فجعتُ مثل غيري لوفاة أربعة من طلاب دارفور يدرسون في جامعة الجزيرة، والأمر تحت التحقيق لمعرفة أسباب الوفاة، لأنه مختلف عليه، ادارة الجامعة تقول انهم غرقوا في الترعة، بينما حيثيات أخرى تشير إلى أن الموت بسبب آخر، يؤكد هذا الحدس الموتمر الصحفي الذي عقده مدير جامعة الجزيرة الذي سرد احداثيات الصراع منذ بداية ديسمبر وحتى محاولة اقتحام ادارة الجامعة في 12/5 وتدخل الشرطة، وفجأة اتجاه الحديث إلى غرق هؤلاء في الترعة، ليس هناك «ربط» بين الصراع والاحتجاجات في الجامعة والغرق إلا إذا قال وبينما الشرطة تفض الاشتباك وتمت مطاردة الطلاب حتى الترعة ففي هذه الحالة يمكن أن يكون هناك غرق، إذن استنتاجات الذين يقولون ان الموت تم بفعل فاعل هي أقرب إلى الصواب، فلننتظر نتيجة التحقيق، وقبل الانتظار لابد لنا من معرفة هذه اللجنة، وما هو موقع القيادات الدارفورية في الخرطوم منها؟ ما هو موقع البرلمانيين منها؟ وموقع السلطة الاقليمية لدارفور، وكذلك روابط طلاب دارفور، مع ثقتنا الكاملة في أي سوداني ولكن عندما قال سيدنا إبراهيم لربه أرني كيف تحيى الموتى قال له ربه أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي. ونحن وحتى تطمئن قلوبنا لابد من اشراك هذه الجهات في اللجنة، لأن هذه الجهات في جُلها أدت القسم في حفظ أرواح الذين أتوا بهم الى سدة الحكم، كما أنه من الضروري إعلان هذا التحقيق على الملأ ليلم الجميع بالحقيقة. ان موت الطلاب الجامعيين بهذه الطريقة «الدراماتيكية» شئ مذهل للغاية، ولقد تكرر كثيراً في الجامعات السودانية، وسوف يتحمل الذين في التاريخ السابق وزر ادخال السياسة في الدراسة، ولا شك عندي ان الاسلاميين واليساريين في الستينيات من العصر الماضي هم الذين أدخلوا هذه الثقافة القاتلة، ولعل رقصة العاجكو في جامعة الخرطوم، والتي استفزت الاسلاميين حيث ألقى أحد الطلاب الإسلاميين في ذلك الوقت، وهو أحد ولاة الولايات في سودان اليوم أول حجر في مرمى الشيوعيين، ومن ذلك اليوم والساحة الطلابية لم تجد عافية حتى استشهاد طلاب جامعة الجزيرة، وحوادث أم درمان الاسلامية الأخيرة، وتأصيلي لتحمل الوزر قول المصطفى صلى الله عليه وسلم من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين، ومن سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم الدين، ومأساة العاجكو التي شهدت أول حجر أصبحت اليوم ملهاة عندما ننظر إلى الفضائيات السودانية والميوعة في الأغاني والتبرج النسائي وفجور الكلمات، ما رأى السيد الوالي العالم الذي ألقى أول حجر بعد أن أطال الله عمره ليشهد ما تفعله فضائياتنا وفي عهد من؟! ليس في عهد الشيوعيين، وإنما في عهد الإسلاميين أصحاب المشروع الحضاري!! الطالب كالبذرة عندما يدخله والديه أو أحدهما الأساس أو قبل الأساس ثم يصير نبتة عندما يدخل الثانوي العام، ثم يقف على ساقه عندما يدخل الثانوي العالي، حتى إذا استوى على سوقه يعجب الزراع، وحان وقت قطاف ثماره وهو في الجامعة يشهد عراكاً لطلاب في اختلاف سياسي يأتيه ساطور من حيث لا يدري أو طلقة طائشة أو «أم دلدوم» من يد باطشة مدربة، أو طلقة من أحد أفراد القوات النظامية أتى يفض هذا العراك، بسبب كل هذه أو جزء منها قُضى على طالب في زمان القطاف، أضف إلى ذلك فجوع الوالدين والأقربين، وحزن الأصدقاء والزملاء والجيران، أتدرون كم دعوات ترفع لها الأكف إلى السماء طالبة القصاص من القتلة؟ ومعلوم أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وحتى لا يذهب المتشككون بعيداً في التفكير بأن يقولوا دعونا ولم نر اجابة، الدعوة أُستجيبت ولكن إما أن يُعجل الله بها، أو يدخرها للمظلوم في الآخرة، فليطمئن المفجوعون فإن دعوتهم إن شاء الله مستجابة. إن طلاب دارفور لهم قضية وقد جلست مع كثير منهم، أولاً إن معظم سكان دارفور تأثروا من الحرب، فقد شهدت حروبا منذ أواسط الثمانينيات من القرن الماضي، عجزت كل الأنظمة عن حسمها وحفظ الأمن في البلاد، منذ أخريات العهد المايوي وذلك النظام هو السبب الأساسي لتصدع الوضع في دارفور وعندنا دفوعاتنا في ذلك، أما في زمن الانقاذ فحدث ولا حرج فالانسان في دارفور في وضع استثنائي سواء بسبب الحروب القبلية أو النهب المسلح أو بسبب التقلبات الجغرافية التي أكثرت من التمدد الزراعي مع ضعف الانتاج والتسويق، والزراعة يعتمد عليها غالبية أهل دارفور أو التأثر بالوضع الاقتصادي العام الذي ضعف فيه الجنيه السوداني منذ عهد نظام مايو، ويأتي وقت قيام الحركات المسلحة وصراعها مع الحكومة والذي تفجر بشدة في 2000/4/3م حتى نزح النازحون ولجأ اللاجئون وسُلبت أموال الراحلين واختلط الحابل بالنابل، ما هي المشكلة في أن يعفى أبناء دارفور جميعهم من الرسوم الدراسية الجامعية؟ كما أن التعليم المجاني حق أصيل للمواطن السوداني، وكل حكام اليوم درسوا مجاناً في الجامعة، بل أكلوا مجاناً في كثير من الأحيان أفضل من أكل البيوت، ومع ذلك يدفع للبعض مصاريف.. حكى لي طالب زميل لابني درس في الجامعات المغربية مجاناً وحتى التخرج أقسم لي ولا مليم لم يدفعها ولكن الكارثة عندما جاء هذا الطالب للسفارة في المغرب للتوثيق طلبت منه السفارة رسوما فاحتج هذا الطالب وقال لهم ان المغاربة درسونا مجاناً تأتي سفارتي لتأخذ مني رسوما؟. رفض هذا الطالب دفع الرسوم وحرض زملاءه وهددوا بنشر هذا الخبر على الملأ، فتراجعت السفارة. ولكن هناك أولويات فإن النازحين واللاجئين وأنا أسميهم المهاجرين لهم أولى بالاعفاء وعلمت من حديث الأستاذة سارة نقد الله رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة ان أحد المتوفين تقيم والدته في أحد المعسكرات، بذلت كل ما عندها لتعليمه وقالت سارة حتى الآن لم يستطع أحد أن يبلغها الخبر لهول المفاجأة بالنسبة لها ولتأثير ذلك على صحتها. كما قيل إنه كان مبرزاً في كل درجاته الأكاديمية التي تحصل عليها. إن اتفاق أبوجا واتفاق الدوحة ونحن شهود أشارا إلى اعفاء أبناء دارفور، كان يمكن شرح الاعفاء ومن هم المستهدفون فيه وإذا التبس الأمر على الجامعات يمكن تحويل ذلك للسلطة الاقليمية المعنية بشرح ذلك للطلاب وأولياء الأمور، لا يحتاج الأمر إلى القتل والسحل، والانتقام المضاد في حالة اختفاء طلاب في جامعة أم درمان الاسلامية كما رشح ذلك، إلى متى تنتهي دوامة الثأر والثأر المضاد. إن أحداث جامعة الجزيرة منعطف خطير، لأنه غير متوقع أن يحصل ذلك في ولاية الجزيرة، ولاية الكرم والجود والسماحة، ولاية التقابة والقرآن، كم من أبناء دارفور حفظوا القرآن في الجزيرة المروية بسماحة أخلاق أهلها، قبل أن تروى من ماء النيل الخالد بإذن الله، الجزيرة لحد قريب كانت هي عماد الاقتصاد السوداني من واردات القطن والذي يشارك فيه أهل الجزيرة و(كنابي) دارفور، الأرض مقابل الحرث، في تناغم وخلق اسلامي سوداني رفيع، وحتى والي الجزيرة البروف الزبير طه لم نسمع عنه إلا كل خير، ولقد تعاملت مع ادارة الجزيرة في اطار دراسة استقرار الرحل وكان ضمن الفريق الدكتور عمر ود بدر والدكتور كمال الجاك وآخرون، ذهبوا معي إلى دارفور كلها عقب اتفاق مني مجذوب والتمويل من