د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    السجن لمتعاون مشترك في عدد من قروبات المليشيا المتمردة منها الإعلام الحربي ويأجوج ومأجوج    الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    المرِّيخ يَخسر (سُوء تَغذية).. الهِلال يَخسر (تَواطؤاً)!!    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. منصور خالد : هؤلاء من يتحمّلون المسؤولية التاريخية لحق تقرير المصير (.....) أنا لا أخدم الدول بل أشارك في صنعها .. الحركة ملزمة بالحقوق التاريخية للرعاة..!
نشر في الراكوبة يوم 31 - 10 - 2010

من المناسب أن نستلف من القاموس التعبيري الثري للدكتور منصور خالد المفكر الحصيف والسياسي الضليع والقيادي بالحركة الشعبية، كلمة (غير)، لنقول إنّ الحوار مع رجل في قامته الفكرية والسياسية حول قضايا السودان الحالية (غير).
سمع الناس لكثيرين تحدّثوا في شأن الاستفتاء، وفي أمر العلاقة بين الشمال والجنوب، وفي مستقبل السودان موحداً أو منقسماً، وحول ترتيبات ما بعد الاستفتاء، وبجانب ذلك أريق مداد كثير من آخرين حول ذات المواضيع.. ومع هذا فإنّ الناس ما زالوا ينتظرون فرادة آراء د. منصور خالد، حول هذه القضايا المنبهمة، وحول أشياء تتعلّق بخصيصة نفسه ومستقبله السياسي، حاولت «الرأي العام» أن تستجلي من د. منصور خالد معالم الطريق كما يراها.
......
* القضايا التي يحاول الآن الشريكان الاتفاق عليها، بحيث لا يتضرّر المواطن من الاستفتاء كان يجب أن يتم الفراغ منها باكراً، فإنْ حدث الانفصال الآن ستكون هناك أسئلة كثيرة من غير إجابات؟
- صحيحٌ، هناك أشياء كثيرة كان من الممكن أن تتم في السنوات الخمس الماضية. ولكن إن توقفنا في البحث عمّن هو المسؤول فسنضيِّع الوقت في السؤال حتى تأخذنا الصيحة.
* كيف ترى المشهد الآن وكيف تراه بعد التاسع من يناير المقبل؟
- لا أريد توصيف المشهد بعد التاسع من يناير، لأنّ هذه مسألة تحتاج لقراءة أشياء عديدة. المهم هو أن يدرك الناس أن التاسع من يناير لن يكون هو يوم النفخ في الصور، هناك اتفاق منذ التاسع من يناير 2005م على أن الجنوب سيمارس حق تقرير المصير عبر استفتاء في ذلك اليوم لتأكيد الوحدة أو الانفصال. فما هو المفاجئ أو المفجع؟ ما ينبغي التفكير فيه هو كيف نجعل من سلبيات الانفصال - إن وقع - مكاسب. السودان ليس هو أول بلد يقع فيه انفصال. ففي أعقاب الحرب العالمية الأولى كان لينين يقول لو انفصلت أوكرانيا عن روسيا لانقطع رأس روسيا. وفي نهاية القرن انفصلت أوكرانيا وروسيا البيضاء وجورجيا مسقط رأس ستالين ولم تهلك روسيا كما تنبأ لينين.
* ماذا إذا وقع انفصال؟
أهم ما يجب حدوثه أولاً استدامة السلام بين الشمال والجنوب. ثانياً إذا حدث انفصال أن لا يُؤثِّر على المواطن لأنّ جنوب السودان لن يكون جنوب البرازيل، بل جنوب الدولة السودانية القائمة الآن وبحدود تتجاوز الألفي كيلو متر. هذه جيرة لا يمكن تجاوزها أو إنكارها. لهذا يصبح الحديث عن قطع الأواصر بين أهل الشمال وأهل الجنوب استخفافاً بالمشكل. فالجنوبيون في الشمال ليسوا هم المجموعات التي تعمل في مهن هامشية في المناطق الطرفية للمدن، كما أن الشماليين في الجنوب ليسوا هم التجار في مدن الجنوب. وما يقارب نصف أهل الجنوب وثلث أهل الشمال يعيشون في الشريط الحدودي الذي يُمثل شريان حياة بالنسبة لهم. هؤلاء لن يفصل بينهم خط ماجينو أو خط بارليف أو حائط برلين. فالرزيقات والمسيرية والدينكا والنوير والصبحة ونزي وسليم ويتحرّكون بين الشمال والجنوب هم وأبقارهم في المواسم، ومن المضحك أنّنا نتحدّث عن مشاكل الحدود بين الشمال والجنوب في الخرطوم في ذات الوقت الذي وصلت فيه بعض تلك القبائل إلى أطراف ملكال، وبلغت فيه المسيرية منطقة قوقريال. هل يدرك حقاً الذين يُؤجِّجون النيران من بعض أهل السياسة أو الإعلام ما يتحدثون عنه.
