيتها الاقتصادية المعروفة ونجاحها في الغرب برأي بوب لم تجد البيئة المناسبة التي تساعد على نقلها إلى القارة الأفريقية حيث أنها بصورة عامة بحسب بوب كانت ومازالت متخلفة تقنيا وإداريا مما قادت إلى نتائج غير متوخاة فغرقت الغالبية العظمى من دول القارة السمراء في الديون الغربية فصعب عليها الخلاص جراء عدم ناجحها في إدارة المشاريع المقدمة لها لجهة عدم جاهزية تلك الدول من ناحية الطاقة الاستيعابية لاستقبال وتدوير رؤوس الأموال المقدمة لها فمثل ما تم استدانته من قبل الغرب فخا للسقوط في هاوية جب الديون الغربية مما ساعدها في بسط هيمنتها وإحكام قبضتها على دول القارة، فقادت إلى آثار اقتصادية واجتماعية غير مرجوة عوضا عن المساعدة في نهوض المجتمعات والدول الأفريقية اقتصاديا واجتماعيا فظلت الدول تعاني من تلك الآثار ولم تتعاف من أعراضها حتى يوم الناس هذا . ويواصل بوب إفاداته بأن السودان لم ينجُ من الوقوع في شراك الديون الغربية خاصة أنه من الصعب على المرء التنبوء بإمكانية الخروج من وهدتها والخلاص من تبعاتها وملاحقاتها المتواصلة إلا عبر إعفائها أو حدوث تحكم وهيمنة كاملة على مفاصل اقتصاده كما حدث في العديد من الدول الأفريقية بصورة مباشرة أو غير مباشرة حيث تحديد وفرض الدخول تحت مظلة الاستثمار الأجنبي مخرجا وحيدا. واعتبر بوب أن خطوة مثل هذه ليست من الصواب بمكان ودعا لعدم القبول بها بل السعي والعمل على نقل تجربة اليابان والصين والنمور اليابانية التي اعتمدت على روح التنمية الوطنية واتخذت الاستثمار الأجنبي عاملا مساعدا لا أساسا للانطلاق بعكس حالة الدول الأفريقة التي جعلت الاستثمار الأجنبي أساسا فسهل وقوعها في دائرة الديون وانسد الطريق عليها من خلفها فصعب عليها الخروج منها جراء عدم اتباعها خططا واضحة للتنفيذ أو الإنتاج. ويقول إن وضع الدول الأفريقية يدعو لتبني رؤية جديدة تمازج بين الأنظمة الرأسمالية والاشتراكية والعودة إلى لب الرسالة الإسلامية التي شرحها الاقتصادي الألماني المنبوذ جوزيف شمبيتر، وختم بوب إن الارتهان للاستمثار الخارجي والقنوع بالديون الغربية لن يشكل مخرجا للدول الأفريقية بل سيزيد الطين بلة وضغثا على إبالة .