تونس - كذب أحد أبرز الجماعات السلفية في تونس رئيس حكومة الائتلاف الثلاثي حمادي الجبالي الذي كان أعلن أن السلفيين خططوا لإقامة "إمارة" سلفية بجهة دوار هيشر في محافظة منوبة شمال غرب العاصمة تونس. وقال رضا بلحاج الناطق الرسمي باسم حزب التحرير السلفي إن "حديث الجبالي عن مخطط إقامة إمارة سلفية هو حديث خطير جدا" و"اتهام لا أساس له من الصحة". وأضاف إن مسألة الإمارة الإسلامية لم تتحدث عنها الأوساط السياسية ولا الإعلامية التونسية وإنما تحدثت عنها "جهات خارجية" وهو ما يؤكد أن الحكومة تخضع لضغوطات خارجية وتتحدث بلسان جهات أجنبية. وكان حمادي الجبالي صرح يوم 9 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي لقناة "العربية" بقوله "أن الإحداث التي جدت بدوار هيشر من محافظة منوبة شمال غرب العاصمة تونس هي مؤشرات ومقدّمة لقيام إمارة إسلامية على غرار ما يحدث في أفغانستان والعراق". ولاحظ أن "بعض السلفيين يسعى إلى القيام مقام الدولة من امن ودور اجتماعي وسياسي وما نطق به بعض الأئمة للدعوة إلى الجهاد يمثل إنذارا بالخطر على البلاد والدولة لن تسكت عن ذلك وانه ليس عصيا على الدولة دخول المساجد وستدخلها لأنها تحولت إلى مخازن للمولوتوف والعصي". وتابع إن "دعاة العنف وكل ما سمعناه في الجوامع على غرار هلّموا للجهاد وقتلتنا في الجنة وقتلتكم في النار والاستظهار بالكفن كلها يشكل خطرا على البلاد ولن نسكت على تهديد النمط المجتمعي والاجتماعي في تونس". وفي بداية نوفمبر/تشرين الثاني الحالي شهد حي خالد بن الوليد بمنطقة دوار هيشر الذي يقع في محافظة منوبة اشتباكات عنيفة بين السلفيين وقوات الأمن. وهاجم أكثر من مائة سلفي مركزين للشرطة محاولين الاستيلاء على السلاح لكن قوات الشرطة تلقت تعليمات من وزير الداخلية بالتصدي لهم بكل الوسائل بما في ذلك استعمال الرصاص الحي. وأسفرت الاشتباكات عن مقتل سلفيين اثنين بالرصاص الحي هما أيمن العمدوني وخالد القروي كما أصيب رجلي أمن بجروح. ودعا رضا بلحاج إلى وقف التدخل الأجنبي في تونس الذي أصيح مفضوحا في السياسية التونسية مشددا على ضرورة اعتبار تدخل أي جهة في شؤون تونس الداخلية "عمالة" و"خيانة" من أجل حماية الثورة. وأكد أن "مداخل العمالة الأجنبية خلال هذه الفترة الحساسة التي تمر بها تونس تعددت مطالبا ب "ضرورة كشف كل الجهات الأجنبية التي تتدخل في شؤون تونس الداخلية". وكان إمام جامع النور نصر الدين العلوي بحي خالد بن الوليد بدوار "هيشر" اين جدت الاشتباكات اتهم حركة النهضة الإسلامية بأنها "ليست سوى ذراع الإدارة الأميركية في تونس" منحتها واشنطن صكا أبيض ل"تنفيذ سياساتها في البلاد والفتك بالسلفيين وقتلهم" ودعا النشطاء السلفيين إلى "إعداد أكفانهم" استعدادا للجهاد ضد الحكومة الكافرة. وقال العلوي إن "تونس لا تديرها حركة النهضة ولا الأحزاب السياسية بل تديرها جهات أمن الدولة التي هي حديقة خلفية للحكومة التي تُدار من الإدارة الأميركية من واشنطن" مشيرا إلى