تقرير: عمر الكدي/ عادت الرقابة على الصحف قبل صدورها في السودان بقوة، وذلك بعد منع خمس صحف سودانية من الصدور مؤخرا، وبالرغم من صدور ميثاق شرف عام 2009 يضع حدا للرقابة على الصحف المطبوعة، إلا أن الرقابة القبلية المباشرة قبل الصدور فرضت الشهر الماضي على صحيفتين، في الوقت الذي اشتكت فيه أربع صحف من زيارات ضباط الأمن إلى مقارها، وقيامهم بحذف عدة مواد قبل النشر، ووصل الحذف إلى عدة صفحات، مما أضطر بعض هذه الصحف إلى الاحتجاب عن الصدور. أجراس الحرية تتوقف وكانت صحيفة أجراس الحرية المقربة من الحركة الشعبية لتحرير السودان قد قررت التوقف عن الصدور لمدة أسبوع، احتجاجا على الرقابة المباشرة قبل الطبع، وذلك بعد عدم تمكنها من طباعة نسختها يوم الأحد الماضي لليوم الثالث على التوالي، كما تلقت صحيفة الميدان التي يصدرها الحزب الشيوعي السوداني أمرا بعدم طباعة نسختها، ويبدو أن سبب المنع هو تحقيق أجرته الصحيفة عن إضراب الأطباء بسبب تدني أجورهم، بالإضافة إلى نشر أنباء عن اختطاف أطباء، أحدهم توفي تحت التعذيب في أحد المعتقلات كما تؤكد الصحيفة، كما أن نشر أي مادة عن المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت أمرا بالقبض على الرئيس البشير يعرض الصحف للمصادرة، ويسمح فقط بنشر المواد المنقولة عن مصادر حكومية، ويشمل الحظر نشر أي مواد عن مزاعم بوجود تزوير في الانتخابات الأخيرة، التي فاز بها الرئيس البشير بولاية جديدة. وبهذه الإجراءات يكون شهر عسل الصحافة السودانية الذي أمتد منذ عام 2005 قد شارف على الانتهاء، وهو العام الذي وقعت فيه الحكومة اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، بالرغم من معاناة بعض الصحف بسبب أزمة دارفور، أو بسبب التوتر بين الحكومة والأحزاب التي تمثلها بعض هذه الصحف، مثلما حدث الشهر الماضي مع صحيفة رأي الشعب، المحسوبة على حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور حسن الترابي، الذي اعتقل قبيل حظر الصحيفة، كما اعتقل محررو الصحيفة. لم تطال هذه الإجراءات فقط الصحف الحزبية أو المحسوبة على المعارضة، وإنما طالت أيضا الصحف المهنية المستقلة، ومن بينها صحيفة الصحافة، الأيام، والسوداني. حذف المواد قبل الطبع وجاء في بيان صادر عن صحيفة الميدان يوم الأحد الماضي "لم يصدر العدد رقم "2226" من صحيفة الميدان صباح هذا اليوم السادس من يونيو، بسبب تدخل الرقيب الأمني، الذي طلب حذف العديد من المواد المعدة للنشر. وبما أنه لا يوجد أي مسوغ دستوري يخول له هذا الطلب، فقد رفضنا الاستجابة له، فما كان منه إلا أن أمر المطبعة بعدم طباعة الصحيفة". ويرى البعض أن حكومة حزب المؤتمر الوطني تمر بحالة من الانفعال العصبي، وخاصة بعد تصريحات رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما، التي قال فيها أنه وجه الدعوة للرئيس البشير لحضور حفل افتتاح مسابقة كأس العالم لكرة القدم يوم 11 يونيو القادم، ولكنه أيضا قال أن حكومته ستلقي القبض على البشير