المريخ في لقاء الثأر أمام إنتر نواكشوط    قباني يقود المقدمة الحمراء    المريخ يفتقد خدمات الثنائي أمام الانتر    ضربات جوية ليلية مباغتة على مطار نيالا وأهداف أخرى داخل المدينة    مليشيا الدعم السريع هي مليشيا إرهابية من أعلى قيادتها حتى آخر جندي    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابليس في القصر
نشر في الراكوبة يوم 29 - 03 - 2013

في مطلع هذا الشهر قال الرئيس السوداني لجريدة الشرق القطرية ،انه لا ينوي الترشح لدورة رئاسية جديدة في 2015 وبعبارته قال "كفاية حكم " بالطبع وجدت الصحف في هذا الخبر قصة رائعة لتتبعها، واهتم بها كثيرون ادراكاً منهم ان "غياب "الرئيس يشكل معضلة حقيقة بالنسبة "للحزب الحاكم " .في مطلع هذا الاسبوع قال الدكتور قطبي المهدي لقناة الشروق -ايضاً منقول في معظم الصحف المحلية 23 مارس 2013 – "ان الحزب سيواجه ازمة كبيرة بعدم ترشيح الرئيس البشير " مضيفاً:" ان القواعد تعتبره احد الضمانات للحزب " .يضيف علي هذا القول البروفيسر ابراهيم غندور امين قطاع العلاقات الخارجية بالحزب الحاكم في حواره مع جريدة الصحافة 24 مارس 2013 "البحث عن بديل للرئيس تحد كبير يحتاج الي تأن."
ما يبدو، ان قادة الحزب الحاكم يدركون ورطتهم الكبري ،كونهم انتهوا في النهاية الي حزب في رمزية الرئيس البشير وليس في رمزية الحكم بصورة عامة ،فكان سيكون مفهوما لو قلنا ان حزب المؤتمر الوطني ارتبط بالحكم وبالتالي لاوجود له الا في الحكم .كان سيكون ذلك معقولا بالنسبة لقادة وقواعد حزب المؤتمر الوطني بالذات في ظل الشروط السياسية الحالية .الامر اذن يتضح انه اعمق من الحكم انه حزب انحدر لدرجة ان بقائه يرتبط ارتباطا كبيرا ببقاء الرئيس في الحكم ،اعظم تحدياته هو كيف يختار مرشحا ثانيا غير الرئيس !لا يمكن ان يكون ذلك تحدي حزب يدعي انه كبير وان لديه خبرات طويلة في الحكم والممارسة "راجع قول امين حسن عمر مازلنا افضل السئيين –الصحف السودانية –" و في مقابل قلق طائفة معتبره من الحزب الحاكم علي بديل الرئيس تري طائفة اخري معظمهم من الشباب وبعض دعاة الاصلاح والتغيير في الحزب وبعض الراغبين في مراكز قوي ما بعد التغيير ،تري هذه الطائفة انه لا سبب للخلط بين ضرورة التغيير والخوف من التغيير ،فما سيواجهه الحزب سيواجهه في كل الاحوال حتي لو بقي الرئيس في الحكم عشر سنوات اخري .صحيح ان المؤتمر الوطني سيضطر لمواجهة ازمة بديل الرئيس ان لم تكن اليوم فغدا لا محال .يري بعض دعاة التغيير انه لا مناص من مواجهة الخلل الذي تسببوا فيه وهم في الحكم .التاريخ يقول ان حكم المؤتمر الوطني انتهي بالبلاد الي فوضي غير منكرة ولا تحتاج الي عبقرية لرؤيتها ،فقط ما حدث ان الشرائح الضعيفة والفقراء والطبقي الوسطي غير المرتبطة بنشاطات الحزب الحاكم دخلت الي قلب التاثر بازمة البلاد ،فيما تبقت طبقة الراسماليين والمنتفعين بخيرات الحزب واستثماراته وتسهيلاته تتصور انها ما زالت قادرة علي النجاة .