شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    البرهان يشارك في القمة العربية العادية التي تستضيفها البحرين    شاهد بالفيديو.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تعود لإثارة الجدل بوصلة رقص مثيرة وتهز بجسمها على أنغام أغنية مصرية    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    الرئيس التركي يستقبل رئيس مجلس السيادة    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    الكتلة الديمقراطية تقبل عضوية تنظيمات جديدة    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    عملية منظار لكردمان وإصابة لجبريل    بيانٌ من الاتحاد السودانى لكرة القدم    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    «غوغل» توقف تطبيق بودكاستس 23 يونيو    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تراجيديا الفقر فى السودان. الوجه الحديث للعبودية..!!
نشر في الراكوبة يوم 19 - 04 - 2013

أينما وجهت نظرك فى السودان إلا وترى مظهراَ للفقر فى أقسى تجلياته فهناك من يتسول لقمة الخبز وشاب تتحطم آماله فلا يجد مخرجاً غير الهجرة وربما الإنحراف عن جادة الطريق وآخرين تكدسوا بالمئات بأطراف العاصمة الخرطوم فى (رواكيب) وتعنى باللغة العامية مجموعة من بقايا قماش الخيام البالية وأكياس السكر والفحم وكأنها ركام من الأوساخ يموج حوله البشر ، هنا يقفز الفقر فوق كل الأهتمامات ليجسد مأساة الأنسان ويجئ الأهتمام به عالمياً حيث حددته الألفية الأنمائية كهدف أول تسعى للقضاء عليه أو تقليل حدته بحلول العام 2015م ، وعبر الحقب التاريخية منذ إستقلال السودان إستعصت مشكلة الفقر عن الحل لتخلف آثاراً كالحرب والنزاعات وتردى الخدمات من صحة وتعليم فى إنتهاك صارخ لحقوق الأنسان الأساسية فى الحياة ، وأشار آخر تقرير رسمى تم إنجازه فى العام 2009م أن نسبة الفقر فى السودان بلغت 46.5% ومع ذلك يرى كثير من الخبراء الأقتصاديين غير الحكوميين أن النسبة الآن ربما تجاوزت 70%، عزيزى القارئ تنقل بين السطور لتكتشف كيف هى تراجيديا الفقر فى السودان :
الفقراء يدخلون الجنة أيضاً
قادتنى خطواتى فى بداية هذا التحقيق لمنطقة مايو الطرفية بالخرطوم هنالك إلتقيت بالسيدة (جميلة) رحبت بى وأدخلتى ال(راكوبة) التى تقطنها ، هى إمرأة فى منتصف الأربعينيات من العمر تعمل خادمة بأحدى المؤسسات الحكومية وتتقاضى أجراً يبلغ 150 جنية سودانى شهرياً توفى زوجها قبل 5سنوات ولها من الأبناء ثلاث أكبرهم (محمد) البالغ من العمر 23عاماً لم يتلق أى تعليم ولم تساعده الظروف لتعلم مهنة فأتجه للسوق وأمتهن التجارة ولكنها مع ذلك تجارة هامشية تقتصر على بيع وشراء الملابس المستعملة وعائده اليومى بالكاد يكفى إحتياجاته الشخصية ، أخبرتنى السيدة (جميلة) إنها تعرف الآلآم النفسية العظيمة التى يعانيها بإعتباره الأبن الأكبروتقع على عاتقه مسؤوليات لا يقدر على الإيفاء بها رغم أن طموحاته تتجاوز سقف منزلهم ولكنها لا تملك إلا إبتسامة هزيلة لترحب به كلما دخل عليها والعرق يتصبب من جبينه ويمسك أرغفة خبز بيده اليمنى ، أصغر الأبناء (خليل) البالغ من العمر 9 أعوام طريح الفراش يعانى مشاكل فى القلب صاحبته منذ الولادة ، تكمن مشكلة السيدة (جميلة) فى سعيها الدائم لتوفير مستلزمات علاجه برغم راتبها الضعيف لكن الأمر الأكثر إيلاماً إحساس (خليل) الدائم بقرب نهايته ، حين دنوت منه كانت حرارة صدره الداخلية أكثر سخونة من أنفاسه اللاهثة التى عبرت عن مشاعره وترجمها بحديثه إنه يشعر بالعبء ويأسف لحال والدته وشقائها وتمنى أن يرحمه الرب ويريحه من الآمه ولكنه حين بلغ هذه الدرجة من التعبير تدخلت الأبنة الوسطى (فرح) البالغة من العمر 15عاماً لتقول : إذا مات (خليل) سيدخل الجنة فحتى الفقراء يدخلونها ، فى وقتٍ إكتفت فيه السيدة (جميلة) بالنظر ناحية إبنها .