* هل سيستمر هذا الوضع حتى لو انفصل الجنوب؟
هذا الوضع قائم الآن وهو وضع طبيعي. ويبدو أنّ الذين يتحدّثون عن هذه الأوضاع لا يعرفون ديناميكية الحياة الرعوية ليس فقط في السودان، بل في القارة الأفريقية كلها. لقد ظل السودان في شماله يستقبل القبائل الرعوية من غرب أفريقيا عبوراً بتشاد ودارفور ثم تمضي لبحر الغزال والنيل الأزرق. كما عرف جنوبه قبائل التركانا من كينيا والكارمجونق من يوغندا، والتبوسا من السودان تنتقل جنوباً وشمالاً حسب المواسم، وعندما ينتهي الموسم تعود. هذا واقع كان الإداريون يتعاملون معه في سلاسة في الماضي.
* فَكر الحركة كان قائماً على فكرة بساقين، وحدة السودان وبناء السودان الجديد، وبعد رحيل د. جون قرنق انقلبت الفكرة، ما التغيير الذي حدث؟
- هذا غير صحيح، ففكرة الحركة تقوم على ساق واحدة: توحيد السودان على أُسس جديدة. وهذه الكلمات الثلاث الأخيرة هي الكلمات المفتاحية.
* قال لي قرنق في حوار إنّه يسيطر على ثمانين بالمائة من الجنوب، فقلت له لم لا تعلن الانفصال، فقال لي هل تعتقد أنني أقاتل كل هذه السنوات لأحكم الجنوب، نحن نريد أن نحكم السودان ديمقراطياً، والحركة الآن لديها فرصة أن تحكم السودان ديمقراطياً؟
- الأسس الجديدة التي أرادها د. جون قرنق للوحدة لم يَتسنَ تحقيقها في نيفاشا، بل أمكن تحقيق شئ مهم منها: إنهاء الحرب والإعتراف بالتنوع والتعدد ثم التحول الديمقراطي الذي يتيح للجميع التباري السياسي. وفي نهاية الأمر تغلب إرادة الناس. للتحول الديمقراطي في الاتفاقية توصيف محدد، ولو تأملت التجربة لوجدت أن الحركة قد انسحبت في العام 2007م من حكومة الوحدة الوطنية بسبب قائمة من أربعة عشر مطلباً نصفها يتناول قضايا تتعلق بالتحول الديمقراطي، وتم الاتفاق لاحقاً على الاستجابة لتلك المطالب بتواريخ محددة دون أن يتم الإلتزام بها. موضوعي الآن ليس هو عدم إنفاذ ما تم الإتفاق عليه، بل موقف الصحافة أغلبها من تلك القضايا. فالصحافة تتحدث اليوم عن موقف الناصح عن الانفصال، وعن مسؤولية الحركة عنه، وأيضاً عن مسؤولية حزب المؤتمر، ولكنها لا تمارس نقداً ذاتياً لدورها. عندما انسحبت الحركة تناولت قضايا ذات بُعد قومي مثل الحريات العامة، المصالحة الوطنية، إستقلال القضاء، فما هو موقف الصحافة منها؟
* الأربعة عشر مطلباً التي قدّمتها الحركة، هل هي سبب أساسي لتراجع الحركة عن فكرها الوحدوي؟
- الجواب بالقطع لا، وليس هذا هو ما أُريد تبيانه. أقول إنه لو تعاون الجميع على تنفيذ الاتفاقية لما وصلنا لهذه المرحلة، والسؤال الذي طرحته كَان عن موقف الصحف عندما انسحبت الحركة من الحكومة لأن جوانب مهمة من الاتفاقية، لم تُنفذ ولن تكون الوحدة جاذبةً إلاّ عبر تنفيذ الاتفاقية. الصحافة التي أعنيها، بدلاً عن الوقوف إلى جانب ما طالبت به الحركة ولا أقول إلى جانب الحركة، أخذت في نقد الحركة، واتهامها بأنها تتصرف كحزب معارض وليس كحزب شريك. وكأنا بها تقول لو كنت طرفاً في حكومة وخرقت تلك الحكومة الدستور فأنت ملزم بمساندتها في خرقها للدستور المؤسف أن أول المنتفعين بتلك الحقوق كانت هي الصحافة نفسها.