يتصور المرء احيانا ان المؤتمر الوطني بلغت به الانانية لدرجة انه لا يشعر بتمدد الازمة التي خلقها ودبرها للاخرين تزحف نحوه وهو ما زال طربا "شمتانا "في الذين سحقتهم الحياة والظروف نتيجة تدبيره السياسي والاداري .لا يمكن ان يتصور المرء ان كل ما يحدث والارقام والتناقضات والارتباك المؤسسي الحادث في السودان غير مفهوم وغير مدرك لقادة الحزب الحاكم .ثم انظر عزيزي حينما يخرج اليك قيادات من قلب الحزب الحاكم يحدثونك بلا مواربة ،ان حزبهم سيواجه ازمة كبيرة لو لم يرشح الرئيس البشير مرة اخري للرئاسة ! ونسأل :اليس في حساباتكم احتمال عدم فوز الرئيس نفسه في الانتخابات ان هي جرت بنزاهة وعدالة ؟ طبعا لا ،لا يمكن ان يستغرق المؤتمر الوطني ساعة واحدة للتفكير في سيناريو فشل وصول الرئيس لسدة الحكم لكنه قلق بشدة علي ان اختيار بديل اخر للرئيس البشير يعرض الحزب والبلاد لازمة كبيرة .
ما هي الازمة :
الازمة هي قول سمعته من قيادي رفيع في المؤتمر الوطني 2006 حينما وصف لنا حزب المؤتمر الوطني بانه حزب هلامي لا وجود له في ارض الواقع .الازمة هي ان "عضوية النادي الكاثلويكي بالخرطوم "يعرفون انهم لم ينشغلوا بالسياسة في خلال الفترة الماضية وبالتالي يصعب تصور ان لديهم حزب سياسي مؤسسي ذو برامج محددة .وتشير حالة الهزيان والخطابات السطحية التي يتناولها البعض محاولين ربط الحزب بالشريعة الاسلامية الي امر واحد وهو ان الحزب لا يفتقد فقط الي المؤسسية والرؤية ،وانما تشير الي ما انتهي اليه الحزب منحدرا الي مستويات دنيا في الاستهبال السياسي ،وحينما تداعي الاسلاميون في مؤتمرهم العام الماضي لاحياء ما عرفت بالحركة الاسلامية سابقا اجبرتهم الملابسات والانقسامات وطبيعة ما يشيرون اليه بالحزب "ان يطبخوا طبخا نئيا وسيئا لم يستسيغه الكثيرون ،فخرجوا عليه في ملمات معروفة حدثت نهايات العام الماضي "اعتقال قوش ومجموعة الانقلابيين الجدد "
الازمة هي ان الطريقة التي ادار بها الحزب الحاكم البلاد في ربع قرن مضي اوصلت البلاد وبالتالي حزبهم الي مرحلة حقاً حرجة ،باعتبار ان الحزب دائما يدعي انه يتواءم مع التقلبات الاجتماعية التي تحدث بفعل الادارة السئية والقرارات المتهورة والسير في الظلام بعناد ،والحزب كلما راي نتائج سياساته تعظم الانقسامات المجتمعية التقليدية يتمدد لمحاولة احتوائها ،بخلق اجسام ديكورية لا يلبث ان يدخلها الي النادي الكاثوليكي بدروب سرية ،فتجد العمد والمزارعين والرعاة والمنتجين كلهم يتركون مناطق انتاجهم في زحف يومي الي مباني النادي الكاثلويكي في الخرطوم .
