يبدو أن تمسك طرفي اتفاقية السلام بالسودان -المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان- بمواقفهما بشأن تنفيذ ما تبقي من بنود الاتفاقية قد وصل إلي طريق مسدود -وفق مراقبين سياسييين- رغم التفاؤل بإمكانية تقديمهما تنازلات يمكن أن تصل لحلول لما يعرف بالقضايا العالقة قبل الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان في 9 يناير/كانون الثاني المقبل. وعلى الرغم من الرهان على استيعاب كليهما لماضي الحرب بين الشمال والجنوب التي يؤكد كل طرف بأنها لن تعود، فإن ما يعرضه الطرفان على أرض الواقع من اتهامات يشير إلى أنهما ما يزالان بحاجة إلي كثير من الجهد لجهة وقف كل ما يمكن أن يؤدي لهذه الحرب. وقد تسبب اتساع الهوة بين الجانبين في تعليق مفاوضات كانت مقررة في السابع والعشرين من الشهر الجاري بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا بشأن قضية منطقة أبيي ومن يحق له التصويت في الاستفتاء الخاص بهذه المنطقة التي تتقاسم النفوذ فيها قبيلتا دينكا نقوك الجنوبية والمسيرية الرعوية ذات الأصول العربية. غير أن محللين سياسيين أكدوا أن خلافات كبيرة تمثل العقبات الحقيقية تقف حائلا دون التوافق بين الطرفين وبالتالي تأخير كل ما من شأنه معالجة الأزمة. مشكلات حقيقية فقد اعتبر المحلل السياسي تاج السر مكي أن هناك مشكلات حقيقية ما زال حلها مستعصيا على طرفي الحكم، مشيرا إلى وجود أشياء غير مرئية تتحكم في تعاطي الطرفين مع القضايا محل الاختلاف. وقال للجزيرة نت إن ما تحت "الطاولة" ربما أدى إلى توقف البحث والتنقيب عن مخارج للأزمة المستفحلة بشأن أبيي والحدود، مشيرا إلى اختلاف الجانبين في كيفية إدارة الحوار بينهما. وأكد أن مقترح الرئيس عمر البشير مراجعة الدستور لجهة كسب الوحدة "ربما له ما بعده من تبعات غير منظورة حتى الآن"، منبها إلى أنه ليس كل ما يقال هو الحقيقة بعينها وبالتالي فستكون مرحلتهما المقبلة مزيدا من الشد والجذب. أما المحلل السياسي محمد علي سعيد فاعتبر أن أبيي أصبحت العقبة الكأداء في إكمال تنفيذ ما تبقى من اتفاقية السلام، مستبعدا توصل الطرفين إلى اتفاق بشأن كافة القضايا العالقة بينهما "فالمسالة تتعلق بقبيلتين إحداهما جنوبية والأخرى عربية شمالية". محكمة لاهاي وأشار إلى ما أسماه ضعف موقف المؤتمر الوطني بسبب قرار محكمة التحكيم في لاهاي بشأن حدود المنطقة "والذي تعهد (الحزب الحاكم) بقبوله قبل أن يصدر". وقال للجزيرة نت إن عدم تلاقي مواقف الطرفين "كان وراء قرار رئيس لجنة حكماء أفريقيا الخاصة بالمسألة السودانية ثابو مبيكي في تأجيل اجتماعات أديس أبابا التفاوضية إلى أجل غير مسمى". وأكد أن المبعوث الأفريقي "ربما أنه لم ير أي فرصة لنجاح المفاوضات بين الشريكين على الأقل في الوقت الحالي". ومن جهته اعتبر الخبير السياسي الأمين عبد اللطيف أن عدم توصل لجان شريكي الحكم إلى اتفاق بشأن القضايا العالقة ربما تسبب في تأجيل الاجتماع "بل ربما أدى إلي تأجيل الاستفتاء نفسه"، مشيرا إلى وجود جهات ساهمت بقدر كبير في تباعد موقف الطرفين في الفترة الأخيرة. وقال إن عقدة المسيرية لن تحل طالما تمسكت الحركة الشعبية بعدم أحقيتهم المشاركة في استفتاء أبيي "الأمر الذي ربما عجل بالمواجهات العسكرية غير المرغوب بها". وتوقع في حديث للجزيرة نت تأجيل الاستفتاء للجنوب ولمنطقة أبيي "بسبب الظروف المناخية من جهة وانتظار تنازل المسيرية أو دينكا نقوك من الجهة الأخرى".