* من المسؤول عن الانفصال وإدخال السودان في وضعيته الحالية؟
تحميل المسؤولية لحزب أو أفراد أو نظام بعينه فيه إفتئات على التاريخ. فالانفصال نتاج لتداعيات. فلو قبلت أول حكومة وطنية مبدأ قيام نظام فيدرالي: شمال/ جنوب لقضي الأمر. ولو قبلت القوى السياسية مقررات مؤتمر المائدة المستديرة وتقرير لجنة الإثني عشر لقضي الأمر. ولو تراضى الناس على دستور لا يحرم المواطن غير المسلم من الولاية الكبرى لقضي الأمر في نهاية الستينات من القرن الماضي. ولو لم يعبث نميري باتفاق السلام ويمزقه بعد عشر سنوات نَعِم فيها الجنوب بالأمن لانتهى الأمر. جميع تلك الحكومات مقرها الخرطوم. ومركز كل تلك القرارات هي الخرطوم. والتوقيع عليها تَمّ في الخرطوم. وتمزيقها كان في الخرطوم. فلماذا نريد الآن فقط أن نُحمِّل جوبا مسؤولية الانفصال. قد تكون لجوبا جنايات كثر، ولكن ليس من بينها تمزيق مشروعات الوحدة ومواثيقها.
* ألا يتحمَّل الساسة الحاليون جزءاً من هذا الوزر؟
- السّاسة الحاليون يَتحمَّلون جزءاً من هذا الوزر لأنهم كانوا عنصراً فاعلاً في التأثير على السياسة نحو الجنوب، خاصةً في ستينات القرن الماضي وعقب انهيار إتفاق أديس أبابا. لكن في اللحظة التي قرّروا فيها توقيع اتفاقية السلام تغيّر الأمر، مشكلتهم أنهم لم يمضوا بقرارهم هذا إلى نهاياته المنطقية وينفذوا كل ما التزموا به.
أضيف أن حزب المؤتمر الوطني هو أول حزب شمالي حاكم امتلك الشجاعة لمواجهة هذه المشاكل: انهى الحرب، واعترف بالتنوع، وجعل من المواطنة أساساً واحداً للحقوق والواجبات بما في ذلك رئاسة الدولة، ومنح الجنوب حقوقاً وسلطات لم تُمنح له في الماضي، واعترف بحق تقرير المصير. فالعيب، إذن، هو عجز القادرين عن التمام، أو قول بعض أن تياراً في ذلك الحزب لا يريد ذلك التمام.
* لو أخذنا المطلب الفيدرالي للساسة الجنوبيين كحل لمشكلة السودان، ألا تعتقد أن الحركة الشعبية تتحمّل جزءاً من الوزر لأنها قفزت من الفيدرالية للكونفدرالية لحق تقرير المصير وطوّرت مطالب بسيطة؟
- في السياسة لا تسير الأمور في منظور خطي أو طوليLinear perspective فعندما تتعهد في ديسمبر 1955م بالنظر في تطبيق الفيدرالية ثم ترفضها بعد أربعة أشهر في أبريل 1956م لابد أن تتوقع رد فعل أشد. وعندما تتجاهل تنفيذ مقررات عقب مؤتمر المائدة المستديرة (مقررات لجنة الاثني عشر) كان من الممكن أن تضع حداً للحرب لا بد أن يكون هناك تصاعد في سقف المطالب. وعندما يجئ نميري إلى الحكم وينفذ تلك المقررات في اتفاق مشهود، ولكنه بعد عشر سنوات يخرق ذات الاتفاقية التي وقّعها، ماذا تتوقّع أن يكون موقف الجنوب.