في اكتوبر الماضي واثناء زيارتي الي الخرطوم قال لي والدي: "اعزه الله ونصره علي القوم الظالمين" انه يحرص يوميا هو وزملاء له مزارعين من جبهة اعالي النيل المصفية للنيل الازرق ،علي ان يقضوا ساعات في مبني المؤتمر الوطني ،يصلون وينتظرون ان يتحدثوا الي مسؤولي الحزب في ازمتهم ،وما هي ازمتهم ؟؟ لو علمت انهم مزارعون يبحثون ان تفتح لهم البنوك صناديق التمويل ليزرعوا قمحا وسمسما وفولا وينتجون فيفيدو انفسهم ويفيدو البلاد ،لعلمت ان الازمة الحقيقة تتمثل في الفوضي الموجودة اصلا وليس تلك المتصورة من فقدان سيطرة المؤتمر الوطني علي البلاد .اذ كلما قابلت شخصا او مسؤولا خارجيا مهتم بموضوع السودان اشار لك سرا وجهرا الي ان البلاد ما زال يماسكها وجود المؤتمر الوطني ولولاه لانفجرت الاوضاع الي فوضي شاملة ! تتعجب من هذا القول علي نحو يجعلك تتساءل عن سر هذا الكسل الذهني في تصور حل اخر بدلا من ارجاء المشكلة علي اساس اعتبارها حلاً .فالمشكلة كانت وما زالت وستكون هي وجود المؤتمر الوطني في الحكم .لانه ببساطة صار ناديا للبزنس والصفقات اكثر من كونه حزب سياسي .الامر الخطير انهم فعلا لا يعرفون الي اين يقودون البلاد ولا يبدو انهم يهتمون بذلك ،والان هم يقولون ان مشكلتهم الاساسية ان الرئيس قال "كفاية " !
حسنا ..دعونا نضع النقاط في الحروف ، ونتصور ازمتنا كما نراها بلا دفع ولا تحريش ولا تضخيم .الرئيس البشير لديه مشكلة حقيقية وجدية مع المجتمع الدولي ،هو مطلوب لدي محكمة الجنائيات الدولية –صحت القضية او لم تصح –بهذا الوضع الموضوعي هو شخصيا –اي الرئيس البشير – يواجه حصار العالم وسواتر الخرسانات بينه وبين المسؤولين الرفيعين في العالم .حدث ذلك منذ وقت طويل حين صدر قرار المحكمة الجنائية الدولية بصدور امر قبض للرئيس البشير في اتهامات وصلت الي الابادة الجماعية 2008.نحن نعلم باعتبار عملنا الصحفي ان مسؤولين رفيعين في المؤتمر الوطني كانت لديهم وجهة النظر واضحة بضرورة التعامل مع المحكمة منذ ايام صدور قرار ضد احمد هارون وعلي كوشيب .دبلوماسي رفيع ومن المقربين لمطبخ القرار وكان ذا صلة بملف المحكمة الجنائية في الحكومة السودانية قال لي مرة "هناك تيار قوي يؤثر علي الرئيس بعدم الامتثال للمحكمة الجنائية ولا يجب ان يضع نفسه في قفص اتهام قد يضر بسمعته السياسية لدي الشعب .في تلك اللحظة كان ما يهم المؤتمر الوطني هو "تماسك الداخل "كانت تلك هي النظرية مع المضي خطوات في الشراكة مع الحركة الشعبية .كان ثمة تيار ايضا يري ان الموضوع امني عسكري ،وعليه تقتضي الحالة الاستمرار في الاجراءات الامنية والعسكرية مع حملة كبيرة لصناعة الرئيس كرمز قومي .في خضم ذلك الصراع كانت التيارات كلها تنتهي عند الرئيس باعتباره المعني الشخصي بالموضوع .حسب علمنا لم يختار الرئيس اي حملة يريد، بل طفق يجامل هؤلاء في تخريج "كتائب المجاهدين "وذهب يراضي السياسيين في مؤتمر كنانة لتحقيق "التراضي الوطني "-اي والله التراضي الوطني مرة واحدة -.في ذلك الوقت كتب الدكتور الواثق كلمته وخطته الاولي باسم "طلقة في الظلام " وكانت ورقته تتلخص بان تقف القوي السياسية بجانب الرئيس كرئيس قومي للبلاد ،بل وتعيد ترشيحه كرئيس لتحقيق برنامج وطني متفق عليه .نشرت الورقة في معظم الصحف السودانية ،بل وحسب علمي وصلت الي قيادات سياسية من المعارضة والحكم .حق لي باعتبارات كثيرة ان اقول انا شخصيا كنت معجب بالحل مع قناعتي الكاملة بانه لن ينفذ ..ربما هذا لا يخص الحالة الموضوعية التي امامنا وتلزمنا بحالة تفكير ايجابي لايجاد الحلول ،وطالما نظريا يمكن القول "اهااااااااااااااا والله خطة ما بطالة لكنها لن تنفذ "يمسك الاذكياء بالنصف الاول من الكلمة "الممكن " اليست هذه هي السياسة ؟؟!!
