مدخل: يزداد عدد الآباء باضطراد في الولاياتالمتحدة ممن يقومون بالضغط على المدارس لكيما تسحب الكتب ذات اللغة الرديئة أو المضمون الجنسي. ولكن هل من الواجب تقييد كتب الأطفال بهذه الطريقة؟ إن هناك معركة تخاض في أمريكا حول الكتب، فالمشادات الكلامية تشهد على اعتراض الآباء على الكتب التي تستخدم في المدارس، كما أن هناك آباءً آخرين يقاتلون من أجل حق أبنائهم في الدخول إلى مكتبتهم المدرسية وتناول تلك الكتب ذاتها. فقد سلطت جمعية المكتبات الأمريكية الضوء على القضية خلال أسبوع كتبها المحظورة حيث سجلت الجمعية 460 محاولة جرت في عام 2009م لسحب كتابٍ ما من مكتبةٍ ما أو من حجرة دراسية. إن جزءاً من المشكلة يكمن في ظهور روايات المراهقة، فمنذ مرور 60 عاماً تقريباً على نشر رواية «القابض بنبات الجاودار» بات القراء المراهقون اليوم يشكلون سوقاً رائجة عى نطاق العالم. وقد جلبت «سلسلة الشفق» لمؤلفتها ستيفناني مير الملايين بيد أن المؤلفة ستيفاني وجدت عملها الروائي على قائمة أول عشرة أعمال تم الاعتراض عليها إذ يرفض الآباء ما تتضمنه من صراحةٍ ووقاحةٍ جنسيتين بالنسبة لناشئة القراء. والأكثر إثارة للدهشة لكثير من الناس هي ثلاثة أعمال أدبية كلاسيكية مقررة على القائمة إذ تشمل العشرة أعمال الأكثر اعتراضاً عليها: «القابض بنبات الجاودار» و»اللون الأرجواني» و»قتل الطائر الحاكي». لقد قالت بارباره جونز مديرة مكتب الحرية الفكرية بجمعية المكتبات الأمريكية: (لقد صُدمت أن أي شخص سيجد هذا الكتاب مهيناً). أما كتاب هاربر لي فقد اعترض عليه الآباء السود الذين يرفضون استخدام كلمة «زنجي» إذ تشير بارباره جونز إلى أن هذه الكلمة ترد 58 مرة في الكتاب. ولكن القضية دائماً بالنسبة لمعظم الكتب المعترض عليها هي الجنس أو الأفعال الجنسية، فلقد تحملت لورين ميراكل عبء فيضٍ من الرسائل الالكترونية الغاضبة من جانب الآباء الذين أغضبتهم سلسلة كتبها الرائجة التي تحكي عن مجموعة من الفتيات المراهقات إذ كُتبت جميعها بأسلوب المراسلة الفورية وأن الثلاثة كتب سميت بالحروف اللاتينية ttyl، ttfn، l8r، g8r. وتقول لورين ميراكل: (لقد كان واضحاً لي التقريع المسئ الذي يخاطبونني به، فهم غاضبون) حيث تقول رسالة الكترونية أنموذجية أرسلت إليها من أحد الآباء: (ما الذي يعطيك الحق في أن تسلبي طفلي براءته؟). وتقول لورين ميراكل: (لديَّ مراهقة واحدة لديها تعبير مترفع عمن دونها، فهؤلاء طالبات مدرسة عليا تحاول الواحدة منهن أن تقرر ما إذا كان لها أن تمارس الجنس مع صديقها). إن كثيراً من الاعتراضات التي سجلتها جمعية المكتبات الأمريكية موجهة للمدارس العليا وهي تهدف لتقييد مواد القراءة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 14 إلى 18 سنة. ولكن حتى الكتب المعنية بناشئة القراء مثل عمل لورين ميراكل الموسوم تحت عنوان «اثنا عشر» يمكن أن يسبب فيضاناتٍ من الشكاوى حيث يصف هذا الكتاب فتاة تعرف كيف تقحم حشوة قطنية لامتصاص الطمث، الشيء الذي أثار رسائل الكترونية غاضبة. وتقول لورين ميراكل: (لكي تتعامل مع المراهقين يجب عليك أن تكتب عنهم بأمانة، فالأطفال يجب أن يروا عالَمَهم معكوساً إليهم، فأنا لديّ فتيات كثيرات يقلن لي شكراً لك لما تكتبين). هناك تباين بين الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة، ففي حين نجد أن الاعتراضات الرسمية على الكتب الموجودة في المكتبات المدرسية اعتراضات عادية في الولاياتالمتحدة لكن نجدها غير عادية في المملكة المتحدة. فجزء من الاختلاف يوجد على مستوى الرقابة المحلية على المدارس، فعادة ما يمكن لمجالس إدارات المدارس المنتخبة محلياً في الولاياتالمتحدة أن تسحب الكتب عندما يرفع الآباء عريضة ضد هذه الكتب. وتقول سالي دونكان عضو جمعية المكتبات المدرسية في المملكة المتحدة إن الرقابة تقع حصرياً في أيدي مديري المدارس إذ تستحضر سالي مدرسة أولية رفضت أن يكون لديها أي كتب لهاري بوتر بسبب محتواها الخارق للطبيعة ولكن مثل هذه الخطوات تعتبر نادرة. وتقول سالي دونكان: (ربما كان من الأقل رجحاناً أن يشتكي الآباء من محتويات الكتب في المملكة المتحدة، فنحن على العموم مجتمع أقل تديناً). وهناك عبر الأطلسي ثار صراع في مدينة ستوكتون الصغيرة بولاية ميسوري حيال