صدر عن منشورات دار التوحيدي بدعم من المديرية العامة للكتاب والمكتبات/ وزارة الثقافة البرتغالية ومعهد كامويش بالبرتغال، قصائد مختارة للشاعر البرتغالي أدلبرتو ألفش ترجمها عن اللغة البرتغالية الباحث والمترجم المغربي سعيد بنعبدالواحد والذي يواصل نقل مختارات من جغرافيات إبداعية إيبرية الى الثقافة العربية. القصائد المختارة لألفش صدر في 100 صفحة مزين برسومات، كما تمثل القصائد جزءا من مسيرة ألفش الشعرية على امتداد ثلاثة عقود. أصدر خلالها ستة دواوين قدم منها المترجم سعيد بنعبدالواحد مختارات أمكننا عبرها تلمس سمات وملامح تجربة أدلبرتو ألفش الشعرية. وهذه الدواوين هي على التوالي: 'رؤية غامضة'/1979، 'الدقة والزمن'/1982، 'شرق ذاتي'/1992، 'ليلة القدر'/1993، 'إيران: رحلة الى بلاد الورود'/2007، 'في قمة الليل'/2008. ينحدر الشاعر أدلبرتو ألفش {مواليد لشبونة 1939} من عائلة برتغالية ذات أصول عربية ويعتبر من أكبر المستعربين البرتغاليين الذي أغدوا المكتبة العلمية بأبحاث ودراسات قيمة عن الماضي العربي والإسلامي بالبرتغال. كما امتد اهتمامه بالثقافة الإسلامية الى المشاركة في عدة محافل وهيئات علمية من بينها مؤسسة الذاكرة العربية، المركز البرتغالي للدراسات الإسلامية أو أكاديمية الدراسات العليا الإيبيروعربية وللكاتب اهتمام قوي بالدراسات الأدبية والترجمة خاصة الشعر الأندلسي وقد صدر له 'المعتمد'1985، 'قلبي عربي'1987، 'المعتمد شاعر القدر'1996، واعترافا بما قدمه للثقافة العربية الإسلامية حصل شهر نوفمبر 2008 على جائزة الشارقة للثقافة العربية التي تمنحها اليونسكو (مناصفة مع جابر عصفور). ولعل هذا الاهتمام له ما يبرره حينما نجد تجليات هذا الحضور في تجربته الشعرية خصوصا، غير أن الجامع لمثنه الشعري يكمن في ما وسمه بالقول 'مساءلة الذات' وهي المساءلة التي تشتمل أسئلة بنفس أنطولوجي عميق. كما يعترف ألفش بالتأكيد 'كإنسان هنا، في ذاتي، أتعرف قليلا على نفسي ولا يعرفني الأخرون'. وسواء في مختارات قصائده، من ديوان 'رؤية غامضة' أو 'الدقة والزمن' يتدرج الشاعر ألفش في ذاته محاولا القبض على تجليات وجوده حيث 'الشعر زخرفة مأساوية'/ ص30، لهذا الحضور العاري وهذا العدم. وعبر هذه المسحة الوجودية تكشف قصائد ألفش عن قدرة لمساءلة الذات وكشف رغباتها في علاقة وطيدة بالعالم والكتابة. ذات تعيش العزلة وترسم لوحدتها صورا تقتحم غياهب هذا التجلي، لذلك جاءت قصائد الدواوين الأولى 'رؤية غامضة'، 'الدقة والزمن'، 'شرق ذاتي' وحتى 'ليلة القدر' مستجيبة لهذه الروح التي تحاول أن تتلمس الأشياء وأن تجد صورة لذات منكسرة وفي نفس الآن مجردة تحاول البحث ومن خلال الغيبي عن سمات وملامح لوجودها. في ديوانيه الأخيرين، 'إيران: رحلة الى بلاد الورود' وفي 'قمة الليل' نكتشف ارتباط الإبداع الشعري عند آلفش بمسارات انشغالاته الفكرية، إذ أصبح الشرق بكل تجلياته الروحية والصوفية جزءا أساسيا من رؤية الشعرية. وأمسى الشاعر ألفش يعمق تجربته الصوفية وبحثه الدؤوب عن أسئلة الشعر بموازاة، أكثر تعبيرا عما وسمه ب'أعيش روحيا تجربة الشرق إنني أعيش منفيا هنا، في ذاتي، أتعرف قليلا على نفسي ولا يعرفني الآخرون'. ولا ننسى أن الشاعر ألفش تعرف على متن شعري خصب رموز شعراء الأندلس وأفكار متصوفيها الكبار. مما جعل من قصائده جسرا حواريا إبداعيا بين نسقين معرفيين. وهو ما جعل من شعره ينفتح إبداعيا على مجاهل قصية وهي ما نعتها المترجم سعيد بنعبدالواحد ب'حلقة وصل بين الشرق والغرب'. في قصيدته 'اصفهان مسجد لطف الله' يقول الشاعر ألفش: خرير الماء حفيف الأشجار روعة الأزهار تدعونا للجنة وذلك المسجد برمز قبته يكشف عن الكون الكامن في ذواتنا/ص85. وهكذا عندما 'تنتفي الفوضى، تحدث القصيدة'/ص51. يشكل ديوان ألفش نموذجا إبداعيا لانصهار التجربة الشعرية في القيم الروحية الكونية والمنفتحة على مرجعيات ثقافية متعددة. في اتساع جوهر الشعر، تفتح القصيدة مسالك جديدة للرؤية. القدس العربي