علي كل حال الذي حدث هو ان الرئيس اختار ان يوزع نفسه علي معسكرات الصراع في الحزب دون ان يتخذ اي قرار كبير خلال تلك المرحلة الخطيرة ،وما زالت الدولة تتخبط خبط عشواء متقلبه بمزاجها السياسي لتحديد خط استراتيجي واضح "ما هو ؟؟؟" بمعني ان البلاد الان في حالة طوارئ غير معلنة وهي منذ وقت طويل في هذه الحالة ،وان سألت اي من قيادات المؤتمر الوطني مهما بلغ شأنه عن متي تنتهي هذه الحالة التكتيكية الخطيرة ،غالب الظن سيهز كتفيه ويتمتم بكلام لا في السما لا في الواطة .علي هذا الاساس لا انا ولا انت صديقي القارئ ولا هم يعرفون الي اين تسير البلاد .
في وضع كهذا يتساءل المرء كيف وصلنا الي هنا تحديدا ؟نقول لان التيارات المتصارعة هذه والتي يجاملها الرئيس احيانا ثم حين يفهم "ان لا بديل له " لان الاخرين يفهمون انهم ليسو قادة عليهم اجماع يتمادي الرئيس ليتحصن باجراءات دستورية مطلقة "نقول مطلقة لان الرئيس كانت تقيد سلطاته في الدستور الانتقالي صلاحيات النائب الاول –من الجنوب –وبانفصال الجنوب وانتهاء الفترة الانتقالية لم ينتهي الدستور وبالتالي الت صلاحيات حتي اعلانات علانات حالة الطوارئ واعلان الحرب الي الرئيس وحده .في تلك اللحظة فهم الرئيس ضعف الاخرين والسلطات المطلقة التي يتمتع بها ،بمعاونة الرقيب الامني والعسكري . فالذين يريدون ان يصنعوا للرئيس تاجا علي انه ملكا علي بلاد السودان انما ينتهزون فرصة ضعف الرئيس وليس قوته .
ومع ذلك كله يقول لنا قطبي المهدي ان حزبه سيواجه ازمة اذا لم يترشح الرئيس !!اي ازمة والحزب نفسه مخزن ازمات .ما يخيفنا نحن ليس انفجار المؤتمر الوطني ،فبعمايلو يستحق ان ينفجر لانانيته واصراره وتماديه علي استحقار اراء الناس .لكننا قلقين حقا من كونه اصبح بالونة ضخمة بداخلها كل مسامير الاذي واحتقانات المجتمع وما هو مؤذي واشياء اخري لا نعلمها، ونخشي عليه ان ينفجر فيصيبنا كلنا في مقتل .قد تكون حصافة ما هي التي دفعت قطبي المهدي ان يتصور ان بقاء الرئيس عاصما للحزب لكن ليس اخلاقيا البتة ان تتصور ان السودانيين ينبغي ان يقلقوا من غياب الرئيس .ليس اخلاقيا لانك تضع شروطا مسبقة وقاسية للسودانيين وهي ان يقبلوكم مجددا ويقبلون رئيسكم نفسه وربما نهجكم نفسه ان ارادوا ان يموتوا في وقت لاحق وليس الان !
