قدمت في المقالات السابقة بعض الأمثلة لانحراف ثورة الشباب والتي قادها صديقي اللدود سابقاً والودود حالياً الدكتور شداد والتي وقفنا بجانبها بكل قوة الا أنها انحرفت عن أهدافها وأوضحت كيف حكمت الظروف قائد الثورة وفرضت عليه أن يجهض أهدافها ليس عن جهل أو عدم خبرة ولكن لأن الواقع كان أقوى منه بعد أن غلب الخضوع للواقع إذ أراد أن يحفظ موقعه ويبسط سلطته، الأمر الذي أجبره على أن يطوع اللوائح من أجل الحفاظ على الموقع بأي ثمن، وكانت أكبر ضحايا هذا الواقع اللوائح المنظمة للنشاط بعد أن أصبحت أداة لاستقطاب الأصوات الانتخابية وكانت النتيجة الطبيعية لهذا المنهج الانتخابي الدمار الشامل لكرة القدم على كل المستويات والذي أصبح سبباً في تدهور المستوى حيث تمثلت أهم معاول هذا التدهور 1- إدارة النشاط بلوائح مخالفة للوائح الدولية بهدف الهيمنة على الأصوات الانتخابية وقد عددت في المقالات السابقة بعض هذه المخالفات ولا يزال الكثيرمنها لم يتم تناوله بعد 2- تدني المستوى الفني على كل المستويات من أندية ومنتخبات وتراجع وجود السودان خارجياً على مستوى الأندية والمنتخبات. 3- انهيار القيم الأخلاقية لتنحرف الرياضة عن أهدافها السامية إلا من قلة لا تأثير لها 4- تدني المستوى الإداري والصحفي بعد أن أصبحت الرياضة ممارسة للتجارة بكل ما تحمله ممارسة التجارة من فساد وإفساد. 5- تحول الممارسة الديمقراطية لتجارة الأصوات وانتتشار السماسرة وهيمنتهم على العملية الانتخابية.. وكما يقول المثل (التسويهو كريت في القرض تلقاهو في جلده) فقد أطاح (الحوار بشيخه) ودفع صديقي الودود قائد الثورة الثمن عندما أطاح به تلاميذه بنفس الأسلوب الذي غرس شتلته ولا يخالجني أدنى شك في أن صديقي اليوم نادم على ما زرعه بيديه خضوعاً للواقع الذي كان يملك القدرة على إصلاحه بما له من معرفة وخبرة ولكان بيده أن يعيد النظر في النظام الرياضي الخرب وإعادة صياغة الهيكل الكروي ليواكب العالم إلا أنه انساق وراء النظرة الضيقة (الخفاظ على الموقع بأي ثمن) الأمر الذي خلف به إرثاً فاشلاً فنياً وإدارياً الأمر الذي يستوجب اقتلاعه بثورة حقيقية لا تنحرف عن مبادئها كما كان حال الثورة التي فجرها في نهاية السبعينات الدكتور خاصة بعد أن تحول الاتحاد العام نفسه لسوق تجاري متعدد الوجوه رغماً عن كل تحوطات اللوائح الدولية التي ترفض ارتباط العمل الإداري بأي مصالح تجارية كما جاء في لائحة القيم، وقد امتدت هذه المصالح لتصبح سوقاً مفتوحة في الأندية. الآن غذا كان لابد من أن نسأل أنفسنا كيف ينصلح الحال فإن الطريق لذلك واحد يتمثل في صحوة جامعة لكل الأطراف المعنية وأجملها في أربع: 1- السلطة المغيبة والتي غيبت نفسها بأن أصبحت جزءاً من الخلل وهي تنجرف في ما لا شأن لها به وتغرق في صدام غير مبرر وتتجاهل مسؤوليتها واختصاصاتها وهي التي تصدر القانون المنظم للرياضة وعلى رأس هذه المسئولية هيكلة الرياضة وفق استراتيجية تحقق الأهداف القومية للرياضة خاصة وأن دستور السودان المؤقت لسنة 2005 فصل بين الرياضة الولائية والمركزية ولكنا لم نشهد مسؤولاً واحداً يبحث تفعيل الدستور لهذا لا بد للدولة أولاً أن يعود وعيها لتصحح مسارها وتتصدى لما هو مسؤوليتها وترفع يدها عن التدخل فيما لا شأن لها به لتبدأ ثورة الهيكلة بصفتها جهة الاختصاص وفق دراسة علمية من متخصصين قبل أن تتعجل وتصدر قانوناً تبقى به الرياضة تحت الحبس لحين السداد.. آسف الخراب. 2- لا بد ثانية من صحوة اللاعبين ففي كل الدول المتحضرة هناك روابط للاعبين باعتبارهم الأساس وذلك من أجل معرفة حقوقهم التي تنص عليها اللوائح الدولية والتي حرصت على كفالة حريتهم والتي أمنت على مساواتهم باللاعبين دون أي تمييز فقيام مثل هذه الرابطة يمكن اللاعبين من الوقوف على حقوقهم التي تصادرها لوائح الاتحاد السوداني الذي أصبح قوة متسلطة عليهم وليس قوة وسيطة خادم لهم ومتى تكونت هذه الربطة واستعانت بخبراء للوقوف على حقوقهم واتخذوا المواقف المناسبة لمناهضة التغول على حقوقهم فإن هذه واحدة من أهم الخطوات التي تؤسس لمستقبل مشرق لكرة القدم ولكن غفلة اللاعبين عن حقوقهم مكنت الغزاة من مصادرة هذه الحقوق لمصالح خاصة. 3- نفس ما قلته على اللاعبين تختص به الأندية والمؤسف أن إدارات هذه الأندية خاصة الكبرى منها ولأن اهتمامها بالإدارة ليس لأغراض رياضية وإنما تحكمها عقلية السوق والتجارة فإنها أيضاً بحاجة لثورة داخلية لتنتظم في رابطة تولي وجهها لدراسة لوائح الاتحاد لتقف على حجم التغول على حقوقها، بل وتغييبها من أن تكون هي صاحبة الكلمة في المؤسسة الأهلية الديمقراطية دون الوسطاء فإنهم متى انتظموا واستردوا حقوقهم المنهوبة من السلطة ومن الاتحاد بهيكله الحالي فإنهم عندئذ ينطلق مشوارهم ليحلقوا بالرياضة لرحاب عالمية. 4- لابد من تحرير الصحافة الرياضية من هيمنة إدارات السوق والتفرغ لخدمة تجار الرياضة حتى يكون للصحافة دورها الفاعل في الإصلاح الرياضي وإن كان الأمل في ذلك ضعيفاً ولكن يبقى دور السلطة والأندية واللاعبين هو الفاعل وهو الضرورة لإنجاح ثورة 2012 بعد انحراف ثورة 79 فهل من بديل من الشباب ليقود ثورة 2012 بمنهج إصلاحي وليس مصلحياً؟ ولكي يقف اللاعبون والأندية على حقوقهم المهدرة والتي طرحت بعض السلوكيات المتعلقة بها حتى تنفجر ثورتهم وفق منهج قانوني وتاكيداً لما أشرت اليه عن مخالفات لوائح الاتحاد للوائح الدولية ومصادرة حقوق الأندية واللاعبين لأغراض انتخابية فإنني أخصص المقالة القادمة لاستنطاق لوائح الفيفا وسمح الكلام من (خشم سيده وكونو معي).