ماذا يحدث لفرح ؟
ولدت فى رحم الفقر وحملتها الظروف للعمل باكراً سارقة منها براءة الطفولة ، عملت فى المنازل لمساعدة أسرتها خاصة حين كانت حالة والدها الصحية فى تردى مستمر وعندما أخبرت والدتها برغبتها فى الألتحاق بمدرسة وافقت الأم لكن المال لم يسمح لها بتحقيق رغبتها لكنها لم تستسلم وأخبرت أحدى السيدات الفاضلات اللآتى كانت تعمل لديهن برغبتها فقدمت لها المساعدة وألحقتها بفصل خاص ، تلك هى (فرح) الأبنة الوسطى.
التنقيب فى الماضى
تعرض السودان خلال تاريخه الطويل لعدد من المجاعات أولها مجاعة 1888_1889م والتى تعرف بمجاعة سنة ستة التى توافق 1306هجرية.
مجاعة 1984م (الجفاف والتصحر) : هى أكثر المجاعات التى أثرت على تركيبة المجتمع السودانى وأشدها عنفاً ويعود حدوثها الى قلة هطول الأمطار والجفاف الذى ضرب أجزاء كبيرة من إقليم السافنا ويقدر الفاقد منها بحوالى 86% وشهدت فترات المجاعة نزوح أعداد كبيرة من السكان من ولايات السودان نحو العاصمة وعلى إثرها تحركت منظمات المجتمع المدنى والمعونات الخارجية وكان أشهرها المعونة الأمريكية التى تمثلت فى كميات كبيرة من القمح الأمريكى وعرفت بأسم (عيش ريغان).
مجاعة 1988م (السيول والفيضانات) : أدى فيضان 1988م الى خسائر كبيرة فى الأرواح والممتلكات وظهور الأمراض الوبائية وتعطيل محطات توليد الكهرباء وشلل عام فى الحياة.
بلاد تسكنها المجاعة
أكد المسح الأسرى الذى تم إنجازه فى العام 2009م أن أعلى نسبة للأسر تحت خط الفقر هى فى ولاية شمال دارفور بنسبة 69.4% أى بين كل 10 أشخاص 7 منهم تحت خط الفقر والثلاثة الباقين ليسوا أغنياء وإنما هم أعلى قليلاً من خط الفقر، و60% من سكان ولاية جنوب كردفان و58% من سكان ولاية شمال كردفان تحت خط الفقر وعليه يصبح متوسط الفقر فى دارفورالكبرى 62% من جملة السكان.
أما العاصمة الخرطوم فأن نسبة من هم تحت خط الفقر 26% وولاية نهر النيل 32% وولاية الشمالية 36% وولاية الجزيرة 37% ، كما أشار التقرير السنوى للأمن الغذائى للعام 2010م أن نسبة الأكتفاء الذاتى من الحبوب فى ولاية جنوب دارفور تساوى 52% وفى ولاية غرب دارفور36% وفى ولاية شمال دارفور 6.5% ، وقال عدد من الخبراء الأقتصاديين أن ولاية شمال دارفور تسكنها المجاعة.