مرة اخري نشر الواثق مقالات جديدة تتحدث "ان الكرة بملعب الرئيس " والواثق ربما بني ذلك من ملاحظته ان القيادة الان تتجمع حول الرئيس ولا تنفك جماعات كثيرة تفكر في ابقائه في الحكم "زي ماعايز " وهنا ومن طرف اخر خارج الحزب الحاكم واجندته يفكر الواثق انه ربما استطعنا ان ننزع المشروع الوطني من مخالب الحزب الحاكم بعملية جراحية بدلا "من خربشة اللحم والجلد والعظم كمان " وما اعرفه عن الدكتور الواثق انه رجل حصيف وله حب عظيم لهذا البلد وله موقف ثابت لمن يعرفه انه لا يقبل الاذي لا لنفسه ولا لشخص غيره وبالتالي حينما تمعن بما لديه من ادوات في التحليل والمعرفة انتهي الي نتيجة ما قلناه ان المؤتمر الوطني يحتضن بداخله بارودا يكفي لحرق البلد ان هو انفجر ،فينفع هنا ان نقول ولمصلحة الناس دعونا ننظر الي قلق الاسلاميين من غياب البشير علي البلاد كونهم سيتفرقون الي مليشياتهم المتعددة مسلحين باموال وموارد البلد .يظن ظان ان ما يخشاه الدكتور الواثق هو امر واقع لا محال اذا استمرت الاوضاع هكذا ،وسبق لسياسيين كثر رددوا عبارة الاوضاع الخطيرة التي يعيشها السودان ،بل انني اكاد اجزم انك لن تجد مقال او ندوة او حديث عام عن السودان خارجه او داخله الا وكانت كلمة "الازمة الوطنية والانحدار الفظيع للبلد نحو الهاوية هي مسلمات الحديث .اذن ليست هناك مصلحة لاي منا ان نتجادل فيما هو واقع .الواثق وبادراكه الاكاديمي وخبرته السياسية وحواره غير المنقطع مع شتات النخب السودانية في العالم ،صمت لوقت ليقول ":جيد هذا مفهوم ...لكن ما الحل ؟" سؤ اوضاع البلاد امر مفهوم وبديهي ان نقول لو استمرت الاوضاع علي هذا المنوال فان احسن ما سنتوقعه هو انهيار البلاد وغرقها في اتون حرب اهلية شاملة ! لا مبالغة في هذا الحديث اطلاقا ،فلو سمعت من الصوماليين الذي جايلوا وشاهدوا لحظة انهيار الدولة في الصومال لابلغوك ان هذا الامر يحدث في رمشة عين . والسؤال الان ما الذي يعصمنا مثلا من حرب اهلية اذا قامت فتنة بين قبيلتين وثلاث قبائل متحالفة معها ضد مجموعة اخري ؟الامن ؟ الجيش؟ ممممممممممممم اشك في ذلك .
لكن هل فعلا السلطة بيد البشير ؟
الامر معقد ولا يمكن جلاءه ببساطة لمعرفة ان كان الرئيس فعلا يملك زمام الامور وله القدرة علي احداث اختراق في المشهد السياسي .ما يتصوره عدد كبير من المراقبين والمثقفين والمتابعين ،انه فعلا هناك رمزية تتبدي في البشير وان ما يسمي بالمؤتمر الوطني "الحاكم "انتهي في النهاية ليكون حزب تتجمع الطاقة فيه نحو فتيلة الانفجار لبالونة ملئية "بالخوازيق " يقول الحزب الحاكم انه لا بديل غير البشير ! لا بديل هكذا علي الاطلاق ..وكلما اقترب الوقت من عقد مؤتمر الحزب لتحديد مرشحه المقبل ازدادت المخاوف وكثرت الوساطات لتاجيل انفجار وشيك في الحزب علي ضؤ مجرد نقاش من يخلف البشير ،وظننا ان البشير ليس لانه صاحب قدرات استثنائية كما قال قطبي المهدي ،ولكن لان البشير هو الرئيس الوحيد الذي ارتبطت به ازمات استثنائية ولكونه في القصر الرئاسي تحاول زمرة مقربة منه تصويره علي اساس انه قدر هذه البلاد .
