شهدت الأيام الماضية حملة عنيفة ضد الفيفا حيث واجه قادتها الاتهام بالتلاعب فى اختيار النجم العالمي الذي يستحق التتويج بالكرة الذهبية والجديد في هذه الاتهامات أن من أثاروها بينهم من كان له ارتباط مباشر بالاختيار نفسه حيث صرح بعضهم أن ما قدموه من ترشيح تعرض للتلاعب والتحريف وهذا اتهام بالغ الخطورة وقد عزا بعض من الذين كالوا الاتهامات للفيفا إن دوافع تجارية ومصالح مالية تقف وراء هذا التلاعب الذي بلغ حد التزوير في أصوات من شاركوا في الاختيار. ل ا شك أنها اتهامات بالغة الخطورة ولكن ليس من المتوقع أن تحظى بأي اهتمام أو أن تتخذ فيها إجراءات بحجم الجريمة لأن الفيفا ومنذ أن أصبحت من أغنى المنظمات العالمية ليس على مستوى الرياضة فإن المال أخل بكل المعايير والقيم الإخلاقية التي تقوم عليها الفيفا لهذا فإن هذه الاتهامات ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ولكنها بالطبع ستواجه نفس المصير لأن المال أصبح وحده هو الذي يتحدث في الفيفا وليس المثل والقيم والمبادئ الرياضة التي يفترض أن تحكم أهم وأكبر مؤسسة (ديمقراطية) ذات ثقل جماهيري مميز عن كافة الرياضات. ولكن ما طال الفيفا من اتهامات حول هذا الأمر سبقته الكثير من الاتهامات والتي لم تصدر فيها أي تحقيقات وإن تمت فهي معروفة الاتجاهات مسبقاً يحدد مصيرها موقع الجهة المعنية بها إن كانت من الفئة تحت الحماية فإن القانون لا يسود ولا تسود إلا القيم الوافدة والطاغية وهي المالية ولعبة الأصوات الانتخابية. فلقد شهدت الفيفا اتهامات أكثر خطورة إبان المعركة الانتخابية التي جاءت ببلاتر فى أول دورة له يوم تفوق على منافسه رئيس الاتحاد الأوربى فلقد صدرت يومها العديد من الكتب والنشرات كان أهمها ولأخطرها كتاب (كيف سرقوا اللعبة) والذي وجه مؤلفه يومها اتهامات صريحة لبعض الأمراء الشيوخ سماهم بالإسم منوهاً إلى أنهم سخروا أموالهم لاستقطاب الأصوات الانتخابية لصالح بلاتر بما قدموه من دعومات لاتحادات تعاني من شح الإمكانات والمال وحددوها يومها بصفة خاصة من أفريقيا وآسيا دون تحديد لاتحادات بالاسم مما جعل الاتهام يومها معمماً ربما أصاب أبرياء وأجحف في حقهم ولكن يبقى الاتهام مفتوحاً ومعبراً عن غضبة الدول الأوربية التي ترى أن رئيسهم سقط بفعل المال وليس بكفاءة الاختيار. المهم فإن الاتهام رغم خطورته لم يواجه بأي اهتمام بل ظل مسكوتاً عنه كأنه لم يحدث وينشر على مستوى إعلامي . وتشاء الأقدار أن تشهد الانتخابات فى دورتها الأخيرة فتنة كبيرة بين حلفاء الأمس والذين يخوضون المعارك الانتخابية بتناسق تام فإذا بالخلاف يدب بين بلاتر وواحد من أهم حلفائه في اللعبة الانتخابية عندما طرح بن همام نفسه منافساً لبلاتر وهو كاتم أسرار معاركه الانتخابية ومن الذين طالتهم الاتهامات يومها باللعب لصالح بلاتر ولتتفجر معركة بينهم ولا يتردد بلاتر في أن يوجه اتهامات مباشرة لحليفه السابق في أنه يسخر المال لاستقطاب الأصوات الانتخابية وليواجه حيفة الاتهامات بدفع الرشاوى من أجل الأصوات الانتخابية دون مراعاة إلى أنه أن فعل ذلك حقاً فإنه بالتأكيد كان يفعله لحساب بلاتر عندما كان حليفه وقائد معاركه الانتخابية فكيف إذن لم تكال الاتهامات بلاتر نفسه الذي ظل يسخر حليفه السابق ليستقطب له الأصوات الانتخابية بل وليذهب الأمر لأن تصدر الفيفا إدانة لبن همام دون أن تطال الإدانة من كان يعمل لحسابه مما يؤكد أن ومعايير العدالة أصبحت بيد القابض على أموال الفيفا فأقصى بن همام ولم تهتز شعرة من موقف من كان يعمل لحسابه والحليف الذي كان يسخره في معاركه الانتخابية غابت يومها أو غيبت المؤسسة الديمقراطية عندما صمتت عن هذا الواقع بعد أن أصبحت لغة المال والأصوات الانتخابية وحدها التي تسود القيم الرياضية بعد أن أفرغت من المحتوى وأصبح المال هو الذي يحكم ويسير هذه القيم. إذن ما شهده الفيفا اليوم هو امتداد لسلسلة لم تنقطع من الممارسات التي خرجت عن القيم الرياضية وسادتها القيم المالية بعد أن تدفق المال في الفيفا بلا حدود فى سوق الرعاية وإلا إن أصبحت الكلمة بيد القابض على المال حيث أن من يخرج عن بيت الطاعة لن يكون له حظاً من مال الفيفا. ولكن ما هو أخطر من هذا ولا يقف على حدود السوق المفتوحة للأصوات الانتخابية فلقد ساد الفيفا تصنيف القوائم تحت بيت الطاعة والتى تضمن أصواتها بجانب مركز القوى بالفيفا وهؤلاء يتمتعون بحصانة قانونية مهما ارتكبوا من مخالفات قانونية لنظم ولوائح الفيفا ومهما قدمت فى مواجهتهم شكاوى فلا تصلهم أي عقوبات لأنهم تحت الحماية بولائهم المطلق للقابض على مال الفيفا. وهكذا اختلت موازين العدالة فى الفيفا ولم تعد قوانينها ولوائحها هي التي تسود على قدم المساواة بين عضويتها وإنما التصنيف هو الذي يحكم القانون بين من يتمتعون بحصانة مهما ارتكبوا من مخالفات وواجهوا من شكاوى وبين من يصبحون هدفاً لمواقفهم التي لا تحيد عن القيم الرياضية. وإذا كان من كلمة أخيرة هنا فإصلاح الحال في الفيفا لم يعد متاحاً لأن المال سيبقى هو سيد الموقف والاتحادات المعدمة ستبقى عبيداً للمال إن أرادت دعم الفيفا فإنها لا تملك أن تخرج عن بيت الطاعة. ليذهب الأمل في إصلاح الحال ولتغيب مبادئ الديمقراطية في مؤسسة يجب ألا تكون الحاكمية فيها لغير الديمقراطية التي لا يستعبدها المال وهذا ما لن تشهده الفيفا حتى يعيد التاريخ نفسه وسيبقى الحال على ما هو عليه.