في حال قدومه، كما أن عدم توجيه أوغندا الدعوة للرئيس البشير لحضور المؤتمر الاستعراضي للمحكمة الجنائية الدولية يشكل حرجا بالغا للحكومة، خاصة أن المؤتمر ستحضره 111 دولة، من بينها ثلاثون دولة إفريقية، وتخشى الخرطوم من أن توقع هذه الدول روما الذي يلزم هذه الدول بالقبض على من تلاحقه المحكمة الجنائية الدولية، لهذا وصف حاج ماجد سوار أمين التعبئة السياسية في حزب المؤتمر الوطني هذه المؤتمر قائلا "إن القصد من هذا المؤتمر هو المحاولة لحشد التأييد الإقليمي والأفريقي من منظمات أهلية ودولية للسيطرة على المجتمع المدني في القارة الأفريقية". رقابة متدرجة وفي حديث لإذاعتنا قال الصحفي فائز الشيخ السليك، نائب رئيس تحرير صحيفة أجراس الحرية، أنهم علقوا صدور الصحيفة احتجاجا على فرض الرقابة الأمنية القبلية من طرف جهاز الأمن الوطني والمخابرات، لأنها رقابة تعسفية تجعل مهمة الصدور مهمة صعبة للغاية، حيث ينتقي جهاز الأمن كل مساء موادا بعينها ويأمر بحذفها، ووصلت نسبة الحذف إلى ستين وسبعين في المائة من المواد المعدة للطباعة، ويضيف السليك قائلا "بهذا الاحتجاج أردنا أن نرسل إشارات بأنه لا توجد حريات في السودان، ولا يوجد مناخ للعمل الصحفي بشكل محترم". ووفقا للسليك فإن الرقابة متدرجة فهناك صحف تراقب من طرف ضباط جهاز الأمن، وهناك صحف تراقب بالاتصال عبر الهاتف يطلبون فيها من رئيس التحرير حذف مواد بعينها، ومن بين هذه المواضيع وفقا لفائز الشيخ "المحكمة الجنائية الدولية، وإضراب الأطباء الذي لا يزال مستمرا لأكثر من خمسة أيام، ولكن بالنسبة لنا ليس لديهم سقف، فهم يحذفون أحيانا حتى قصائد الشعر، وأعمدة الرياضة، فهنالك قصدية وهناك ترصد لصحيفة أجراسي الحرية بمضايقتها حتى لا تصدر". ليس هنالك ميثاق أكبر من الدستور ويرى السليك أن هذه الحكومة لا تلتزم بأي ميثاق مضيفا "ليس هناك ميثاق شرف أكبر من اتفاقية السلام الشامل لعام 2005، وليس هنالك ميثاق شرف أكبر من الدستور، لأنه يقر الحريات، واتفاق السلام يقر التحول الديمقراطي، وإذا لم تلتزم الحكومة بهما فكيف ستلتزم بميثاق الشرف، حتى قانون الصحافة والمطبوعات لا توجد به رقابة، لكن جهاز الأمن يراقب، وحتى قانون جهاز الأمن به اعتقالات يقولون أنها ليست لأسباب سياسية". ووفقا للسليك فإن الرقابة تشمل حتى المواقع الالكترونية، التي نجح جهاز الأمن في تخريب واحد منها، بالرغم من تغيير عنوانه أكثر من مرة، ومن بين التهم التي يوجهها جهاز الأمن للصحف الخاضعة للرقابة، "تناول قضايا تهدد الأمن الوطني، وتهدد استقرار البلاد، ومحاولة تقويض النظام". ويؤكد السليك أنهم لن يصدروا صحيفتهم كنسخة من جهاز الأمن، مضيفا "لجهاز الأمن الحق في أن يصدر صحيفته، أو أن يمول صحفا أخرى، أو أن يحدد صحفا بعينها تتبع له، ولكن ليس له الحق أن يملي على صحيفة تابعة لحزب آخر أو للأشخاص ليست لهم مصلحة في سياسة حزب المؤتمر الوطني، أو جهاز الأمن الذي اعتبره جهاز للمؤتمر الوطني، وليس جهاز أمن لكل السودان".