ها نحن نبدأ العام الجديد ( الأوّل من يناير 2013)، مُنبّهين بما يجرى طبخه على عجل فى جبهة القوانين المُعادية للحُريّات ومُشفقين على حال الصحافة ومستقبلها القريب فى وطننا المكلوم ، مردّدين مع الناقد والروائى الفرنسى أناتول فرانس مقولته المأثورة " القانون الذى يضّهد حريّة الرأى يكون هو المجرم لا صاحب الرأى ". وهذا ما يحدث - بالضبط- تحت قبّة المجلس الوطنى حيث تقبع هناك مسوّدة تحت مسمّى ( مشروع قانون الصحافة والمطبوعات )، وهى ليست سوى تدبير مدروس بدقّة لتكريس قانون صحافة ومطبوعات إستبدادى- كامل الدسم - فى مظهره وجوهره ، يضطّهد ويُعادى الحُريّات ، لاسيّما حُريّة الرأى والضمير والتعبير والصحافة.. قانون يجُبُّ ماقبله فى الإجرام ، ويتفوّق عليه وعلى كل ماسبقه بدهاء أكبر فى معاداة الرأى الآخر والمُختلف !...هكذا ينبغى أن ننظر لهذا (القانون المُجرم) الخطير،الذى يبشّرنا به أهل الحل والعقد فى الإنقاذ والذى - بلاشك - سيُدشّن مرحلة جديدة فى تكميم الأفواه وإضطّهاد وتجريم الرأى الآخر بلا حدود !. بنظرة واحدة فاحصة فى المسودّة ، تتأكّد خطورة هذا (القانون المُجرم ) الذى يفتح يفتح أبواب جهنّم العُقوبات المُتعدّدة ويجرّد سيفها البتّار ويخرجه من غمده ، ليحصد رؤوس الصحفيين والكُتّاب وكل ذى رأى يرفع صوته ضد الإستبداد والفساد والإضطّهاد وإنتهاكات حقوق الإنسان !.إنّه قانون لا يعبأ بتطوير مهنة الصحافة وأخلاقياتها ولايرعى مصالح مُنتسبيها، بقدرما يعنى- فى المقام الأوّل والأخير - بتكريس عقوبات يُقرّها - القانون المُجرم - تُوقعها المحكمة ( محكمة الصحافة ) ولجنة الشكاوى بمجلس الصحافة والمطبوعات على رؤساء التحرير والصحفيين - وكذلك على المطابع- ضمنها الإيقاف لمدّة قد تصل عشرة أيّام ، وتمضى لتصل عقوبة " الإعدام " المتمثّل فى ( سحب الترخيص ) من الصحيفة والمطبعة !. ليس هذا وحده ، ولكن هذا القانون الموعود – كما بشّرتنا به رئيسة لجنة الثقافة والإعلام ببرلمان الإنقاذ عفاف تاور ( يُجوّز ) للمحكمة أن توقع عقوبة الغرامة ( لم يُحدّد القانون لها سقفاً أعلى ) كما ( يجوّز ) لذات المحكمة إيقاف المطبوعة للفترة التى تُحدّدها ( تُركت الفترة مفتوحة لتقديرات القاضى ومزاجه ) ، إضافة إلى ( تعليق ) عمل المطبعة المُحدّدة فى حالة تكرار المُخالفة !. هذا ماظهر من ملامح القانون ، وبالطبع ماخفى أعظم !..فأعتبروا يا أولى الألباب !. فى مواجهة هذا الغول القادم ،لا بدّ من رص الصفوف وتنسيق الجُهود لمُقاومة هذا القانون المُجرم الذى سيُجرّم كل صاحب رأى ، وحتماً، سيعيد الإنقاذ إلى (جاهليتها ) و( سيرتها ) الأولى و(لاءاتها ) الكُبرى ، لا مكان لرأى مُخالف أو مُغاير ، لا قانون وقضاء يحكم بالعدل والإنصاف ، ولا إحترام لحقوق إنسان ، بما فى ذلك حريّة الرأى والضمير والتعبير والصحافة !. قلنا من قبل - ولسنا بمنجّمين - إنّ الدولة الإنقاذيّة ماضية فى معاداة الحُريّات ،وتجفيف وإغلاق كل منافذ التنوير والإستنارة وحُريّة الفكر والضمير والتنظيم والتعبير ، وزاهدة فى الإصلاح ، ومايجرى فى جبهة سن القوانين الأكثر وحشيّة ،ليس سوى حلقة واحدة فى مسلسل قمع الحُريّات ومعاداة مراكز وقيم حقوق الإنسان.. قبل أيّام معدودات أُغلق مركز الدراسات السودانيّة ، وبالأمس أُغلق - بالضبّة والمفتاح - مركز الخاتم عدلان ، وغداً ستُغلق - حتماً - مراكز ومؤسسات أُخرى، موضوعة سلفاً فى قائمة المغضوب عليهم ، سوى بقانون الصحافة والمطبوعات أو القوانين القمعيّة المُجرمة المُجاورة الأُخرى .وعلينا مواجهة هذا الواقع الجديد ، بالمزيد من آليّات المناصرة والصمود والتحدّى الجماعى وإعادة ترتيب بناء إستراتيجيّات المقاومة ، وإلّا فالكارثة لا شكّ واقعة . فأنتبهوا يا أولى الألباب !. [email protected]