الحروب : هدم التنمية
عاني السودان ومازال يعاني من حروب دامية وصراعات مسلحة عنيفة إمتدت لعشرات السنين وشملت كل أقاليمه واليوم نجد أنفسنا في منعطف خطير قد تحتد معه الصراعات المسلحة والعنصرية ويرى المفكر السياسى عادل جعفر أن صراع الموارد وعدم العدالة فى توزيع الثروة كانت الشرارة الأولى لإنطلاق الحرب فى مناطق كدارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق مثال ذلك دعونا نناقش الدعم للولايات خلال العام 2009م و2010م آخذين فى الإعتبار إن الدعم مقدم من الحكومة الأتحادية ومقارنتها مع نسبة السكان فى كل ولاية : نسبة سكان الولاية الشمالية وولاية نهر النيل تبلغ5.9% تحصلت على دعم من الحكومة الأتحادية فى عام2009م على ما نسبته 10.9% وفى العام 2010م بلغت النسبة 10.1% من جملة الدعم الأتحادى للولايات ، أما ولاية الجزيرة فنسبة سكانها 11.6% وكانت نسبة الدعم خلال عام 2009م 12.4% وقفزت فى 2010م الى 15.2% من جملة الدعم الأتحادى للولايات ، ولاية كسلا والقضارف تبلغ نسبة سكانهم 10.2% كان الدعم الأتحادى فى2009م12.1% وفى العام 2010م بلغ 6.6% من جملة الدعم الأتحادى للولايات ، وولاية النيل الأزرق نسبة سكانها 2.7% كان نصيبها فى عام 2009م 9% وفى عام 2010م 4.6% من جملة الدعم الأتحادى للولايات ، أما ولايات دافور مجتمعة فنسبة سكانها 24.3% كان نصيبها فى العام 2009م 11.8% وعام 2010م حصلت على 15% من جملة الدعم الأتحادى للولايات ، أما العاصمة الخرطوم فنسبة سكانها 17.1% تحصلت فى العام 2009م على15.9% وعام 2010م على 15.5% من جملة الدعم الأتحادى.
زراعة الجوع
قديماً لقب السودان بسلة غذاء العالم وفى الفقرة الآتية نلقى الضوء على أوضاع الغذاء فى السودان وكخطوة أولى نجد أن كثير من الأسر تلجأ لتناول طين البحر لسد جوعها وكانت النائبة البرلمانية بالمؤتمر الوطنى الحاكم فى السودان عائشة الغبشاوى حذرت من تعرض السودان لمجاعة وقالت : السودان مهدد بمجاعة إذا لم يعالج مشكلة الفقر وكشفت الغبشاوى عن وجود أسر تلجأ لتناول طين البحر كبديل للطعام ولسد حاجتها من الجوع وقالت : جاءتنى هذه الأسر وإشتكت لى ورفعت الأمر لرئاسة الجمهورية.
بينت آخر الإحصاءات الرسمية أن مخزون السودان من الحبوب الغذائية عام 2008م بلغ 167 ألف طن ، وفى 2009م 275 ألف طن، وفى 2010م 56 ألف طن ، قال الخبير الأقتصادى محمد شاكر أن تدهور الزراعة مرتبط بغياب الديمقراطية ومنذ العام 1989م (إنقلاب الإنقاذ العسكرى) ظل أهالى السودان يعانون من الجوع بصمت وأضاف : كان إنتاج الذرة فى ذات العام 4 مليون و425 ألف طن وبعد مجئ الحكومة الحالية كان إنتاج الذرة فى العامين الأوليين1989م_1990م أقل من نصف الكمية حيث بلغ 1 مليون و536 ألف طن ، مع تزايد الأزمة الغذائية وضعت الحكومة الخطة العشرية للأعوام 1992م_2002م ولكن مع نهاية الخطة العشرية كان إنتاج الذرة 2 مليون و825 ألف طن فقط أى أقل من 15% من أهداف الخطة والتى كانت تهدف لأنتاج 20 مليون طن ، عند مجئ الحكومة الحالية للسلطة كان الأحتياطى الأستراتيجى مليون طن من الذرة أى 11 مليون جوال وإنتاج الحكومة خلال 23سنة كان أقل من 7 مليون طن.