أن " النهضة وبعض الأحزاب تريد أن تقوم بحملة انتخابية استباقية على جثث وأنقاض التيار السلفي". وبعد ساعات من تصريح العلوي، أحبطت قوات الأمن التونسية محاولة عدد من السلفيين اقتحام مقر قناة "تونسنا" الخاصة في شارع الحرية وسط العاصمة التونسية. وذكر موقع قناة "التونسية" ان "فرقة مكافحة الإرهاب تمكنت في سرعة قياسية من القبض على أفراد العصابة التي حاولت اقتحام مقر القناة التلفزية 'تونسنا'، وقد اتضح ان المورطين هم من شباب المنطقة (..) وتم تطويق الحادث وعادت الأمور الى سالف نشاطها". ومنذ مطالبة واشنطن حكومة النهضة بتقديم "المجرمين السلفيين" الذين هاجموا السفارة الأميركية يوم 14 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ل "ألعدالة" تحاول النهضة "تشديد القبضة الأمنية" على الجماعات السلفية التي "أعلنت الجهات على الحركة الإسلامية الحاكمة". وقالت قيادات الجماعات السلفية إن حكومة النهضة اعتقلت 900 عنصر سلفي "استرضاء للولايات المتحدة الأميركية". وفي 3 نوفمبر/ تشرين الثاني هاجم "شيوخ السلفية في تونس" حركة النهضة ووصفوها في سابقة هي الأولى من نوعها واتهموها بالسعي "لإشعال الحرب والفتنة" بين التونسيين وبالتخطيط "لاستئصال التيار السلفي" خدمة لأجندة داخلية وخارجية" من أجل التعتيم على "مشاريعها الفاشلة. وقال بيان أمضاه قادة السلفية خَمِيس الماجري ومحمّد خليف وعماد بن صالح ومحمّد أبو بكر وأبو صهيب التونسي إن حركة النهضة "ضالعة في مخطّطات تآمريّة إقصائيّة واستئصاليّة، كانت هي في يوم ما ضحيّة لها وذاقت علقمها وقسوتها". وطالبوا الحكومة بوقف "التّدهور الخطير" الذي انزلقت فيه البلاد وأدى إلى سقوط قتلى. وأعربوا عن خشيتهم من أن تكون أحداث مسجد النور بدوار هيشر بمحافظة منوبة "الشّرارة الأولى للنّار التي يحاول بعض المغرضين إشعالها لتكون مبرّرا لشنّ حملات إعلاميّة وأمنيّة وعسكريّة للقضاء على مكاسب الثّورة من حرّيّة للفكر والتّعبير والدّعوة إلى الله سبحانه، يكون الشّباب الذي يتبنّى المنهج السّلفي أوّل ضحاياه، تحقيقا لمصالح الفاسدين واستجابة لضغوط الحكومات الغربيّة المحاربة لله ورسوله". وقال شيوخ التيار السلفي إنّ مؤامرات حركة النهضة "الشّرّيرة البائسة، والمخطّطات الفاشلة، التي تحوكها ضدّ التّيّار السّلفي لا تزيدنا إلاّ قناعة بصحّة منهجنا وسلامة مسيرتنا، كما لا تزيدنا أيضا إلاّ تمسّكا بالإسلام عقيدة و بملّة إبراهيم منهجا". وفي 10 أكتوبر/ تشرين الأول حذر شيوخ التيار السلفي في أول مؤتمر صحفي لهم من أن جهات داخلية وخارجية تخطط لتنفيذ أعمال "إرهابية" في البلاد من أجل نسبتها إلى التيار السلفي الجهادي، وحملوا الحكومة مسؤولية "انفجار" السلفيين إذا ما تواصل "الظلم والعنف" المسلط عليهم من قبل حركة النهضة. وكان الشيخ خميس الماجري كشف خلال المؤتمر الصحفي أن لديه "معلومات متأكدة" بأن هناك مخططا لإحداث عنف والقيام بتفجيرات في البلاد قصد تلفيق ذلك إلى التيار السلفي. وشدد "نحن أبرياء من كل حدث سيقع". و قال الشيخ عماد بن صالح المكنى بأبو عبد الله التونسي "نخشى أن يتم تنفيذ أي عمل إجرامي أو إرهابي ثم ينسب إلى السلفية، حتى يضرب هذا التيار وتتحول البلاد إلى حرب بين تيارات عسكرية وبوليسية". وأثبتت الأحداث الأخيرة صحة "المعلومات" التي أعلنها شيوخ السلفية حيث أعلن وزير الداخلية والقيادي في حركة النهضة علي لعريض أن الأجهزة الأمنية "أحبطت عملية إرهابية" خططت لتنفيذها شبكة من تجار الأسلحة دون أن يقدم إيضاحات حول ما إذا كانت الشبكة مرتبطة بالتيار السلفي الجهادي. غير أن مصادر أمنية واستخباراتية تقول إن حوالي 100 عنصر من تنظيم القاعدة دخلوا تونس وتمكنوا من تهريب أسلحة مختلفة إليها منذ سقوط نظام بن علي في 14 كانون الثاني/ يناير 2010. ولا تستبعد نفس المصادر إقدام عناصر القاعدة على القيام بعمليات إرهابية تستهدف مؤسسات رسمية وبعثات دبلوماسية لدول غربية. وهدد الماجري حركة النهضة قائلا "إن السلفيين في تونس موجودون من أقصى شمال البلاد إلى أقصى جنوبها وأنهم يزدادون كل يوم قوة وعددا وعدة ولا يمكن إقصاؤهم أو إنكارهم" ملاحظا "إذا تمادت الحكومة في الضغط على السلفيين فإنهم سينفجرون". من جهته حمل أبو عياض زعيم السلفية الجهادية في تونس الذي يوصف بأنه رجل القاعدة في تونس المسؤولية لوزير الداخلية علي العريض "إذا ما حدثت فتنة في البلاد" متهما إياه ب"ترهيب الشعب بواسطة فزاعة السلفية لإرساء دكتاتورية جديدة وبجر البلاد نحو الفتنة و بخدمة أجندات أعداء الشعب" معتبرا أن علاقتهم بوزارة الداخلية "تقوم على العداء و أنه لا تربطهم أي صلة بحركة النهضة". وقال أبو عياض إن هناك "مخطط لضرب استقرار البلاد" عبر "القيام بعمليات تفجير في الأسواق والحافلات لتأجيج الغضب ضد الجهاديين تمهيدا لتصفيتهم" مضيفا أن "المخطط ستنفذه أحزاب في السلطة للسيطرة على الحكم". وأشار إلى إنّ "الولاياتالمتحدة وبريطانيا لها علم بمثل هذه المخططات وهي تدعمها لوضع قواعدها في منطقة شمال إفريقيا. ويعد أبو عياض من أخطر السلفيين الجهاديين في تونس نتيجة تجربة راكمها على امتداد أكثر من 20 سنة تنقل خلالها بين أفغانستان وباكستان والعراق وتركيا وسوريا ليكتسب خبرة في مجال التنظيم والتنسيق المحكم وقدرة على إدارة جماعات سلفية متشدّدة. والتقى أبو عياض بزعيم القاعدة أسامة بن لادن مرة واحدة فيما التقى بأيمن الظواهري مرتين. ويقدر عدد السلفيين في تونس ب 5 آلاف شخص غير أن المتخصصين في الجماعات الإسلامية يرون أن عددهم يصل إلى يتراوح بين 8 و10 آلاف شخص. ويرجع المراقبون ارتفاع عدد السلفيين وتنامي سطوتهم في بلد كثيرا ما ناضل مصلحوه من أجل قيم الحداثة إلى التسامح الكبير الذي أبدته حكومة النهضة تجاههم واستعمالهم كذراع تبطش بها خصومها السياسيين من القوى اليسارية والعلمانية. ويتوقع الفاعلون السياسيون بل حتى التونسيين العاديين أن تتصاعد حدة التوتر بين حركة النهضة والسلفيين خاصة بعد مقتل اثنين من "إخوانهم".