مفوضية اعادة التعمير والتأهيل التي كان يترأسها ابراهيم مادبو، فكانوا نعم الاخوة والعلماء، فكان الذهول وكانت المفاجأة أن تحصل لأولاد دارفور هذه الكارثة في الجزيرة ولو كان الأمر في جامعة الخرطوم، كرش الولايات يهون قليلاً، وكذلك في النيلين وأم درمان الاسلامية، ولكن أن يحدث هذا في جامعة ولائية فالأمر عجب، هب أن هذا الأمر حصل لأولاد دنقلا في جامعة الفاشر أو حصل لأبناء الجزيرة في سوق نيالا لأصبح الأمر مخجلاً لأبناء دارفور أن يحصل اعتداء على ضيوفهم وعزوتهم وبني وطنهم. أقول ان أبناء دارفور في الجامعات السودانية في ولاية الخرطوم يعيشون مشاكل غير الرسوم، هم يطالبون باتحاد لطلابهم والحكومة تدعو للروابط الولائية، وهذه هي سياستها منذ أن حكمت السودان في 1989م، لأننا كنا في السعودية نقيم جمعيات اقليمية فجاءتنا بنغمة الروابط الولائية والمحليات. وأذكر عندما استضاف الطلاب السيد الدكتور الحاج آدم يوسف في وجبة رمضانية في رمضان الفائت، كان مطلبهم الأساسي هو الاتحاد حتى يستطيعوا أن يعبروا من خلاله وينقلوا قضاياهم سواء الرسوم أو غيرها للمسؤولين والبحث عن ايجاد الحلول قبل أن تقع الفأس على الرأس، لأنه ومن خلال افادات البعض لي أنهم يجدون صعوبة في التصعيد للاتحاد العام للطلاب السودانيين، وان وجدت فرصة ستكون للمقربين، ولا يجد الطرف الآخر فرصة للتعبير، أو هكذا من قول مشابه. وان نائب رئيس الجمهورية وعدهم كما ذكر لي الراوي بأنه خلال أسبوع سيكون الاتحاد، ويبدو أنه لم يقم الاتحاد بعد، وواضح جداً أن نائب الرئيس بذل جهداً ولكن يبدو أن تحديات واجهته. إن الطلاب السودانيين في جامعاتهم يواجهون مشاكل هناك فقراء وأبناء فقراء من غير أبناء دارفور فقدوا مواصلة تعليمهم في آخر خمس دقائق من قفل الشباك وغداً الامتحان لمشكلة خمسين جنيها متبقية، لأنه ممنوع حسب اللوائح الدخول للامتحان بدون دفع الرسوم. أقسم أحد الأبناء أن طالباً دفع كل ما عنده ولكن تبقت عليه خمسون جنيهاً، هذا الطالب اتجه في كل مكان ليدفع المبلغ المتبقي هذا، دخل وخرج وذهب إلى الشارع لعله يجد أحداً والوقت بقى منه ربع ساعة، قال لي ابني والله هذا الطالب أصبح كالمجنون وذلك اليوم آخر يوم لدفع الرسوم والامتحان غداً، هب أن هذا الطالب وجد هذا المبلغ. كيف يهيء عقله للامتحان غداً؟! ان سياسة الحكومة في عدم مجانية التعليم العالي ستعرض البلاد كلها إلى جهل مطبق إلا من أبناء الخواص، وللعلم فإن أبناء الخواص لن يبقوا في السودان للطموحات العالية، وتخيلوا وطن المستقبل!!! أعزي نفسي وكل ذوي المتوفين، نسأل الله الرحمة والصبر الجميل لذويهم، وأوصيهم بالصبر فعند الله تصير الأمور. ورسالتي الأخيرة لوزير العدل: الأخ دوسة، أنت الذي كونت اللجنة والله سائلك عنها يوم القيامة، وأهلك في دارفور قبل ذلك ولا أزيد. أشكر الاخوة في الهيئة البرلمانية لولايات دارفور الذين تابعوا هذا الأمر ووصلوا ولاية الجزيرة حيث جامعة الجزيرة، وأشكر الاخوة في السلطة الاقليمية الذين ذهبوا إلى هناك أيضاً، واشكر مفوضية حقوق الانسان التي ذهبت أيضا إلى هناك، والشكر أولاً لأهلنا في الجزيرة الذين شيعوا أبناءهم الموتى في «كرنفال» حزين مهيب وفي مقدمتهم السيد الوالي، وكل ما نرجوه ونطلبه عدم حماية الجاني إن كان الأمر بفعل فاعل، لأن ذلك سيعرضنا إلى محن نحن في غنى عنها، قال تعالى "وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حملا ظلماً ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً". صدق الله العظيم الصحافة