* أليس من الأفضل للحركة بما أنّها حركة نضالية أن تستمر في مشروع النضال عِوضاً عن أن تنكفئ وتنسحب وتترك المعركة لآخرين؟
- ثمة خطآن في السؤال أو الإفتراض. الأول هو أنّ الحركة لم تنسحب من النضال بدليل أنها ظَلّت تعمل سياسياً، بمفردها أو بالتعاون مع الآخرين، لتحقيق التحول الديمقراطي الذي يمثل الركيزة الثابتة للوحدة. الخطأ الثاني هو أنّ الحركة ليست هي الجنوب، وليس كل الجنوب مناصراً للحركة. في الجنوب جماعة من البشر ظلمت تاريخياً وظلت نهباً للوعود التي تبسط ولا يتم الإيفاء بها، وبالاتفاقيات التي تمهر ثم تُلغى. وللمرة الأولى تم توصيف هذه المظالم والإلتزام بمعالجتها في بروتوكول ماشاكوس. ولو كانت غاية الحركة بعد ماشاكوس هي الانفصال لانتهى الحوار يومذاك. الحوار الذي دام لأكثر من عامين كان حول قضايا الوحدة. ولو كانت الحركة تريد بمفردها اتخاذ قرار الانفصال نيابةً عن شعب الجنوب، أو كانت تملك ذلك الحق لما كان هناك ما يحول دون ممارستها له. الواجب إذن ليس هو مخاطبة الحركة بل إقناع أهل الجنوب.
* الحركة لم تشأ أن تُقرِّر نيابةً عن آخرين مستقبل السودان والجنوب في نيفاشا، لكنها الآن عبر تصريحات قادتها استبقت رأي الناخبين في ماشاكوس الاستفتاء وأعلنت صراحةً أنها مع الانفصال؟
- أنا لا أعرف قراراً واحداً من الحركة يعلن أنها مع الانفصال.
* سلفا كير في تصريحاته الشهيرة؟
- أولاً أنت تتحدث «بالجمع» تقول تصريحات وأنت تشير إلى تصريح مفرد. ثانياً قال سلفا إنّ مقومات الوحدة الجاذبة لم تَتَحقّق مما قد يحمله هو نفسه على التصويت للانفصال لم يتحدث باسم الحركة. بمثلما قرأت هذا التصريح ورويته كان الأحرى بك أيضاً أن تقرأ تصريح رئيس برلمان الجنوب ونائب سلفا كير في الحزب جيمس واني إيقا الذي قال فيه إنّ الحركة لم تتخذ قراراً بعد. لماذا تأخذ حديثاً واحداً وتريد تعميمه.
* لأنّها تصريحات بلغت حَد التواتر؟
- التواتر هو أن تجئ الأخبار في أثر بعض دون انقطاع، هل يمكن أن تعدد لي تلك التصريحات التي تواترت، وبهذا الفهم للتواتر لو بنت الحركة أحكامها على المؤتمر الوطني وفق تصريحات لأفراد - كبار وصغار - لانقطع الحوار. فنحن نأخذ الأمور الجادة بجدية خاصة في اللحظات الحاسمة ونتمنى أن يفعل الآخرون هذا.
* هناك حديث عن رغبة الشريكين في عدم تأثير نتيجة الاستفتاء على حياة الناس، هل هذا ممكن؟
- هنالك عزم وليس رغبة من الحزبين في أعلى مراقي القيادة على تحقيق ذلك. كما هناك إدراك بأن ثمة إخفاقات قادت إلى فقدان كَثير من الجنوبيين للثقة في الوحدة، وامل وجهد لإستدراك ما فات بحيث تكون الوحدة أكثر جاذبيةً. وعلى أي إن اختار الجنوب الوحدة فلن تكون هي الوحدة الحالية، وحديث الرئيس واضح بأنه على استعداد لمراجعة الدستور الذي سينتهي أجله في يوليو 2011م وإن كان ثمة انفصال فلابد أن لا تصحبه عداوة أو بغضاء بل وئام وتكافل. فليس من مصلحة أحد أن تقع هَزّة في الاقتصاد السوداني، أو في حياة جميع الجماعات المتساكنة على الحدود، أو بين المجموعات العرقية التي تعيش في مختلف أنحاء السودان، أو في علاقات السودان مع جيرته.
* هل هناك إمكانية لتجاوز الانفصال ومعالجة الأمور؟
- الاستفتاء يهدف إلى إنتقاء واحد من خيارين، ويتوقّف الأمر على درجة الإغراء في كل خيار، وإذا اختار الناخب الانفصال على الجميع الإعتراف به، كما على الشمال والجنوب أن يطمئنا على أن ذلك لن يُؤثِّر سلباً على حياة المواطن.