وخلال عملي الصحفي الممتد الي اكثر من عشر سنوات في الصحف السودانية ،أدرك الان لماذا تصطدم كل حلول ازمات البلاد بالرئاسة ؟ ! ولماذا تتخذ كل القرارات بما فيها تلك المتعلقة بتعيين مدير ادارة في وزارة اتحادي في الرئاسة ؟ ولما كل الوزراء مفوضين وليس مخولين في حدود وزاراتهم بحيث يعجزون قانونا و"لعب سياسة "عن تعيين مدير ادارة بدون العودة الي الرئاسة ،حتي الولاة الذين منحهم الدستور الاتحادي والولائ سلطات كاملة في ولاياتهم عجزوا عن استخدام سلطاتهم تلك لانهم في النهاية لا بد ان يؤدو فروض الطاعة حيث ينام الرئيس ،طمعا في الحصول علي بندي المرتبات والتسيير .لطالما تساءلت عن ذلك ،فكان مبكرا في العام 2004 قبيل اتفاقية السلام ان اجرينا حوارا صحفيا مع قطبي المهدي وكان وقتها مستشار برئاسة الجمهورية ،صعدنا اليه من سلم خلفي عدد من الصحافيين وفي مكتبه كان الرجل يرسم لنا خريطة افتراضية للقصر الرئاسة الذي كان يجمع اكثر من 30 مستشارا والبقية تم ترحيلهم الي المبني المجاور "ديوان الحكم الاتحادي "وصف لنا قطبي الذي بدي وقتها كرجل ذو تعليم وتدريب غربي ،له دروب في المخابرات والنظام وغيره ،محاولا ان يشرح لنا انه اقترح ان يشكل مستشارية سياسية ترفد الرئيس بالتحليلات والاراء لخط السياسة المحلي والاقليمي والدولي بشكل يومي او اسبوعي .قال لنا "انهم قالوا له "ما خصاك انت بس وظيفتك لما الرئيس يسألك من حاجة تجاوبوا " ثم وكيل اخر حكي لعدد من الصحافيين انه تسلم خطاب اعفائه من القصر بعد اسبوع واحد من تسلم وظيفته والسبب هو ان الرجل حاول ان ينظم جدول اعمال الرئيس .مصدر اخر عمل في القصر قال لنا "ان الفوضي تضرب في اي مكان فيه وان الرئيس يخرج من القصر في اي وقت ويذهب الي القيادة في الوقت الذي يريد .اقول قصة سمعتها من من مصدر موثوق ايضا وهو يحكي ان الرئيس كان يوما متجها الي امدرمان عن طريق كبري شمبات وحينما دخلت كل عربات البرتكول والامن والحراسة الي مدخل كبري شمبات متجهة الي امدرمان امر الريس السائق بان "ياخد يمين لزيارة تذكرها فجأة " .ما نريد ان نقوله هنا هو ان لا احد يتصور كيف يعمل الجهاز الرئاسي وبالتالي يصعب لنا فعليا وموضوعيا ان نعرف لماذا علينا ان نقلق لغياب الرئيس ؟
هذا السؤال لن تجيب عليه نخبة المؤتمر الوطني لانها ببساطة لم تتعود علي الاسئلة .يقول ابراهيم غندور للصحافة "ما زال لدينا وقت للنظر في بديل الرئيس وعلينا اخذ الموضوع بتان" ويقول قطبي "ان الحزب سيواجه امر بديل الرئيس قريبا وعليه ان يمنح نفسه الوقت الكافي للاستعداد لاحتمال غياب الرئيس "بالنسبة لنا نحن الذين كنا نراقب الحكومة ونتحين اخبارها وادائها نقول :اننا غير متفاجيئين البتة ،ذلك ما تصورناه وذلك ما قلناه " فطالما انت تدير البلاد خبط عشواء طبيعي ان تنتهي بان ازمتك الرئيسية هو انك لا تملك بديل وليس مستعدا لمواجهة امر بديله .
