لندن - حركت قطر ماكنتها الدعائية ضد التدخل الفرنسي في مالي على الرغم من أن الدوحة سبق لها وأن شاركت بحماس في الحرب التي شنتها فرنسا وحلفاؤها على العقيد الليبي معمر القذافي وانتهت بقتله وسقوط حكمه. وفي حين أطلقت تلك الماكنة الدعائية عدة تصريحات رسمية، إلا أنها تركت للكتاب الصحفيين القريبين منها حرية الخوض في الموضوع بما ينال من فرنسا، ومن الدول التي تشاركها في هذه الحرب ضد القاعدة، ومن حلفائها في منطقة الساحل. ولم يفت الماكنة القطرية أن تسخر أدوات الدعاية الإخوانية المفروغ من تبعيتها لها سلفا، في حملة التنديد المستغربة بالحرب الفرنسية في مالي. ويحاول بعض الكتاب، من المحسوبين على قطر، أن ينالوا من التدخل الفرنسي في مالي، من خلال مهاجمتهم وانتقادهم للدعم اللوجستي الذي وفرته الإماراتلفرنسا في هذه الحرب. وتقدم هذه الأقلام تفسيراتها الخاصة حول مبررات الدعم، ولكنها تدور بالمجموع حول تبادل المصالح. لكن قراءة دقيقة للموقف، قد تكشف الأسباب الكامنة من وراء التدخل، وتوضح أيضا السبب في الانزعاج القطري. أولا، لا تقوم العلاقة بين الإماراتوفرنسا على أسس انتهازية وآنية، بل هي علاقة طويلة الأمد وعميقة التفاصيل. فالقاعدة البحرية في الإمارات والسلاح الفرنسي هناك يسبقان بسنوات طويلة انطلاقة القاعدة في منطقة الساحل والصحراء وسيطرتها على شمال مالي. ثانيا، ان التدخل في مالي هو هدف استراتيجي يتعدى المشاركة العسكرية أو اللوجستية، بل هو جزء من حرب عالمية في مواجهة الإرهاب تحركت جغرافيا من أفغانستان والعراق لتجد لها الآن مكانا في منطقة الساحل والصحراء بالقارة الإفريقية. ثالثا، ان التدخل ضروري وحتمي كما أظهرت الأحداث الأخيرة في الجزائر من مخاطر تهدد عموم المنطقة إذا ما تركت القاعدة لتعمل بحرية شمال مالي. فهذا التنظيم الإرهابي لن يكتفي بهذه الرقعة الجغرافية وسيمتد سريعا إلى دول الجوار. رابعا، ثمة بعد أخلاقي وإنساني لهذا التدخل الذي سيسمح بإنقاذ المسلمين في منطقة الساحل من ان تتحول تلك الرقعة الجغرافية إلى منطقة نفوذ للقاعدة ولطالبان أفريقية، وهو ما سيجر عليهم مآس لا تزال أمثلتها حية في أفغانستان. خامسا، الحرب هناك الآن هي حرب استباقية تفرضها ضرورة ان الإرهاب يتمدد بسرعة نحو دول ليبيا وتونس ومصر التي تعاني من اضطراب سياسي بلا آفاق منظورة للحل. سادسا، التدخل السريع الآن والحاسم سيجنب المنطقة حروبا أكبر واكثر كلفة في المستقبل. سابعا، قطر متذمرة من التدخل لأنه يمس حليفها الجزائري الذي كان دائما يراهن على صنع الفتن في دول الجوار وخصوصا في المغرب، من خلال السماح للقاعدة بالتواجد في مخيمات تندوف التي أصبحت مرتعا للإرهاب والتهريب. فمقاربة الجزائر كانت دائما محصورة في أن تستثمر الاضطرابات المحيطة بها لصالح تنفيذ سياسات الكيد بالجوار. وثامنا، لا بد من الملاحظة أن ثمة انزعاجا أميركيا من النشاط الفرنسي في منطقة الساحل. فالمنطقة تقليديا هي ساحة خلفية للنفوذ الفرنسي وتستطيع باريس أن تفهمها أكثر من واشنطن. ولكن الولاياتالمتحدة استثمرت كثيرا في تواجدها الاستراتيجي في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل مما يفسر تعاونها مع حلفاء قطر من الأخوان هناك. كما أن أميركا تريد الدخول إلى عمق الساحل عبر البوابة الجزائرية وهو ما تشجعه قطر. لسنوات قدمت الدوحة نفسها وسيطا إقليميا في المنطقة وتدخلت في الصراع المغربي مع الانفصاليين من بوليساريو الذين يحظون بالدعم الجزائري الكامل. ولهذا فقد كان من الصعب على قطر أن تقبل بمثل هذه الحرب على الإرهاب، بعد أن وجدت نفسها وقد خسرت نفوذا استثمرت فيه طويلا، وظلت تراهن على أنه أحد أهم وأبرز ألعابها الكثيرة في المنطقة العربية مشرقا ومغربا، وفي المنطقة الإسلامية عموما.