لا شك أن ظواهر الكرامات الدينية والصوفية لم تكن في يوما غائبة عن ذهن الإنسان السوداني ، بل حاضرة في تاريخ مجتمعنا ، من خلال طبيعتها الباطنية ، وسريتها ،وبسبب غموضها . لذا كان الاختلاط لدي البعض بينها وبين السحر والشعوذة كما ورد في كتاب طبقات ود ضيف الله. ولكن ما أود سرده الآن يتعلق برؤيا أو حلم شاهدته قبل أكثر من أربعة عشر عاما وتكرر حينها ثلاث مرات، والرؤيا وهي غالبا تكون قصيرة ويكون فيها بشارة أو تحذير للرائي وهذه الرؤيا يراها المؤمن والفاسق والكافر كما حدث مع رؤيا فرعون ملك مصر التي عبرها النبي يوسف عليه السَّلام والتي ذكرت في القرآن الكريم . في نهاية أغسطس 1998م، سافرت من مدينة الدويم إلي العاصمة الخرطوم يومها لم أكن التحقت بالجامعة بعد ولكني نزلت حينها مع شقيقي طالب القانون محمد حمودة في داخلية الوسط بجامعة الخرطوم ، ولضيق الغرفة التي يسكن بها شقيقي بداخلية كسلا ،حولت استضافتي بغرفة بداخلية المناهل يسكنها بعض أصدقاءه، المهم في الأمر في تلك الليلة سقطت أمطار خفيفة ،وانقطع التيار الكهربائي وكان الجو ساخن، فصعدت إلي سطح الداخلية وكان الجو فيه واقرب للبرودة ، ووجدت معظم الطلاب قد سبقوني بمراتب القطن التي يفترشونها في سطح داخلية المناهل، وما أن أغمضت عيني ، وسيطر علي النوم ،حتي شاهدت شاب اسمر قد نزع من جسدي الملاية التي كنت أتغطي بها ونزل السلم وطلب مني أن اتبعه من غير أن ينطق بحرف واستيقظت ووجدت الملاية بالقرب من السلم، ونمت بسبب الإرهاق وتكرر نفس الشئ ، حاولت لف الملاية علي جسدي جيدا ونمت وتكرر الأمر للمرة الثالثة ، بعدها نزلت للغرفة في الطابق الأول ونسيت الأمر. وبعد أسبوع من تلك الليلة شاهدت صورة ذلك الشاب الذي شاهدته في الحلم ملصقة في دولاب الغرفة ولكنه كان يرتدي قميصا مشجر ونظارة بيضاء ، فسالت عنه طلاب الغرفة ،فاخبروني بأنه الطالب محمد عبد السلام ،من أبناء مدينة ود مدني تم استقطابه للجبهة الديمقراطية بواسطة الطالب أمير (ميرف) ،وكان لديه نشاط اجتماعي تمثل في انتخابه سكرتيراً عاماً لرابطة طلاب مدني بجامعة الخرطوم، بالإضافة إلي كونه أحد قادة لجان السكن بالداخلية ومطالبته بحقوق الطلاب الخدمية وقد حاول توزيع المراتب علي الطلاب من مخازن الصندوق القومي، ولكنه تعرض بعدها لعملية قتل ، فقد شاهده بعض الطلاب وهو يجر من رجليه ورأسه ينزف دماً بعد اصطدامها عدة مرات بالسلم الأسمنتي لداخلية المناهل، وكان ذالك من اعلي طوابق الداخلية. كما حدثني بعض الطلاب لاحقا بان السلم الذي صعدت بواسطته آنذاك إلي سطح الداخلية هو السلم المقصود ، وان المرتبة التي نمت عليها كانت سببا في مقتله، بعد مرور أكثر من أربعة عشر عاما إنا الآن انتهيت من الماجستير وفي مرحلة الدكتوراه ، ولكنني مازلت أتذكر ذلك الحلم وكأنه مضت عليه لحظات ، أتسال هل مات محمد عبد السلام ضحية لممارسات ظالمة أم مات شهيدا. معتصم حمودة [email protected] 0121688684