الامر المهم هو ان قادة الوطني يقولون ان البشير له قدرات استثنائية ،وهذا قول مبالغ فيه كون قدراتهم ضعيفة وثقتهم في انفسهم تحت الحضيض .لكن ليس لان البشير له قدرات استثنائية .اما الامر الثاني الملازم لهذه الاحجية فهو ان البشير استمد مكانته في السلطة للتناقضات الكبيرة التي حوله والصراعات المدفونة في اروقة الحزب الحاكم "فهم لا رؤية ولا فكرة تجمعهم "والازمة التي رايناها ونعرفها منذ 2011 هي ازمة تتجلي في الوضع السياسي السئ والحصار الخارجي الذي كاد ان يخنق البلاد اقتصاديا واقليميا .هذا ما نعرف انه ازمة وليس امر غياب البشير .
نقول ذلك لان عبدالغني محمد ادريس المتحدث الرسمي لتيار الاصلاح في المؤتمر الوطني قال للشرق الاوسط الاسبوع الماضي "ان هناك من يسعي للالتفاف علي قرار الرئيس بالتنحي " واضاف زميله ابوعاقلة لذات الصحيفة انهم يريدون التغيير حتي لوكان محمولا في طائرات حلف الناتو " .وما بين هذا الشد والجذب في امر خلافة الرئيس يعيش الالاف من الذين ارتبطت مصالحهم ببقاء الوضع علي ماهو عليه "المستفيدين من الفوضي "والذين ما زالوا ينتظرون تسوياتهم مع مؤسسات الفوضي هذه ،والخلاصة ان ثمة صفقات لم تتم بعد او تمت ولم يدفع ثمنها بعد ،وكل ذلك يتطلب بقاء الرئيس حتي لا تحدث مشاكسة بين هذه الافيال كونه متفهم لحوجتهم جميعا طالما راضين به في القصر الجمهوري ووضع الرئيس الاستثنائ هذا خلقته ظروف كثيرة ليس من ضمنها المقدرات الخاصة بالرئيس ولا قدرته لاتخاذ القرارات الصعبة .اهم تلك الظروف هي ان السياسة المتبعة في السنوات الماضية فعلت فعايلها في النظام الاجتماعي وصار المجتمع هش قابل للصراعات والانشقاقات بدرجة لم تحدث في التاريخ من قبل ،كان المؤتمر الوطني طربا لهذه الانقسامات ،بل ان شماتته علي الانقسامات في الاحزاب املته غرورا ليعتقد انه ناجي منها لكونه حزب مؤسس .الان ما يواجهه المؤتمر الوطني هو ما حدث في المجتمع ويحدث باستمرار خلال السنوات الماضية .الانقسامات هذه لا ينجو منها وستكون خطيرة لانها تتم في اطرها التقليدية –العشائرية والقبلية –هذا الامر لا يجب ان يبدو مخيفا لنا لاننا عايشنا هذه الانقسامات من دونه وهو يزيدها ويستقطب من داخلها ولم تهديه الحروب الاهلية المنتشرة في بقاع السودان،فلماذا اذن يريدنا ان نتضامن معه في ازمة بديله هو ؟
Arif.elsawi11@gmail .com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.