* إذا حدث انفصال، أين يجد منصور خالد نفسه؟
- هذا السؤال يكشف عن عدم استبصار للأولويات كما يعكس مُشكلة حقيقية في العقل الشمالي، أو بالأحري عقل بعض الشماليين. أولاً لا أظن أنّ الذي يشغل الشعب السوداني هو أين سيقيم منصور أو ياسر أو فرتكان إن انفصل الجنوب، في الوقت الذي يعالج فيه الناس قضايا الملايين التي تهيم في الفلوات بين الجنوب والشمال. هذا موضوع لا يستهم إلاّ رهيفي العقول، فلا تنشغل بهم أو تشغلني بهم. أما حول المشكلة الرؤيوية، كان البعض يسألني هل أنت شمالي أم جنوبي؟ فأقول أنا سوداني. لا اكتفي بذلك، بل أضيف، إنني لو أحسست في أي لحظة أن السودان يُشكِّل عبئاً على الإنسانية فلن أفاخر بتلك السودانية، فولائي الأول للإنسانية، لهذا يصبح سؤالك هذا سؤالاً لا معنى له على الإطلاق. وأخيراً ان مازال هناك متبطل فضولي يريد أن يعرف أين سيقيم منصور، فسأرضى فضوله وأقول إن منصور هذا عاش ثلثي عمره الراشد في لندن وباريس وجنيف وواشنطن ونيويورك، ونيروبي وأسمرا والقاهرة وأديس أبابا، لست إذن من يوجه لهم مثل هذا السؤال.
* الآن ربما تختلف الأمور بعد التاسع من يناير، ولمنصور خالد علاقات واسعة، هل ستكون في خدمة الدولة الأم أم الدولة الناشئة؟
- أنا لا أخدم الدول، بل أشارك في صنعها، كان ذلك في عهد مايو أو في ظل النظام الذي حققته إتفاقية السلام. قلت إن أكثر من نصف عمري الراشد قد قضيته خارج السودان في خدمة مؤسسات تنتظم دولاً، أعدك بأنك إن لقيتني في أي واحدة من تلك المدن ستراني أستمتع بقراءة كتاب، أو تدوين مذكرات، أو التملي في لوحة أقتنيها، أو تشمير ساعدي لإحياء أرض بعد موات في محقلة لي بالجريف الشيطة، رعي اللّه أهلها وقبح وجوه أناس يقول أهل مصر (مالهمش لازمة).
* هل سيؤرقك انفصال السودان إذا حدث؟
- نعم، فأنا داعية وحدة وما تركت السودان على مَدى عقدين من الزمان إلاّ لتحقيق تلك الوحدة. لن يؤرقني انفصال السودان كما يؤرق الذين ينظرون للوحدة برومانسية.
* أنت تنظر إلى خريطة السودان الحالية وتتخيل بأن جزئها الجنوبي غير موجود كرجل بلا ساقين، هل تستطيع احتمال رؤية كهذه؟
- وقلت لك من قبل إن لينين كان يقول لو قطعت أوكرانيا لانقطع رأسنا، وراحت أوكرانيا ولا تزال روسيا تعيش.
ما يؤرقني هو أنني أدعو لوحدة أشمل... فالعالم كله يتجه إلى وحدات أكبر بحكم ما بينها من جوامع موضوعية مثل المصالح الاقتصادية المشتركة، والأمن الجماعي، والميزات التفصيلية لكل منها، والتقارب الجغرافي. ولهذا فمن الحمق بمكان أن نعمل على تفتيت الكيانات القائمة.
* هل تتفق مع رؤية بعض الأطراف في المؤتمر الوطني أنّ الانفصال لن يزيد السودان إلاّ قوة ووضوحاً؟
- لم أقرأ هذا الحديث، لكن مثله ليس بجديد عليّ. هناك أكثر من رؤية للوحدة، واحدة تقوم على أن السودان بلد مُتعدِّد الأعراق والأديان واللغات، وبالتالي لابد أن تقوم وحدته على أساس تصالحي يجعل من الفروق عنصر قوة بإثرائها لبعضها البعض، ورؤية أخرى تقول إن لكل مجموعة خصوصيتها، ويجب أن تبقى عليها حتى وإن أدى ذلك إلى تمزق القطر ما لم تسود أو تُفرض الخصوصية الغالبة على كل القطر. أنا أنتمي للمدرسة الأولى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.