ما تقدم ذكره أدى الى زيادة قيمة إستيراد الغذاء فى السودان حيث بلغت 72 مليون دولار عام 1990م عندما رفعت الحكومة شعار (نأكل مما نزرع) وتواصل إرتفاع قيمة الغذاء ليصل فى نهاية الخطة العشرية - والتى كان من المتوقع منها أن تحقق الإكتفاء الذاتى- الى مليون دولار عام 2002م ، وتواصلت الزيادة من عام لآخرحتى بلغت فى العام2008م مليار و400 مليون دولار، فى عام 2010م وصلت قيمة إستيراد الغذاء الى 2مليار و365 مليون دولار ، وختم الخبير الأقتصادى محمد شاكر بالقول : قيمة الإستيراد العالى للغذاء تضيف بعداً عالمياً للتضخم وترهق الأسر الفقيرة وبالتالى يصبح لقب سلة غذاء العالم مجرد ماضى وتوقع لم يتحقق.
ماذا إذن عن الصحة؟
أوضح الدكتور العمومى معاذ إبراهيم أن نسبة الوفيات بالمستشفيات نتيجة نقص التغذية وفقاً لتقرير عام 2009م بلغت إجمالى 1031 ألف حالة فى الولايات مجتمعة بنسبة 4.2% ، كما أن النقص التغذية والجوع يشكل عاملاً هاماً فى الأصابة بالأمراض مثل السل والذى يمثل نسبة 16% من أسباب الوفيات فى المستشفيات.
بحسب تقارير منظمة اليونسيف يتميز الوضع الغذائى فى السودان بمستويات عالية ومزمنة من سوء التغذية الحاد وهو إتجاة أكده مسح الأسرة فى السودان لعام 2010م والذى أظهر أن معدل إنتشار سوء التغذية الحاد يبلغ 5.3% وهو أعلى بكثيرمن مستوى حالات الطوارئ الدولى ويترجم هذا الى أكثر من 300000 طفل فى السودان يعانون الهزال الشديد الذى يهدد حياتهم فى اى وقت من الأوقات.
الوجه الحديث للعبودية
قال الباحث فى العلوم السياسية والإجتماعية زهير هاشم: يضطر كثير من الفقراء لإخراج أبنائهم من المدارس لكى يذهبوا لسوق العمل ولا يتمكن أبنائهم من إكمال دراستهم العليا وهذا يزيد من نسب الجهل والأمية والإبتعاد عن مصادر المعرفة ويعتبر الحرمان من القراءة والكتابة أهم إنتهاك لحقوق الأنسان حيث تبلغ نسبة عدم الإلمام بها لمن هم دون سن 15 وأكثر كالآتى : فى ولاية النيل الأزرق 40% و ولاية كسلا 46% ، ولاية البحر الأحمر 49% ، أما ولاية غرب دارفور40% ، كما يزيد من نسب البطالة لأن أبناء الفقراء لا يمتلكون المهارات المهنية الازمة مما يدفعهم لممارسة أعمال بدنية مختلفة تزيد من نسب الفئات المهمشة فى المجتمع وتكون الأساس الإجتماعى والبيئى للجرائم والإتجار بالمخدرات والبحث عن أشكال غير مشروعة للكسب مثل السرقة والتزوير والسطو والتسول مما يفرض على الدولة تكاليف بناء السجون وتأهيل السجناء ويبلغ عدد العاطلين عن العمل فى السودان 16 مليون وتابع قائلا : يؤدى الفقر الى إشعال فتيل الحروب فى المناطق التى يعتبر أفرادها إنهم