على خلفية تصاعد إراقة الدماء والإرهاب، طلبت سويسرا من مجلس الأمن الدولي إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية. وذلك بهدف إرسال رسالة واضحة تطالب جميع الأطراف ب"الاحترام الكامل لحقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني"، وهو تحذير من شأنه أن يحدث "تأثيراً رادعاً مهماً". وتدعم ذلك الطلب أكثر من 50 دولة من مختلف أرجاء العالم، بما في ذلك عدة دول اختبرت بشكل مباشر حوادث انتهاك منهجي لحقوق الإنسان وإفلات من العقاب، كتشيلي وليبيا. وتدعم بريطانيا وفرنسا تلك المبادرة أيضاً، ولكن الدول الثلاث الأخرى دائمة العضوية في مجلس الأمن لم تنضم إليهما حتى الآن. وتعترض وزارة الخارجية الروسية على أساس أن هذه المبادرة طرحت "في وقت غير مناسب"، وسوف تسفر عن "نتائج عكسية" فيما يتعلق بتحقيق الهدف المباشر المتمثل في وقف إراقة الدماء. فيما تلتزم الصين والولايات المتحدة الصمت. ما هي العوامل التي ينبغي أن تحدد ما إذا كان يجب اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية؟ التجربة محدودة ولكنها مفيدة، فمنذ انطلاق المحكمة الجنائية الدولية قبل عقد من الزمن، لم يحل مجلس الأمن إليها سوى "حالتين" اثنتين، وكانت النتائج مختلطة. ففي عام 2005، تمت إحالة السودان فيما يتعلق بدارفور، ولا تزال خمس محاكمات معلقة الآن، بما في ذلك محاكمة الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة الإبادة الجماعية. وليس من الواضح بشكل مباشر أن الإحالة أحدثت تأثيراً رادعاً مهماً (أو أي تأثير على الإطلاق) على أرض الواقع، أو غيرت الوضع السياسي في السودان. فالبشير لا يزال في منصبه، وإن كان جدول رحلاته الدولية مقيداً إلى حد ما بسبب الخوف من الاعتقال. وبعد مرور ست سنوات، أحال مجلس الأمن الوضع في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية، ولا تزال هناك محاكمتان معلقتين. ويمكن القول إن تأثير هذه الإحالة كان أكثر أهمية، في نزع الشرعية عن نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي وتمهيد الطريق لقرار الأممالمتحدة رقم 1973، الذي خول اتخاذ "جميع التدابير الضرورية" لحماية المدنيين الليبيين. وبمجرد إخضاع القذافي لمذكرة توقيف، فقد رجح أن يصر على موقفه،. وهو ما فعله على النحو الواجب. وما إذا كان هذا يرجع إلى الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية، فإن هذا أمر لا يمكن إثباته. وفي حين أن الإحالة لم تحفز خروجاً طوعياً سريعاً، فقد رحل القذافي في غضون عام. ليس هناك من سبب لتصور أن إحالة سوريا للمحكمة الجنائية الدولية ستدفع الرئيس السوري بشار الأسد إلى التنحي فوراً. ففي حين أن هناك بعض الأدلة القولية التي تشير إلى أن البعض في خط المواجهة يمكن أن يفكروا مرتين قبل استهداف المدنيين أو الانخراط في مزيد من الجرائم الدولية، فإن أولئك القابعين في القمة يبدون أقل ميلاً لتهدئة الأمور في وجه تهديد بالملاحقة الجنائية. ومن شأن المغزى الحقيقي لإحالة سوريا للمحكمة الجنائية الدولية أن يرتبط بشرعية الرئيس الأسد ونظامه، وبأولئك الذين قد يسعون لدعمه. وفي حال تمت إدانة الأسد، فإن ذلك سيصعب على روسيا الحفاظ على موقفها الداعم له في مواجهة رأي عام دولي متشدد من شأن أمر اعتقال أن يولده. وعلى الرغم من أن إحالة الملف السوري للمحكمة الجنائية الدولية لن توقف إراقة الدماء في اليوم التالي، وأنها قد تدفع نظام الأسد إلى الإصرار على موقفه، فإنها قد تغير كذلك توازن العوامل التي تلعب دورها في تحديد طبيعة الصراع واتجاهه. وفي حالة سوريا، لن تقدم المحكمة الجنائية الدولية حلاً أو دواءً سحريين قصيري المدى، ولكن المدى الطويل هو ما يهم حقاً. وفي حين أن هذه الخطوة تشكل مجازفة من نوع ما، فإن سويسرا ومؤيديها يراهنون على أن سوريا هي أقرب إلى ليبيا منها إلى السودان. البيان