الجزائر يحمل الفنان أحمد راتب في صدره الكثير من الغيظ المتولّد من الفترة الحساسة التي تمر بها مصر خاصة بعد ثورة 25 يناير وإسقاط الرئيس حسني مبارك دون النظام وإستمرار الثورة لغاية اليوم بعد تولي الإخوان المسلمين سدة الحكم و'خيانتهم' حسب رأيه لعهد شهداء أم الدنيا: حرية - عدالة - إجتماعية وكرامة إنسانية. ويتكلم أحمد راتب عن الواقع الفني بعد كل هذه المتغيرات وعلاقته مع الفنان عادل إمام والممثلين الشباب وعن مشاريعه القادمة في هذا الحوار المثير مع القدس العربي. بداية ألا ترى بأن الثورة إنتهت في مصر وما الأحداث المتعاقبة إلا ّ هزّات إرتدادية؟ يجب أن نتكلم بصدق وبصراحة تامة لأن الوضع لا يسمح أبدا بتغطية الشمس بالغربال وإلا فنكون الخاسرين الأوائل في وقت لا ينفعنا فيه الندم، الثورة في مصر لم تبدأ بعد كي تنتهي وأما إسقاط حسني مبارك فإنه لأمر نخجل من الحديث عنه لأنه وقبل الأحداث كان مبارك عازما على التخلي عن الكرسي بطيب خاطر لقد ظهرت بالطبع قضية توريث ابنه جمال للعرش لكنه في الأخير وبعد كل التطورات الدامية والنزول بالملايين إلى ميدان التحرير كانت التضحية بمبارك وعائلته أهون أمر يقوم به النظام الحاكم. إذا المتظاهرون الذين نزلوا بالملايين لميدان التحرير للأسف صدقوا أكذوبة النظام المصري وهللوا وكبروا وفرحوا بإسقاط وجه من ملايين وجوه النظام الفاسد والمتجذر. إنها الصراحة التي ينبغي علينا تقبلها مهما تطلبنا الأمر من إعادة تفكير جلي حول تطورات الأحداث. النظام أبدا لم يسقط في مصر وهي حقيقة يجب علينا تصديقها والعمل على البحث عن حلول لإسقاط النظام المعمر الفاسد والقاتل، والذي يتخذ أشكالا متعددة. إذن أنت ترى بأن النظام المصري تشخّص مجددا في حركة الإخوان والرئيس محمد مرسي ؟ أفلم تفرزه صناديق الاقتراع؟ ربما صوّت الشعب لشفيق وربما يكون قد نجح وربما زوّر الإخوان صناديق الاقتراع وربما فازوا لهذا السبب. إنها افتراضات فقط تجسدها إتهاماتك غير المؤسسة على الإطلاق؟ أبدا، إذن ما هو تفسير اللقاءات الدورية والسرية لوزراء خارجية دول العالم وسفرائها مع جماعة الإخوان المسلمين قبيل الانتخابات الرئاسية؟ لقد إتفقوا على كل النقاط التي تخوّل للنظام الدكتاتوري مواصلة خططه لاستنزاف حقوق الشعب المصري وللحفاظ على كل المصالح حتى الإسرائليلة منها في مصر. يدّعي الإخوان المسلمون حبهم لفلسطين فلم لم يفتحوا معبر رفح على سكان غزة، لما لم يقدموا العون لهم في وقت الحصار والحرب الأخيرة التي خلفت المئات من الشهداء والجرحى، لقد كانوا يتدزعون بعمالة مبارك فهاهم اليوم يستمرون دون استحياء. لقد مكروا والشعب تفطن لألاعيبهم وآن لهم اليوم أن يواجهوا العصيان للمطالبة بالحقوق المسلوبة، حقوق الثورة المجيدة، ثورة 25 يناير وأهدافها التي لم تتحقق لحد الآن فأين هي حرية الشعب المصري الذي يقتل اليوم على يد الإخوان في ميادين التحرير وأين هي كرامتهم وحقهم في العدالة وتطبيقها على من قتلهم بالأمس واليوم ويوم غد؟ إذن حسب رأيك فإن إفرازات الانتخابات الرئاسية في الدور الثاني التي جعلت من شفيق وهو رمز لمبارك ومرسي رمز الثوار دليل على أن الثورة لم تنجح؟ التصويت للشيطان شفيق أرحم من إخوان مرسي ولو تعود بنا الأيام لصوّت الشعب كله لشفيق، نكاية في الإخوان. المؤسف أن النخبة المصرية التي تقود الشعب تصوّرت خطأً بأن الإخوان المسلمين لديهم بديل وأنهم الأفضل وهذا يدل على أن النخبة المصرية ليس لديها وعي سياسي وليس لديها فكرة عن الإخوان المسلمين وشرّهم وعن تجاربهم في البلدان الاخرى. للأسف لم يعتبروا من المذابح التي كانت في الجزائر طيلة عشرية كاملة من الدم، لم يعوا الدرس، كان من الممكن أن تتوجه النخبة المصرية للشيطان ولا تصوت للإخوان لكنها كانت جاهلة. لكن الرئيس مرسي كان ديمقراطيا في خطاباته وحتى في لقائه بالأسرة الفنية بتقديمه للشكر والتطمينات؟ الإخوان المسلمين لا يعرفون الديمقراطية ولا يمارسونها، يهوون ممارسة الخداع وتاريخهم يكشفهم كلهم، أما لقاء مرسي بالأسرة الفنية فانه رهبة منه لنا من قوة تأثير الفن والفنانين في قيادة الشعب في وجه مرسي بالحق فقط، أقولها وأعيدها للمرة الألف ندمت لأني لم أصوت لشفيق فليضعوني في خانة الفلول فانا ما عدت أبالي. أنا أول من تكلمت ضد مبارك في ثاني يوم عبر كل القنوات الفضائية ولم اخش لومة لائم وأنا الآن في مصيبة لتولي هؤلاء الإخوانيين للسلطة. إنهم يسعون للخلافة وحسبهم من لا يطع خليفتهم فهو خارج عن الطاعة ويستوجب قتله، أتباع مرسي يريدونها دولة دكتاتورية . فما السبيل إذن لتقويم الحاكم؟ نحن لا نسعى لتقويمه بل لإسقاطه، أنا لا أتصور تزويج ابنتي بعمر التاسعة. انه فساد أخلاقي يجرنا إليه الإخوان بسن قوانين وتشريعات واهية لا يقبلها لا العقل ولا الدين، الإخوان فاسدون أخلاقيا وسياسيا واقتصاديا، يسيرون بدون خطط ولا برامج. لقد انكشفوا أمام العالم اجمع بأنهم ماكرون. يجب أن يعلم الجميع بان محمد مرسي رئيس غير شرعي لمصر، لأنه توأم لمبارك وقاتل للثوار، بالرغم من تأديته لليمين فقد حنث أمام الله والشعب. وعليه، فيجب علينا إسقاطه مهما كان الثمن، والشعب المصري قادر على دفع هذا الثمن مهما كان غاليا . ما هو البديل عن مرسي في حال إسقاطه؟ رجل مصري يحقق طموح الشعب ويجسد الحرية والكرامة والعدالة بين الجميع. تزايدت مؤخرا تهديدات السلفيين على الفنانين فهل سيؤثر هذا عليكم؟ بالنسبة لنا فإننا لا نعمل حسابا للسلفيين، ويجب عليهم أن ينظفوا مساوئهم قبل ان يتحدثوا عن الفن والفنانين، ليس من الإسلام أن يسب مسلم مسلمة مثلما قذف شيخهم الفنانة الهام شاهين في عرضها وشرفها، والحديث عنهم يمنحهم قيمة لذا أفضل عدم مواصلة التعليق. وعن محاكمة عادل إمام بتهمة إزدراء الأديان؟ أحسست بالخوف الشديد ليس لأن عادل صديقي الحميم بل لان الأمر كان بالإمكان أن يحدث لي ولأي فنان آخر، إن هذه التطورات ما كانت لتحدث في عهد مبارك للأسف وكنا قد ظننا بان الحرية الفنية ستتوسع أكثر لكنهم يكيدون لنا الكيد بكل الوسائل والطرق، فالنيل من عادل هو النيل من جيل كامل من الممثلين. لنبتعد عن السياسة ونتحدث عن بطولاتك الثنائية مع عادل إمام طيلة عقود من الزمن لم إفترقت عنه؟ علاقتي مع عادل إمام ليس فقط في إطار التمثيل بل تجمعني به علاقة إنسانية في منتهى الروعة وصداقتنا لا تعتريها أي هشاشة، وبالفعل طيلة سنوات عديدة إستطعنا أن نطل على المشاهد بادوار كوميدية مشتركة وكانت كل إطلالاتنا مميزة جدا. وأنا بالعكس لم أبتعد عن عادل بل أبحث دوما الدور الذي أستطيع أن أظهر به أمام جمهوري وأكون مقتنعا به ومقنعا في آن واحد ، فما الفائدة من الظهور من أجل الظهور. هذا هو السبب الوحيد الذي يفصلني عن مشاركة عادل إمام أدوارا ثنائية. أنا أختار الدور المناسب لكي تبقى قيمتي الفنية دوما متوازنة في السلم، فان كان أدائي في السينما أو التلفزيون إضافة فهذا جيد أما إن كان من أجل الظهور فانا أرفضه حتما. إذن لا تجد مانعا من مشاركتك بطولات جماعية مع ممثلين شباب؟ أكيد بالعكس طبعا فالمستقبل الآن للشباب لحمل المشعل، لقد شاركت أفلاما ومسلسلات مع ممثلين مميزين جدا منهم كريم عبد العزيز في فيلم 'فاصل ونعود ' ومحمد سعد في فيلم ' بوشكاش ' ومحمود عبد المغني في مسلسل 'لحظات حرجة ' إنهم رائعون جدا ولهم مستقبل فني واعد، هم مثل أولادي وأرى فيهم روحي الشابة. حاليا الشباب في مصر قدّموا أعمالا مميزة جدا وظهر مخرجون وممثلون وكتاب سيناريو في منتهى العظمة، لكن الحديث أو الحكم على هؤلاء وفي هذه الفترة السوداء بالتحديد صعب ويجب إسقاطها من تاريخ مصر العظيم. كيف تُقيّم لقاءك بجمهورك في الجزائر؟ حب المصريين للجزائر كبير خاصة من الناحية التاريخية فكان لا بد لي من أن آتي لبلد المليون والنصف مليون شهيد ، فما جمعه التاريخ بين شعبينا لا تفرقه مباراة كرة قدم. التواصل المباشر بيني والجزائريين لا يضاهيه تواصل آخر أبدا، وإقبال الجزائريين على السينما المصرية أكثر من المصريين أنفسهم، وهذت نتيجة إحساسهم بالألفة والقرب بينهم والشعب المصري، الجزائريون تعرفوا على مصر عن طريق السينما ربما هذه الأيام لم يكن لنا خيرا كثيرا لكن اعتقد أن الله يعوض عنا بحب الجزائريين. الجمهور الجزائري يعشق السينما المصرية أكثر من المصريين أنفسهم. القدس العربي