لم يتم إنصافهم فى توزيع الثروات وبالتالى تخرق الحرب النظام الإجتماعى بأكمله وتوقف الإنتاج ونزوح المئات الى العاصمة والسكن فى إطرافها فيما يشبة العشوائيات حيث تضرر ونزح ما يقدر أكثر من 440000 شخص من منطقة أبيى والنيل الأزرق وجنوب كردفان ، وفى ولايات دارفور الثلاث مايزال هناك 1.9 مليون نازح فى المخيمات ، يكون تأثير الفقر الأكبر على صحة الإنسان خاصة مع إرتفاع أسعار الدواء وينتج عن سوء التغذية إعاقات وأمراض تزيد قيمة الفاتورة الصحية على الدولة وأيضاً يقود للهجرة بحثاً عن حياة كريمة ومصادر رزق حيث أوضح التقرير الصادر عن وزارة العمل وتنمية الموارد البشرية الى أن 75.631 ألف سودانى هاجروا للعمل بالخارج منهم 5028 طبيباً خلال العام 2012م ، وتنعكس آثار الفقر فى تردى الخدمات الأساسية كالحصول على المياة فنسبة الأسر التى يستغرق وصولها لمصدر المياة 60 دقيقة وأكثر كما أشارت الأحصاءات كالآتى : 36% فى ولاية شمال كردفان و26% فى ولاية شمال دارفور و19% فى ولاية النيل الأبيض و 17% فى ولاية غرب دارفور ، وأضاف: فى القديم إرتبطت ظاهرة الفقر بالإستعباد والقهر لذا فأن الإديان السماوية جميعها قد أولت ظاهرة الفقر إهتماماً خاصاً من حيث إرتباطها بالتسلط والهيمنة ويعتبر الفقر المدقع إنتهاكاً لحقوق الإنسان وسلباً لإنسانيته وكرامته فى العيش الكريم ، بالإضافة للآيات القرآنية التى وردت فى ذم الفقر فقد وردت عدة مقولات منها قول سيدنا على كرم الله وجهه ( لو كان الفقر رجلاً لقتلته) وفى التراث الفلسفى نجد مقولة أرسطو(الفقر هو مولد الثورات والجريمة) ويرى الزعيم الأفريقى نيلسون مانديلا فى قمة كوبنهاجن أن الفقر هو الوجه الحديث للعبودية وأن التفرقة العنصرية زالت وحلت محلها التفرقة الأقتصادية.
خطوة للأمام ، ثلاث خطواتٍ للخلف
طرحت تساؤلاً حول أسباب الفقر وغياب التنمية فى السودان لتجيب أستاذة علم الأقتصاد منيرة الطيب بالقول : تعود الأسباب الى النزاعات طويلة الأمد وإنحياز سياسات التنمية للمناطق الحضرية بجانب الديون والعقوبات الأقتصادية حيث قفزت ديون السودان الخارجية بنحو27% منذ العام 2008م من 32.6 مليار دولار الى 41.4 مليار دولار فى العام 2011م ، وقدرت الديون فى العام 2012م بحوالى 43.7 مليار دولار، فى وقت توقع صندوق النقد الدولى أن ترتفع الى 45.6 مليار دولار فى العام 2013م ، وأظهرت البيانات الرسمية أن معدل التضخم السنوى فى السودان أرتفع الى 46.5% فى شهر نوفمبر من العام 2012م ، كما أن شريحة الفقراء بالسودان تفتقر لثقافة التعامل مع القطاع المالى مما يوسع الهوة بينها وبين المصارف.
