سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أصبح الحديث عن انفصال جنوب السودان كأنه قدر محتوم ولا بديل عنه..كان من المفروض أن تسقط حكومة السودان التي رضيت بالاستفتاء على تقسيم السودان إلا أنها فضلت التمسك بكرسي الحكم
من كان يظن أن الخلاف بين السودانيين في جنوب السودان وشماله سيتطور ليولد من رحمه مشروع استفتاء على انفصال الجنوب عن الوطن الأم لأنها إرادة الإدارة الأمريكية التي غزت العراق وجاءت مع الغزو بما سمته مشروع الشرق الأوسط الجديد ؟، ذلك أن المشروع القديم والذي هو مشروع احتلال سابق جاء بالكيان الصهيوني ولكن لم يؤمن وجوده فكان لا بد من مشروع شرق أوسط جديد لتأمين وجود واستمرار الكيان الصهيوني ، وهو مشروع يقوم على أساس إضعاف دول العالم العربي من خلال غزوها وخلق الصراعات الطائفية فيها كما هو الحال في العراق ، وكما هو الحال في لبنان ، أو من خلال ركوب الخلافات بين أبناء الوطن الواحد لتبرير تقسيمه إلى دويلات. لقد كان من المفروض أن تعالج قضية صراع الجنوبيين والشماليين في السودان معالجة سياسية على أساس المحافظة على وحدة السودان واستقلاله ولكن الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن أجل الكيان الصهيوني وبتخطيط منه عمدت إلى النفخ في الطائفية فجعلت الجنوبيين يشعرون بأنهم يمثلون كيانا بشريا يختلف عن كيان الشماليين ومن ثم لا بد أن يختلف كيانهم الجغرافي ويستقل . هذه هي الفكرة الجهنمية التي سوق لها مشروع الشرق الأوسط الجديد ووجد من يطرب لها من السفهاء والعملاء الذين كثروا في بلاد العرب للقيام بدور العمالة والخيانة . لقد بدأت الاستعدادات لإجراء استفتاء على انفصال جنوب السودان برعاية الأممالمتحدة التي هي مجرد لعبة في يد الولاياتالمتحدة التي ما بقي لها إلا أن تعلن صراحة أنها سيدة هذا العالم التي تقرر مصيره كما تشاء . لقد صورت وسائل الإعلام وصول صناديق الاقتراع إلى جنوب السودان لأن الاستفتاء صار قدرا لا رد له بسبب تهور سياسة حكومة السودان ، وعمالة وخيانة أهل الجنوب . كان من المفروض أن تسقط حكومة السودان التي رضيت بالاستفتاء على تقسيم السودان إلا أنها فضلت التمسك بكرسي الحكم واستغلت الولاياتالمتحدة ظرف ما تسميه محاربة الإرهاب وغزو العراق للضغط على هذه الحكومة لقبول الاستفتاء أو بعبارة دقيقة قبول تقسيم السودان لتمكين الصهاينة من قاعدة عسكرية مطلة على البحر الأحمر وعلى شبه الجزيرة العربية لتأمين مرور سفنها في البحر الأحمر وتبرير نشر أسطول حربي بحري فيه ، وللاقتراب من مواقع منابع مياه النيل بغرض السيطرة عليها لأن حروب المستقبل يتوقع أن تكون حروب ماء بعدما ساءت علاقة إسرائيل بتركيا مصدر إمدادها بالماء ولا يستبعد أن تسيطر إسرائيل على مياه النيل بعد التورط في جنوب السودان . وستكون إسرائيل بتدخلها في جنوب السودان قريبة من مواردها البشرية يهود الفلاشا في إثيوبيا وهي تعتمد عليهم كثيرا . وستكون قريبة من دول جنوب ووسط إفريقيا حيث الثروات الهائلة الطبيعية والمعدنية . وسيتحقق حلم إسرائيل من البحر إلى البحر في كل الاتجاهات من الفرات إلى النيل كما تقول المقولة التقليدية ، ومن البحر المتوسط إلى البحر الأحمر في خليج عدن . والغريب في الأمر أن جامعة الدول العربية تسير خاضعة وراء الطرح الأمريكي وقد رضيت بمشروع الاستفتاء وبما سيتمخض عنه من انفصال جنوب السودان عن شماله . ولم يبق لأحرار السودان سوى حمل السلاح والمقاومة والجهاد من أجل المحافظة على وحدة تراب وطنهم المستهدف . إن تدخل الولاياتالمتحدة في الشأن السوداني لا يختلف عن غزو واحتلال العراق عسكريا فالهدف من احتلال العراق هو نفسه الهدف من التدخل في السودان . والولاياتالمتحدة بعد نجاح مشروع انفصال السودان لا قدر الله ستسوق لمشروع انفصال إقليم دارفور ومن ثم ستسوق مشاريع تقسيم البلاد العربية على أساس النفخ في النعرات الطائفية وركوب الطائفية العميلة . فإذا كانت الولاياتالمتحدة تشجع على انفصال جنوب السودان عن شماله فلا زال تاريخها الحديث يذكر رغبة سكان جنوبالولاياتالمتحدة في الانفصال عن شمالها ولا زالت السينما تصور لنا حروب الشمال والجنوب في الولاياتالمتحدة فكيف يوحد جنوبالولاياتالمتحدة وشمالها ويقبل انفصال جنوب السودان عن شماله ؟ إن شعوب الأمة العربية التي كانت تخرج للشوارع عقب كل مؤامرة ضد ها في أي قطر من الوطن العربي الكبير لم تبادر للتحرك ضد مشروع تفكيك وحدة السودان لأن السفهاء في السودان صوروا للأمة أن تفكيك بلدهم هو شأن داخلي وإرادة شعب السودان. يمكن للجغرافيا البشرية أن تختلف باختلاف الأهواء والانتماءات ولكن ما ذنب الجغرافيا الطبيعية ؟ ولماذا ستساير الجغرافيا الطبيعية الثابتة والمشروعة الجغرافيا البشرية المتهورة والعميلة ؟ محمد شركي