كتاب شيرمان أليكسي الموسوم بعنوان «المفكرة الحقيقية لهنديٍّ يعمل بالمشاهرة» حيث نال العمل جائزة الكتاب القومية، ولكن قصة مواطن أمريكي يبلغ من العمر 14عاماً حول أرضٍ منكوبة بالفقر وقد أصابته المأساة أزعجت كثيراً من الآباء في ستوكتون بعد أن علموا أن القصة كانت تدرّس في في المدارس. وقد قاد معارضة الكتاب أب ومحامي هو مايك هولزنيشت حيث يقول: (إن الكتاب مليئ بالألفاظ النابية والتجديف والفحش والصراحة الجنسية التي تشمل سفاسف الأمور، فالناس الموجودون هنا حيث الطبيعة الريفية المحافظة سيقطعون شوطاً طويلاً حيال ما فيه، ولكن هذا الكتاب فاق حدّ الجنون فهو غير ملائم في المدرسة). وقد نجح معارضو الكتاب بعد عدد من الاجتماعات عقدت على مدى أشهر عديدة حيث صوّت مجلس إدارة المدرسة لسحب الكتاب من المنهج المدرسي والمكتبة المدرسية. وكانت شيريل ماركوم من بين أولئك الذين دافعوا عن الكتاب إذ قالت: (لقد كان واحداً من أفضل الكتب التي قرأتها في حياتي، فمواضيعه تحكي عن الفقر المستشري وإدمان الكحول والإرهاب والعنصرية وفقدان الأمل، وكل ذلك ينطبق على مقاطعة سيدار [حيث توجد مدينة ستوكتون]. ونحن نرى أن الآباء لديهم الحق كل الحق والمسؤولية في مراقبة ما يقرأه أطفالهم، ولكن ليس لديهم الحق في منع الأطفال الآخرين من قراءة الكتب وبالذات الكتب الحائزة على الجوائز القومية). ويقر هولزنيشت بأن الكتاب عبارة عن «قصة رائعة» ولكنه لا يوافق على لغته أو على صراحته الجنسية، فقد نقل هولزنيشت أسرته إلى ستوكتون لأنه شعر بأنها مكان ذو قيم جميلة مشتركة حيث تجده يقول: (هذا مجتمع ذو نوع من القيم المنسجمة مع الطريقة التي نحب أن نربي عليها أطفالنا). إن الاختلاف الأساسي هو بين أولئك الذين يعتقدون أنه من واجب المعلمين أن يكونوا على قدر التحدي ويفرضوا على الأطفال الكتب ذات الطابع الانفعالي وأولئك الذين يرون أن الآباء فقط هم من يجب أن يسمح لهم بالقيام بذلك. وتقول بارباره جونز: (نحن نبالغ في حماية أطفالنا، فقد سمعوا بهذه اللغة ومن المحتمل أن يكونوا قد تلفظوا بها هم أنفسهم، فليس صعباً على الأطفال مجابهة الأفكار البغيضة. فأيُّ مكانٍ للتعامل مع الأفكار أفضل من المدرسة أو المكتبة؟). وبالطبع فإن النتيجة المحضة لمعركة دارت حول كتاب مثل كتاب ستوكتون هي أن أطفالاً كثراً انتهوا إلى قراءة عمل مثير للجدل وأن المؤلف أصبح يبيع كتباً أكثر، وحتى هولزنيشت كان عليه أن يقر بأنه اشترى ثلاث نسخ. وتقول بارباره جونز: (إن مجالس الإدارات هذي تخادع نفسها لأنها إذا حظرت الكتاب فإن الأطفال لن يعثروا عليه). *الكاتب، فينلو روهرر: في عالم يمكن للإنترنت أن يعكس أي نوع من التجديف غير اللائق والصورة الحية أو التعرف بالأجانب، تجدني شخصياً سعيداً بأن الروايات ما تزال تهيِّج الآباء، فهي تتحدث عن «الملابس التحتانية؟». *إيان هارت، من تانبردج ول، كنت: أنا نفسي وبصفتي أباً أجد المبررات المذكورة أعلاه لحظر الأعمال الأدبية في المدارس غير مفهومة لي. وأنا متأكد من أن مؤلفي هذه الأعمال سيستفيدون من المبيعات المتزايدة بسبب الشهرة فضلاً عن قلة إتاحة المؤلفات في المدارس. أما فيما يخص رواية «قتل الطائر الحاكي» فإن أولئك الذين يعترضون على المفردات الواردة فيها عليهم أن يعترفوا بالظروف التي تم فيها تقرير الكتاب، فهناك أعداد كبيرة من المفردات النابية والتلميحات الجنسية في مسرحيات شكسبير التي لا يبدو أن أحداً يريد أن يعترض عليها، لأن أولئك الذين يعترضون عليها يكون اعتراضهم بسبب عدم فهمهم لها أو أنهم يظنون أن أطفالهم لن يفهموها! *سايمون بول، لندن: أنا على علم بهذه القصة وأقدِّر أنها تصنع الخبر في لندن، ورغم أني لست «خبيراً» لكنني قمت بتربية ثلاث بنات وأقرّ تماماً بأن المراهقين في حاجة لأن يُعكس لهم عالَمهم ويُوضَّح لهم ويُؤطّر لهم. فهل هذه القصة (أو أية مادة قراءة) تعني أنهم يفهمون فهماً كاملاً؟ كلا، بيد أنني مقتنع أن هذا ما تهدف إليه كيفية تربية الأطفال. فعندما كنت طفلاً لم يكن باستطاعتي قراءة أي شيء يتجاوز الخط الأحمر ما لم تكن لديَّ مذكرة من تلقاء والديَّ، فقد كنت أحصل على المذكرة لأن والديَّ كانا يعلمان أنه برغم صغري يجب عليَّ أن أفكر من خلال الأشياء. فينلو روهرر بي.بي.سي، واشنطن: