تلوّى بنا المارد الأسفلتي صوب الولاية الشمالية وداخل البص الذي حمل السودان «مصغراً»، بمشاركة كل ولايات السودان، تحركت الرحلة الأولى من نوعها لتلاميذ الولايات ضمن مشروع التراث بين أيد شابة -أعرف وطنك، نظمتها اليونسكو بالتنسيق مع الإدارة العامة للنشاط الطلابي- وزارة التربية والتعليم الاتحادية، برعاية وإشراف مساعد رئيس الجمهورية العقيد عبدالرحمن الصادق المهدي.. وكانت المحطة الأولى «شبا» في مدينة البركل بتاريخها وحضارتها ضاربة القدم.. فشكل المباني وسط الجبال تشبه كثيراً المباني في اليمن السعيد وجميعها مطلية باللون الأبيض. تميمة الحظ: كثرة المعتقدات أدت إلى اتخاذ حشرة «الجعران» تميمة يتفاءل بها الكثيرون لاعتقادهم أنه يحمل الشمس في ظهره ويصعد بها إلى الأعلى. صوب الجبل المقدس: مع بزوغ فجر جديد تحركنا صوب مملكة الكوشيين في القرن الثامن قبل الميلاد تجاه الجبل المقدس _البركل_ الذي يقف كالطود العظيم في رحلة استكشاف جديدة، في جوفه أساطير وحقائق وأسرار صامتة وغامضة تماماً كنقوش الكتابة «الهرغلوفية» التي حيرت الجميع.. وهمسات خلف دهاليز المكان المعبق برائحة التاريخ وقصص الفراعنة الملوك والملكات والقادة والكثير.. ففي السابق كان المكان قبلة للفراعنة والنوبيين لايتم تتويج الملوك إلا فيه، حتى ملوك مصر في تلك الحقبة أكثر من 1500 سنة قبل الميلاد. فشكل الجبل والكوبرا في قمة الجبل منحوته بدقة وكلها باتجاه الشمس كانت تعني الحياة ويوم جديد. وعن موقع الجبل وأهميته، يقول مفتش الآثار هيثم محمد عبدالرحمن: بعتقد إن الإله أمون ولد بداخله، ويتم تعميد كل ملوك مصر فيه ،وهو يقع في منطقة وسط يربط بين مناطق شمال السودان والكوة ومروي والدولة الفرعونية.. وكان يقال إن تحتمس الثالث أول ملك مصري اهتم بالبركل والذي يتكون من أكثر من 8 معابد أهمها أمون وموت، والأخير كما وصفه حاتم فني الآثار يتخذ شكل رحم الأم دلالة على ولادة ملك مقدس واهتمامهم بالأمومة والطفولة.. وكشف الخبير عن وجود حوالي أكثر من 251 هرماً في السودان في البجراوية أكثر من 108 هرم جميعها بالحجر الرملي النوبي. تمت زيارة العديد من المواقع الأثرية في العهد المروي-المعابد وبقايا صناعة الحديد التى تؤكد أن السودانيين أول من صنع الحديد، ومدافن ومقابر الملوك والأمراء أشهرهم تهراقا والملك إيلمني.. وكانت المحطة التالية مدافن الزومة التي تعود لفترة ما بعد مروي بعد 400 ميلادية، وهي عبارة عن أكوام ترابية ضخمة يصل ارتفاعها إلى أكثر من 3 أمتار وكلها دائرية الشكل يدفن المتوفى في شكل الجنين داخل بطن أمه، والأثاث حول المتوفى، لاعتقادهم ان المتوفى ينتقل لحياة أخرى أفضل والأثاث يعينه فيها.. وأشار مفتش الآثار إلى أن مدافن الكرو _ بضم الكاف_ تعتبر نقطة البداية للإهرامات في عموم وادي النيل، حيث بدأت في شكل مساطب حتى وصلت إلى الشكل الحقيقي إلى الإهرامات الحالية في نوري البجراوية وربما في مصر. العاصمة الثانية: بعد هجمات الهكسوس على البركل انتقلت العاصمة إلى البجراوية وكانت الموقع الديني والمصورات الصفراء في المدينة الملكية في النقعة. وعن اختيارهم للبجراوية تحديداً يقول الخبير تم ذلك لموقعها الاقتصادي فالذهب والحديد يوجد بكميات كبيرة والنيل قريب، ناهيك عن الناحية الأمنية، ويعلق لكنهم بعد فترة رجعوا مرة أخرى للبركل لاعتقادهم في قدسيته. غرف تمويه الحرامية: في رحلة الخلود والحياة أشار إلى أن مدخل الإهرامات يصاحبه سلم يقود إلى غرفة الدفن تحت الهرم فالأثاث الجنائزي يحوي النفائيس والذهب، وقال بوجود غرفتين لتمويه اللصوص في ذلك الوقت. الغابة المتحجرة-البحث عن الغموض: تعود للعصر الطباشيري أكثر من 250 مليون سنة، عجزت كل التفاسير عن إيجاد مغزى وتفسير لما حدث ودارت أحاديث جانبية عن لعنة لربما حلت بالمكان فالأشجار قد تحجرت وتحولت بثمارها إلى كتلة حجرية صماء وهسيس الرياح من حولنا يزيد المكان غموضاً.. ويقول هيثم إنها تحولت إلى غابة متحجرة بفعل عملية الطمر. مشاهد من الرحلة: أكد الطلاب أنهم سيبعثون برسالة للأمم المتحدة «اليونسكو» لاسترداد ما استولى عليه فرليني الإيطالي وأصبح بها من أغنى أغنياء العالم ودمر المواقع الأثرية دون وجه حق. إحدى الطالبات أجهشت بالبكاء بعد خروجها من قبر الملكة تلهاتا، وقالت أنا من ولاية الجزيرة وما رأيته هزني من الداخل، فنحن دولة عظمى لها حضارة وتاريخ يجب المحافظة عليه. سد مروي والقرية التراثية من المحطات الجميلة التي وقف عندها الطلاب خاصة من دارفور، ووصفوا ما شاهدوه بأنه إحدى عجائب الدنيا. كان البرنامج حافلاً، وقدم الطلاب إبداعات الشرق والغرب والوسط والشمال، وكان واضحاً الترابط الكبير بينهم وكل يتحدث بلهجة الآخر ويشجعه، وتحت ظل النخلة التي عانقت ثمار المانجو في ترحاب قلما تجده، كان القدح السوداني معلى فلقد تبارى أبناء المنطقة في إكرام الضيوف، وقضى الطلاب يومهم في منتجع البركل بصحبة دكتور صهيب مرغني البدوي، و في نوري عمر حسن، وتم تناول العشاء مع أسرة نادي الجبل، على رأسهم عباس عبدالله عباس، وكذلك نادي شبا. وفي رحلة العودة التقى الجميع معتمد شندي الحسن عمر الحويج الذي حض الطلاب على حب الأوطان و معرفة وعادات القبائل وتنوعها، وأعلن أن شندي مفتوحة لأي مناشط طلابية.. اخر لحظة