موسكو - بنيديكت فون إيمهوف - يبدو أن القدر لا يريد أن تهدأ العلاقات المتوترة بين الولاياتالمتحدةوروسيا عن طريق تكرار أخطاء التاريخ بسبب خلاف متعلق بالصواريخ بين الطرفين، بسبب رغبة واشنطن في وضع درع مضاد للصواريخ في أوروبا، وهو الأمر الذي ترفضه روسيا بصورة قاطعة وترى أنه يمثل تهديدا بالنسبة لأمنها. يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن البيت الأبيض يرغب في كسر التوازن الاستراتيجي عن طريق هذا الدرع الصاروخي، وربما كان فوز الرئيس باراك أوباما بولاية ثانية جديدة جاء لمنع زيادة التوتر بصورة مضاعفة، خاصة وأن منافسه في الانتخابات ميت رومني قال خلال حملته إن "روسيا ستكون عدوه رقم واحد"، وهي النبرة التي عادت لتذكر بأيام الحرب الباردة. ومنذ 50 عاما كانت موسكووواشنطن تتبادلان كلاما مسموما عبر المحيط الأطلسي أيضا بسبب الصواريخ، ففي تشرين أول/ أكتوبر 1962 وبسبب الأزمة الكوبية كان العالم على وشك أن يشهد حربا نوويا بين القوتين العظمتين، حيث أن الولاياتالمتحدة لم يكن لديها أي استعداد للتسامح مع تركيب رؤوس نووية سوفيتية في الجزيرة. تعود الأزمة إلى آب/ أغسطس 1962 عقب عدة عمليات فاشلة للولايات المتحدة لإسقاط النظام الكوبي مثل "غزو خليج الخنازير" و"عملية النمس"، حيث شرعت حكومتا كوبا والاتحاد السوفيتي في بناء قواعد سرية لصواريخ نووية متوسطة المدى في كوبا لديها القدرة على إصابة الولاياتالمتحدة وذلك ردا على قيام واشنطن بنشر مجموعة من الصواريخ في بريطانيا وإيطاليا وتركيا بشكل أعطى الأمريكيين فرصة لضرب موسكو بأكثر من 100 رأس نووي. فكرت الولاياتالمتحدة في مهاجمة كوبا عن طريق الجو والبحر، ثم استقر الرأي بفرض حظر عسكري عليها. فأعلنت الولاياتالمتحدة أنها لن تسمح بتسليم أسلحة هجومية لكوبا، وطالبت السوفيت بتفكيك أي قواعد صواريخ مبنية أو تحت الإنشاء في كوبا وإزالة جميع الأسلحة الهجومية. ولم تتوقع واشنطن استجابة من الكرملين، فيما جاء رد موسكو في رسالة من الزعيم نيكيتا خروشوف قال خلالها إن حظر الملاحة في المياه أو الأجواء الدولية يشكل عدوانا قد يؤدي لحرب دولية، ثم بدأت قنوات سرية في السعي للتوصل إلى حل الأزمة، التي انتهت بوساطة أممية لإزالة قواعد الصواريخ الكوبية والتعهد بعدم غزو الجزيرة على أن تقوم الولاياتالمتحدة بالتخلص من صواريخ جوبيتر وثور الباليستية. الوضع الآن مشابه بصورة أو بأخرى للأزمة الكوبية، مع فارق أن روسيا الآن هى التي تشعر بأنها مهددة من قبل الولاياتالمتحدة، حيث يرى بوتين أن الدرع المضاد للصواريخ "مشكلة هامة" تؤثر على المصالح العليا للبلاد، حيث يرى "سيد الكرملين"، الذي يرغب في إعادة بلاده إلى القوى العظمى مجددا، أن وضع درع صاروخي بالقرب من الحدود يعتبر استفزازا، لذا فإن روسيا تهدد بهجوم وقائي لمنع مثل هذا الأمر. وتلاقي هذه النبرة الحادة الكثير من الإعجاب في روسيا، فعلى الرغم من مرور 20 عاما على انتهاء الحرب الباردة، إلا أن الكثير من الروس لا يزالوا يرون الولاياتالمتحدة كأكبر عدو لهم، ووفقا لآراءالكثير من الخبراء في روسيا فإن النزاع المتعلق بالدرع الصاروخي جعل إعادة بدء العلاقات الذي تحدث عنه أوباما والرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفييدف مهدد بالفشل. ويأتي هذا على الرغم من البداية الجيدة بين الطرفين عقب السنوات الصعبة التي مرت بها علاقات روسياوالولاياتالمتحدة، خلال حقبة الرئيس السابق جورج بوش، حيث أن أوباما وميدفيفيدف وقعا في براغ على معاهدة (ستارت) الخاصة بنزع السلاح النووي، هذا فضلا عن دخول روسيا الصيف الماضي إلى منظمة التجارة العالمية، واتفاق الطرفين على تسهيل تأشيرات الدخول لرجال الأعمال. لكن منذ عوة بوتين إلى رئاسة الكرملين في آيار/ مايو الماضي فإن التوتر عاد للظهور من جديد، فبمجرد توليه المنصب، رفض المشاركة في قمة جي8 بكامب ديفيد بالولاياتالمتحدة وأرسل رئيس وزراءه ميدفيديف، ولهذا فإن الكثير من المراقبين اعتبروا أنه رد بهذه الطريق لأوباما عدم سفره لحضور منتدي التعاون الاقتصادي بين آسيا والباسيفيك في فلاديفوستوك الروسية. يأتي هذا بجانب عدم اتفاق الطرفين على طريقة واحدة للتعامل مع الأزمة السورية، فموسكو ترتكز في نظريتها على التحذير من مخاطر التدخل العسكري لصالح معارضي الرئيس بشار الأسد وتعرقل أي قرار في مجلس الأمن ضد نظامه بسبب هذه الحجة، بخلاف أيضا وجود نزاع أخر يتعلق بهيئة المساعدات الأمريكية والتي أوقفت موسكو عملها في البلاد لأسباب قالت إنها أمنية، وهو الأمر الذي أثر على عمل المراقبين المستقلين والذين بفضل تمتعهم بالمساعدات الأمريكية نجحوا في إثبات وقائع التزوير في الانتخابات البرلمانية عام 2011 مما أدى لخروج احتجاجات قوية وتاريخية ضد بوتين. كل هذا بخلاف الانتقادات الأمريكية القوية لإدانة ثلاث سيدات بفريق (بوسي ريوت) الغنائي عقب احتجاجهن على الرئيس الروسي داخل كنيسة مما أدى لاعتقالهن وإدانتهن بتهمة تدنيس المقدسات، ويواجه هذا الأمر بالمثل تصريحات روسيا بخصوص فيكتور بوت المدان بدعم أنظمة إرهابية والمحكوم عليه بالسجن 25 عاما في الولاياتالمتحدة، حيث ترى موسكو أن هذا الأمر ليس سوى "حكما سياسيا" وتطالب بتسليم رجلها العسكري القديم. ولكن يظل الخلاف الأكبر بين الطرفين على الرغم من كل هذا هو النزاع المتعلق بالدرع المضاد للصواريخ، والذي جعل موسكو تهدد بالانسحاب من معاهدة (ستارت) حيث أن موسكو ترى وفقا لتصريحات وزير خارجيتها سيرجي لافروف أن الأهم من إعادة بدء العلاقات هو تحديثها.