مرة وثانية وثالثة تتجدد الاحاديث حول خلافة الرئيس عمر البشير من قبل قيادات حزبه، وكأنها اضحت مما لم يستطع المؤتمر الافتاء بشأنها بشكل نهائي الى حد اللحظة، وتدور اغلب احاديث الوطني حول ان هذه المسألة تحددها الاجهزة المعنية وتارة يحددها الشعب وان اوانها لم يحن بعد، ورد مراقبون الامر للصراع الذي يمور داخل منظومة الوطني وظروف ومحددات وتحديات مختلفة تواجه حزب البشير. مشيرين الى أن الحديث الكثير الذي يدور داخل اروقة الحزب الحاكم حول خلافة البشير ووروده على ألسنة قيادات حزبية متنفذة يعبر، ربما عن قلق بالغ متنام حول تأثير الرئيس الكبير الذي سيتركه على منظومته السياسية حال اختار المواصلة او الوقوف الى جانب الاستقالة، ففي كلتا الحالتين يترتب على حزبه اختيار حاسم ، وفي كلٍ ثمن.! ما اعاد الحديث حول خلافة الرجل هذه المرة جزم زير الدفاع الفريق اول عبد الرحيم محمد حسين والذي يعتبر مقربا من الرئيس البشير لصحيفة «الشرق» القطرية في مقابلة اجرتها معه اول من امس، بان حتى الرئيس البشير لا يحدد هذا الامر، ورجح ان يقوم بهذه العملية الشعب انابة عنه. في مقابل ما كان القيادي البارز بالمؤتمر الوطني - رئيس قطاع امانة الثقافة والفكر أقر به حول وجود تيارات متصارعة داخل حزبه حول خلافة الرئيس عمر البشير في الرئاسة، بعضها يخشى التغيير ويحاول تحاشيه وأخرى تطالب به. وتأكيد عمر في مقابلة صحفية مع»الانتباهة» أن الغلبة ستكون لأنصار التغيير رغم ما يحمل ذلك من مخاطر، منتقدا الرافضين له منهم، وقال: هؤلاء في تقديرهم أن الوضع الراهن أفضل ما يكون في الإمكان، أو على الأقل هو وضع آمن لا ينبغي المجازفة بتغييره بوضع آخر قد يجرنا إلى وضع أسوأ من الحال الذى نحن عليه، ولفت عمر بين يدي توضيحاته لاسباب التغيير الى أن الدورة الحالية هي الأخيرة للبشير، متوقعا حدوث مفاجأة عند اختيار «بديل» البشير، وانتقد أناساً بحزبه لم يسمهم ووصفهم بأصحاب الأطماع والطموح في الصعود السريع. ويبرز السؤال: لماذ الحديث المتجدد والمحتدم داخل صفوف الوطني حول خلافة البشير، وهل تكون الحقيقة الغائبة ان لا بدائل منظورة يمكن ان تخلف الرئيس البشير، ام ان الامر يسير باتجاه خطاب اعلامي يثير الجماهير ويجعل لها من امر خلافة زعيم المؤتمر الوطني شاغلا عن اسئلتها المشروعة بتداول السلطة السياسية، والامال التي تحدوها لحياة لا تهتم كثيرا بمن يحكم ولكنها حياة تقر كيفية الحكم لاي حزب كان ما دام يأتي وفق وثيقة الدستور وآلية الديموقراطية. القوى السياسية المناوئة للوطني لا ترى من امر خلافة الرئيس البشير شأناً يغنيها، فالمؤتمر الشعبي المعارض يرى بان ما يدور داخل الحزب الحاكم يؤكد قراءتهم على ان الوطني لا يهمه شيء على الاطلاق سوى الاستمرار في السلطة. وقال الامين السياسي للمؤتمر الشعبي ل «الصحافة» امس، ان وزير الدفاع اماط اللثام عن موضوع خلافة الرئيس عمر البشير، وهذا يعني ان المجموعة المتنفذة بداخله هي التي تؤثر، بعكس الطبقة السياسية التي اعتبر عمر حديثها يذهب مع الهواء. واكد ان الأزمة الحقيقية هي أزمة شكل الحكم وليس من يحكم، مضيفا ان كل يوم يؤكد الوطني لهم انه حزب لا تعنيه سوى السلطة والبقاء فيها مخلداً، لافتا من ناحية اخرى الى ان هذا الامر يشير الى مصداقية طرحهم الداعي لاسقاط النظام. وانتقد عمر بقاء الرئيس عمر البشير ومحاولة تخليده في السلطة الى الابد، مشيرا الى ان في المسألة عدم احترام للدساتير، بعكس ما يحدث في ما وصفها بالدول المحترمة، وقال ان اكثر امر مؤسف بحق هو ترك الرئيس عمر البشير يحدد «ان يستمر