لكن أهم الأسباب يمكن تلخيصها فيما ذهب إليه الباحث الهندى والناقد الأجتماعى والحائزعلى جائزة نوبل فى الإقتصاد عام 1998م (أمارتيا سن) بقوله : إن أهم أسباب المجاعة والفقر فى العالم هو سوء أداء الترتيبات الأجتماعية والسياسية لا الكوارث الطبيعية ويذهب بالقول الى إن البلاد التى لديها ممارسات ومؤسسات لائقة بما فى ذلك صحافة ووسائل إعلام حرة مستقلة وناقدة لن تكون عرضة لحالات جوع.
وبالعودة لأستاذة منيرة للحديث حول ماهية الحلول الازمة قالت فى إفادة : البنية التحتية هى أساس الإنتاج بخاصة المشاريع الزراعية التى تتطلب إعادة تأهيل إضافة الى خفض الإنفاق فى الميزانية بما يتناسب والدخل حيث إستحوذت فى آخر ميزانية القوات النظامية والدستوريين على أكثر من 70% من الميزانية ، كما أن وزارة المالية لا تملك حق الرقابة إلا على 17% فقط من المال العام والنسبة المتبقية 83% يتم صرفها حسب توجيهات نافذين فى السلطة التنفيذية.
لأجل العالم
قال الأمين العام للأمم المتحدة (بان كى مون) بمناسبة اليوم الدولى للقضاء على الفقرفى 17 اكتوبر2012م : إن الفقر سهل شجبه صعب مكافحته ، وما يحتاجه الذين يقاسون ويلات الجوع والعوز والمهانة هو أكثر من مجرد كلمات متعاطفة إنهم يحتاجون الى دعم ملموس ، وإحتفالنا باليوم الدولى للقضاء على الفقر يأتى فى وقت تعيش فيه بلدان عديدة حالة تقشف إقتصادى ، وأصبح الخطر يتهدد تمويل تدابير مكافحة الفقر فى سياق كفاح الحكومات لتحقيق التوازن فى ميزانياتها ، على أن وقتنا هذا هو ذات الوقت الذى يلزم فيه تزويد الفقراء بإمكانية الإستفادة من الخدمات الإجتماعية والدخول المؤمَّنة والعمل اللأئق والحماية الإجتماعية ، فعند ذاك فقط نستطيع أن نبنى مجتمعات أقوى وأكثر إزدهاراً ، وليس بأن نحقق التوازن فى الميزانيات على حساب الفقراء.
لقد أذكت الأهداف الإنمائية للألفية جذوة العمل العالمى الذى أحدث قدراً كبيراً من التقدم ، فقد خفضنا الفقر المدقع الى النصف وصححنا إنعدام التوازن بين الجنسين فى مراحل التعليم الأولى ، إذ أصبحت أعداد البنات بالمدارس الإبتدائية حالياً أكثر من أعداد البنين ، وأصبح ماء الشرب النظيف فى متناول مجتمعات أكثر عدداً بكثير ، وأُنقذت الملايين من الأرواح بفضل الإستثمار فى الصحة.
إن هذه المكاسب تمثل تقدماً رئيسياً فى سبيل الوصول الى عالم أكثر إنصافاً وإزدهاراً وإستدامة ، ولكن هناك أكثر من مليار شخص ما برحوا يعيشون فى فقر ويُحرمون من حقوقهم فى الغذاء والتعليم والرعاية الصحية ، وعلينا أن نمكنهم من مساعدتنا على إيجاد حلول مستدامة لهذه المشاكل ، كما ينبغى لنا ألا ندخر وسعاً فى ضمان أن تحقق كافة البلدان الأهداف الإنمائية للألفية بحلول عام 2015م.
*إستغرق إنجاز هذا التحقيق 4 أشهر .
*فى اليوم الذى تقرر فيه نشر التحقيق كان سعر الدولار الواحد يعادل 5.600 جنيهات سودانية.
*قبل نشر التحقيق بثلاث أسابيع تلقيت إتصالاً من السيدة (جميلة) تفيد بوفاة إبنها (خليل)..
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.