تتسق موازنة السودان لعام 2013 وفق إفادات وزير المالية أمام البرلمان مع توجهات برنامج النهضة الزراعية، وتهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الإستراتيجية، وترشيد الإنفاق الحكومي وترتيب الأولويات وفق الموارد المتاحة. وانتقد أعضاء بالبرلمان مشروع الموازنة قبيل إجازته مع انتهاء الدورة البرلمانية الأربعاء الماضي، مشيرين إلى أن مسارها خلال العام المقبل قد يتعرض للنكسات بسبب اعتمادها على توسيع المظلة الضريبية، وعلى الإيراد التقليدي للقطاعين الزراعي والحيواني، وعلى إنتاجية قطاع التعدين الناشئ، مع خلوها من إيرادات نفط دولة جنوب السودان بسبب الإخفاق في التوصل لاتفاق حول تصديره عبر أنابيب الشمال. وتوقع صندوق النقد الدولي أن ترتفع ديون السودان إلى 43.7 مليار دولار بنهاية هذا العام، و45.6 مليارا عام 2013. وأورد تقرير منظمة الشفافية الدولية ل2012 أن ترتيب السودان جاء بالمركز رقم 173، كرابع دولة في الفساد، في حين أعلن الجهاز المركزي للإحصاء بالخرطوم عن ارتفاع معدل التضخم إلى 46.5% الشهر الماضي. انهيار الموازنة والحال هذه، هل تتعرض الموازنة الجديدة إلى "نكسة أو انهيار" خلال شهور العام المقبل؟ يؤكد أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة النيلين حسن بشير استحالة انهيار الموازنة "لأن الاقتصاد التقليدي يشكل دعماً قويا لها، وهو قطاع إنتاج تقليدي ريعي غير سوقي، ويقف خارج تقييم الميزانية، ويشير بحديثه مع الجزيرة نت إلى أن الخريف كان جيداً هذا العام، وبذلك سيتوفر على أقل تقدير علف الماشية إن لم تتوفر الغلة على حد قوله. ويحذر أستاذ الاقتصاد من أن "تدهور قيمة الجنيه مقابل الدولار سيجعل من ميزانية 2013 أرقاماً افتراضية وغير واقعية" وإذا لم تسيطر الدولة على التضخم -والحديث لبشير- وتوقف تدهور العملة المحلية فإن ارتفاع الأسعار سيكون سالباً على المستوى الاجتماعي وعلى قطاع الخدمات. ويمضي إلى القول إن حجم الموازنة الجديدة قد تراجع إلى خمسة مليارات دولار، بعد أن كانت 11 مليار دولار حجم ميزانية السودان الموحد، ولذا يقول إن تقييم مسار الموازنة يعد أمراً بالغ الصعوبة، بالنظر إلى أن الأسعار قفزت خلال هذا الأسبوع بصورة هائلة مع ارتفاع سعر الدولار الذي تجاوز أكثر من سبعة جنيهات. ويقول بشير إن الجزء الأول من الميزانية سيشهد استقرارا نسبياً سيمكن الحكومة من تلافى أوجه الضعف فيها، مشيرا إلى أن الاستقرار "يرتبط بمدى نجاح الحكومة في تحديات تحقيق الاستقرار السياسي، وإيقاف الحروب، وكبح تمدد القطاع الحكومي بتنفيذ سياسة التقشف المعلنة في البرنامج الثلاثي". النظري والواقعي ويصف غريق كمبال نائب رئيس اتحاد مزارعي السودان موازنة العام المقبل بأنها "محفزة للقطاع الزراعي" نظريا "لكن من الناحية الواقعية فإن انهيار الجنيه أمام الدولار سينعكس سلباً على مدخلات الإنتاج الزراعي". ولأجل تأمين مسار الموازنة يرى كمبال أن على الحكومة "اعتماد سياسة فتح الصادرات أمام المنتجات الزراعية، وإعفاء أجهزة التنقيب عن الذهب من الرسوم الجمركية، وتوفير الأمن على الطرق وفى مناطق الإنتاج الطرفية" كما يدعو كمبال إلى الإسراع ب "خصخصة شركات القطاع العام الأمنية لأنها تشكل عبئاً على الاقتصاد السوداني". من جانب آخر، يقول المستشار الفني لوزارة التعدين الشيخ عبد الرحمن إن السودان يزخر بإمكانيات كبيرة في مجال التعدين، وإن الكشف عن تلك الإمكانيات يعتبر بحد ذاته مؤشراً اقتصادياً إيجابياً. وفى مواجهة المطبات التي قد تعترض مسار الموازن،ة يرى الشيخ أن "على الدولة الاهتمام بقطاع التعدين، ودعم قطاع الزراعة والصناعات التحويلية". ويؤكد أن الحصار الاقتصادي المفروض على السودان لا يمنع ولوج رؤوس الأموال إلى الداخل "إذا ما هيأت الدولة المناخ الحقيقي للاستثمار". المصدر : الجزيرة