ام لا». ومن جانبه، يقول القيادي بالحزب الاتحادي الاصل، علي السيد، ان تصاعد الحديث حول من يخلف الرئيس عمر البشير يعود الى الصراع والخلاف المحتدم الذي يدور داخل اروقة الحزب بين من سماهم العسكريين والمدنيين، ويلفت السيد الى انه في بدايات عهد الانقاذ نشبت خلافات ابان قيادة الترابي للحزب والجدل الذي دار حول حل مجلس قيادة الثورة بين العسكريين والمدنيين، وضرورة افساح المجال لقيادات جدد وان الرئيس البشير شدد على اهمية تمثيل القوات المسلحة، ويشير السيد الى ان رفض البشير القاطع لما عرف بمذكرة الالف اخ يسير مع نسق حديث وزير الدفاع الذي قال انه يوضح بجلاء موقف العسكريين تجاه بعض مثقفي الحزب وتيار المدنيين ورده الواضح على القيادي بالحزب الدكتور امين حسن عمر. ويؤكد السيد ان الصراع الدائر حاليا في اروقة الوطني يصب في مصلحة السودانيين وان بوادر الانقسام تمثل رحمة للسودانيين، ونوه الى ان انفصال تيار الدكتور حسن الترابي في السابق مثل انفراجة وانه يتمنى حاليا تفاقم وامتداد الصراع لان فيه بوادر خير للسودانيين على ما يقول السيد. بينما داخل المؤتمر الوطني يحتدم جدل خلافة البشير داخل المركز العام، فالتيار الداعم للتغيير يستند على حجج كافية بالنسبة لهم ابرزها علة الجنائية الطارئة التي شكلت حصارا على الرئيس البشير، وهذا التيار يتصور انه بذهاب البشير، وتقديم بديل قوي عنه فان بامكان الوطني الاستمرار، ويرون في الوقت نفسه انه حتى عندما كان عراب الاسلاميين الترابي مسيطرا على الاوضاع، وحان يوم ذهابه، لم تتوقف حياة الحزب ولم يتوقف قلب السلطة عن النبض، وبالتالي فان عبرة الترابي ان دلت انما تدل على ان الاشخاص مهما كانوا من ذوي الالهام والنفوذ فان الحقيقة اكبر من الجميع كما يوضح المراقبون. لكن التيار المقابل - تيار مناصري البشير -، يعده البعض في حكم المتشدد على بقاء البشير زعيما اوحد حتى تنقضي الاجال ويقضي الله امرا كان مفعولاً، وهم لا ينجمون او يضربون الرمل، بل يعرفون ان النظام على جلباب البشير، وان المصير يكتبه الواقع وتسنده الوقائع وترويه الدماء وتغذيه التضحيات وتفرضه المبررات والغايات والوسيلة هي دوما متحركة طالما الغايات إلهية ويتحدثون عن الرئيس البشير كونه محبوب الملايين من ابناء شعبه، و انه قدم للسودان ما لم يخطر على بال معارض ومناويء رافض لحكمه وعدالته، وان ما انجزه خلال الفترة المعلومة لكفيل بجلوسه على سدة الحكم لاجال. الا ان المحلل السياسي، محمد حسن التعايشي، يوضح ان جميع الاحزاب السياسية في البلاد لا تملك مؤسسية تمهد لانتقال سلس بين الاجيال، وخص التعايشي حزب المؤتمر الوطني انه خلال الفترة الماضية لم يستطع التمهيد للانتقال لقيادة جديدة في الحزب، مشيرا من ناحية اخرى الى حال الحزب الشيوعي بعد وفاة نقد، ومتسائلا في الوقت نفسه عمن يخلف الصادق وغيره في الاحزاب السودانية. ويقول التعايشي ان الحديث المتوارد الذي يقول به قيادات الوطني حول خلافة البشير واستمراره وعدمه، ان جاء في ظروف ظهور المذكرة الاصلاحية، وظهور الكتل المختلفة في اكثر من اتجاه داخل حزب واحد، ويلفت التعايشي الى ما قال انها تحديات اساسية متعلقة بالحزب الحاكم « حمل السلاح، الأزمة الاقتصادية، الوضع المعيشي، الدولار مقابل الجنيه، أزمة النفط». واشار التعايشي الى ان تصريحات قيادات الوطني تحاول ان تطفيء النار داخل المنظومة، وقال انه ليس صحيحا وغير ممكن في الوقت نفسه ان تحدد مؤسسة حزبه امر ترشيحه من عدمه، وان هذا الامر بالكاد يعتبر في يد مجموعات داخل الوطني تدين بالولاء للرئيس.