وعادت أمس في أجمل أزيائها التي تنتقيها دون منافس بعناية، في أبهى حللها التي لا يشابهها شيء.. صحيفة «الانتباهة» تألقت أمس بعد غيبة دامت قرابة الثلاثة أشهر أو يزيد، لتقدم لمن تسميهم (الأغلبية الصامتة) ما لم يكونوا ليتزودوا بها لولا فلق بدر (الانتباهة) في الليلة الظلماء!! فإذا كانت العزائم تأتي على قدر العزم فإن الانتباهة تثبت معكوس القول عملياً أمس فقد أتت قومها بمثل ما أتى هدهد سبأ من يقين الخبر، ومن للأغلبية الصامتة الذين تتزعمهم غير (انتباهة الغفلة)؟!، الفرقعة التي فاحت أمس من ثنايا خط عريض يقول (احتجاز باخرة إسرائيلية تحمل أسلحة مصدرها جنوب السودان). ومن ضمن ما جاء في متن الخبر: (كشفت مصادر يمنية عن قيام القوات البحرية الجيبوتية باحتجاز سفينة أسلحة إسرائيلية تحتوي على كميات من (الذخائرالمعدلة) قادمة من جنوب السودان في طريقها لتفريق حمولتها في أحد المنافذ الساحلية اليمنية، استعداداً لنقلها الى عناصر التمرد الحوثية في صعيد شمال اليمن. وتابوا كلمة (إسرائيلية) وحدها تكفي لإقناع أغلبية الانتباهة الصامتة. بينما أوردت صحيفة «الأحداث» نقلاً عن الوكالات ذات الخبر على النحو التالي: (احتجزت القوات البحرية الجيبوتية سفينة أسلحة تحتوي على 400 قناصة في طريقها لأحد المنافذ الساحلية اليمنية، استعداداً لنقلها الى عناصر التمرد الحوثية في صعدة. وكشفت تقارير إعلامية يمنية أن السفينة تم ضبطها في 26 سبتمبر في المياه الجيبوتية المقابلة لساحل محافظة تعز بعدما مرت عبر جنوب السودان، قبل توقفها في الساحل (ذباب اليمني) منوهة الى أن شحنة السلاح قادمة من إسرائيل) . ورد في الخبر عبارة، (مرت عبر جنوب السودان) لكن الانتباهيين عند انتباهتهم الصارخة لاحظوا ما لم تلحظه حدقات (زرقاء اليمامة) لذلك عمدوا عند شرح متن الخبر في أقوى دلائل احترامها لعقول أغلبيتها الصامتة الى إضافة (التوابل الحارقة) حتى يتناسب ويستساغ الطعم بحسب ما هو معهود من درجات التذوق فكان خطهم العريض أمس يفسر زبدة الخبر ب(مصدرها جنوب السودان) ولم الغرابة أليست تلك رأس مالها من المهنية الصحفية والأمانة الوطنية؟. ثم يحدثنا مجلس الصحافة الموقر في مرافعته عن الميلاد المتفرد للانتباهة بأكثر مما كان عليه حالها سابقاً ونظراً لحرج المرحلة، ومن باب الرفق بالإنسان أن هناك (من ارتبطت أرزاقهم بصدور الصحيفة)، بل ويمضي اتحاد الصحافيين على لسان محي الدين تيتاوي بحسب تقرير الزميل أحمد حمدان على صفحات هذه الصحيفة 4 أكتوبر: (قلل تيتاوي من تأثير الانتباهة على وحدة البلاد لجهة أن هناك أصواتاً بالجنوب تصدح بصوت جهير بالانفصال ما يجعل من العدالة بمكان أن تطلق أصوات الانفصاليين بالشمال). وهنا فقط تكمن قمة مفهموم الحريات الصحافية والتحول الديمقراطي. وفات على السيد تيتاوي أن أصوات الانفصاليين في المسيرة الهادرة التي تنتظم مدن الجنوب في التاسع من كل شهر تعبيرا عن ترقب الاستفتاء كانت تقول ب(المناداة بإجراء الاستفتاء في مواعيده، وتحقيق الاستقلال الكامل لجنوب السودان، واحترام الخيار، والتأكيد على علاقة جوار أخوية مع الشمال). ولم تكن الشعارات والهتافات على نحو (الشماليين مختلفين عنا في الثقافة ويقصدوننا في ديننا، ويريدون الهيمنة على هويتنا وتشويهها ويستهدفون افريقيتنا، وقبيلة فلان تبغض قبيلة علان لأنها تهيمن، ومعظم الوزراء من قبيلة فرتكان) أولئك لم يعمدوا الى ترويج مثل تلك البضاعة الكاسدة رغم استهدافهم للإسلام والعروبة، بحسب ما يعتقد أهل الانتباهة إلا انهم بحسب الواقع أكثر علماً ممن يدعون تبني الدعوة الى الإسلام، لسبب بسيط لأن الكفر الذي هو شأن بين الرب وعبده لا يبيح إزهاق ما جعله الله من السبع الموبقات، فما بالك بطبول الفتن التي تعكف الانتباهة على ضربها كل يوم؟ فلا نجد أبلغ مما قال به الإمام محمد عبده في حديثه عندما زار الغرب: (وجدت الإسلام هناك ولم أجد المسلمين، وفي الشرق وجدت المسلمين ولم أجد الإسلام)، بيد أننا نهدىء من روع الانتباهة رغم يقيننا أنها ستدرك ما فاتها من (الدسم) خلال أيام احتجابها.. نقول لها هوِّني عليك فقد كان هناك من هو خير خلف لخير سلف عبر تصريحات كفت ما تنجزونه من رسالة لخصها لنا إكراما اتحاد الصحافيين (بالحاجة إلى إطلاق كورال الشمال الانفصالي مقابل كورال الانفصال الجنوبي حتى يكتمل اللحن ويشدو، فما أحوج السودان في قادمات الأيام الى مثل تلك الكورالات التي تملأ السودان ابتهاجاً حد الابتهاج. د. ربيع عبد العاطي ينفي في إحدى إفاداته علاقاتهم بالانتباهة نفياً باتاً في وقت يقول فيه صاحب الولاء السخي فتحي شيلا: (لا تظن الحركة الشعبية انها من تحتكر الدعوة الى الانفصال، هكذا هي الغرائب لا تلد إلا العجائب، فإذا كان التيار الانفصالي بالمؤتمر الوطني لا تعجبه وحدة قرنق التي يفضل عليها الانفصال ويجد نفسه بحكم الشكلية أمام ضرورة تجميل وجه ما قال به من اعتذار باهت، فإن ضرورة الانتباهة في هذا الزمان بالذات تأتي من حيث الحاجة للتنفيس بحكم أن أولئك يئس منهم ولا يؤاخذون بما يقولون أو على الأقل (لأن البرقص ما بغطي دقنو) وقتل القتيل قد لا يمنع من السير في جنازته. حينما كان جهاز الأمن يصدر قراراً يقضي بحظر صدور صحيفة الانتباهة مؤقتاً بدعوى انها خالفت الدستور واتفاقية السلام الشامل بتحريضها الواضح على الانفصال)، كانت الآمال والتوقعات تقول بإمكانية إقناع الجنوبيين الانفصاليين بالوحدة عبر خطوة إيقاف الصحيفة على الأقل من باب الظن بأن قناعة الانفصاليين الجنوبيين قد تتكسر أمام ذلك الإغراء الذي تصدر من أعلى المستويات، غير أن شأن الانفصاليين لم يكن بأحسن من شأن النازحين الذين أشرنا في المقال السابق بإسباغ رحمة الخرطوم عليهم دون أن تحمل النتيجة ما كان يرجى من القول بالوحدة، ولكن أما وقد تأكد عنت أولئك الانفصاليين ودعوتهم حد (فقع) المرارة صباح مساء، فما الذي يجبر انفصاليي المؤتمر الوطني على الميتة وخراب الديار، انفصال واحتكار الحديث عن (الانفصال) أيضا؟!، لذا لزم الأمر إخراج دابة الأرض إذن . قالوا على لسان (قائليهم) بأن الانتباهة أوقفت لأنها خالفت الدستور، ولأننا استنفدنا كل أرصدة الدهشة، لم نتساءل، أبعد خمسة أعوام يكتشف عراب نيفاشا بأن الانتباهة تخرق الدستور؟ وهي التي تتكلم صباح مساء عن النعرات التي منعتها نيفاشا وتتكلم عن استهداف الدين وتتكلم عن عداوة القبيلة الفلانية للقبيلة العلانية، ولكن ماذا نقول غير ما قاله تعالى: (فمن يضلل الله فما له من هاد). وماذا نقول سوى أن على القلوب أقفالها. فليست العين ما ترى منذ الأزل بل النفس والغرض وما أدراك ما النفس والأمراض التي تلف الأغراض في زمان الناس هذا . والانتباهة تبعث الآن من قبل ربانها لتكمل ما بدأته من رسالة منذ ولادتها، ومباركتها الآن تأتي على قناعات الدفاع عن التصريحات والتيارات الانفصالية بمنطق رد الكيد وفقاً لعقليتهم وبمنطق (التخاطب بلغة المخاطب) ولتكمل الانتباهة ما بدأته من سامي الغايات فكما قلنا لم يعد هناك ما يرفع له حاجب الدهشة أو ما هو غير متوقع، واننا نراهن على أهل الشمال دون (الأغلبية الصامتة) الذين عاشرناهم وخبرناهم علاوة على المراهنة على العقلاء والرشَّد في تفهمهم لأن أسباب جنوح الانفصاليين للانفصال ليس كرهاً للشمال وشعبه لمخالفتهم الدين والهوية أو الزهد فيهم، بل لظلم لحق بهم وما زال عندما تعذر استيعاب (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) والتعارف لا يعني الهيمنة والتتبيع والإذابة والتماهي. التآلف والتعايش والاقتداء . وما لا يعلمه انفصاليو الشمال هو أن حالهم يشبه حال من ورد أمرهم في حديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث إن اعتلاءهم أعلى السفينة لن يعصمهم من الغرق حال تركهم من يعتلون أسفلها ليقوموا بخرق السفينة. أجوك عوض الله