في الحلقة الأولى حددت الأساسيات الثلاثة التي تحكم الرياضة وهي الدستور الذي يحكم القانون ولائحة الاتحاد الدولي الذي يحكم الرياضة عالمياً ثم أخيراً في الدرجة الثانية النظام الأساسي الذي يحكم الاتحاد الرياضي والذي يفترض فيه ان ياتى متوافقا مع قانون الدولة ومع اللائحة الدولية وأوضحت كيف أن الأوضاع عندنا (مقلوبة) حيث يتسيد النظام الأساسي على القانون وعلى اللوائح الدولية ويستغل كل واحد منهما للضغط على الثانى لتمرير أجندته حيث يتهددالفيفا بقانون الرياضة ويتهدد السلطة بلائحة الفيفا ليبقى مخالفاً الاثنين.. ومواصلة للحديث عن كرة القدم تحديداً أوضحت أن السبب في هذا الأمر أن الدولة تخلت عن سلطتها في وضع الهيكل الرياضي واستسلمت للواقع الذي نشأ تاريخياً بصفة عشوائية ليفرض نفسه في نهاية الأمر وهو للواقع الذي وصفه رحمة الله عليه أبو العائلة (بالبروس) لهذا كان اختياري لعنوان هذه الحلقة )كيف تنبت الأرض زرعاً مثمراً وسط الحشائش الفاسدة)، أي البروس لأنها لكي تثمر لابد من تنظيف الأرض من البروس حتى تثمر زرعاً مفيداً وهذا لن يتحقق إلا بممارسة الدولة لحقها في هيكلة الرياضة لأنها في الأصل لم تكن هي التي حددت هذا الهيكل خاصة أن الفرصة مواتية لأول مرة والدستور الذي ظل مهملاً من إدارة الرياضة ولائحة الفيفا من جهة ثانية التقيا في نقطة مهمة عندما قررت الفيفا أنه لا يحق لأي نادٍ أن يشارك خارجياً ما لم يحمل الرخصة، بينما الدستور حدد بشكل قاطع أن النشاط الرياضي من سلطة الولايات وأن التنظيم المركزي يعنى فقط بالعلاقات والمشاركات الدولية وبهذ أعد المسرح للدولة لتعيد هيكلة لإعادة كرة القدم بما يفصل النشاط المحلي عن الأندية المؤهلة بالرخصة للمشاركة خارجياً والتي يجب أن يتكون الاتحاد العام منها وأن تكون جمعيته من هذه الأندية وإخلاء سبيل الاتحادات المحلية لتتفرغ للإشراف على النشاط المحلي على مستوى الولايات حسب الدستور ليكتب بهذا نهاية هذا الهيكل العشوائي الذي دمج النشاط المحلي بالقومي مما تسبب فشله على المستويين في الجانب التربوي وفي رفع راية السودان قارياً وعالمياً. نجاح الكرة خارجية لا يتحقق إلا بالتركيز بصفة خاصة على المواهب المميزة وهذا لا يمكن أن يتحقق بهيكل مشتت في هذا الكم الهائل من الأندية واللاعبين المنضوين تحت الاتحاد كما هو الحال في السودان ولو أخضعنا الأمر لمقارنة مع الأنظمة الرياضية في الدول العربية لأدركنا السر في تقدم هذه الدول، بينما تتقهقر الكرة السودانية. الهيكل الرياضي السودانى الذي بدأ في مطلع الخمسينات بعدد محدود من الأندية وامتد لتكوين ستة اتحادات محلية تجمعت فيما سمي بالاتحاد العام.. دعونا ننظر كيف انتشر هذا البروس بأن نقف مع الكم الهائل من الاتحادات ومن الأندية وأعداد اللاعبين المنضوين تحت الاتحاد العام ولا يزال قابل للزيادة. فمن ثلاث مناطق في العاصمة انخرطت في اتحاد محلي واحد لستة اتحادات ليتضاعف العدد حتى بلغ 53 اتحادا قبل انفصال الجنوب وبعد الانفصال47 اتحاداً محلياً تتبع كل منها مناطق فرعية والباب مفتوح لمضاعفة العدد الذي يستحق منا وقفة فاحصة ومقارنة مع الواقع في الدول العربية. بالرغم من عدم وجود مرجعية إحصائية موثقة الا أن كل الاجتهادات التي تمت في هذا الموضوع تؤكد حجم الخلل في بنيتنا الرياضية بهذا الهيكل الخرب. في إحصاءات الفيفا والتي يفترض أن يكون مصدرها الاتحاد جاء فيها أن عدد الأندية السودانية المنخرطة في الاتحاد 4400 نادياً (وأن ورد الرقم خطأ (440) وعدد اللاعبين 46 ألف لاعب وفي دراسة أعدها الأستاذ عصام عطا مدير دائرة الرياضة السابق بالوزارة سنة 2009 جاء فيها أن عدد اللاعبين 62 ألف لاعب والأندية 2412 نادياً وفي إحصائيات أخرى أن عدد الأندية ثلاثة ألف نادياً وعدد اللاعبين 75 ألف لاعباً وأكيد أن الأرقام الحالية تجاوزت هذه الأعداد رغم تضاربها مع ملاحظة أن عدد اللاعبين لا يتضمن المراحل السنية لعدم وجودها في النظام الكروي. لكم أن تحسبوا كم من الإداريين والحكام والمدربين الذين يحتاجهم هذا العدد من الأندية واللاعبين المنضوين تحت الفيفا طالما أنهم منتسبون للاتحاد عضو الفيفا.. ترى كم المال مطلوب من الاتحاد لمقابلة هذا الحجم من الترهل بسبب الهيكل العشوائي، وماذا يفعل إداريون يزيد عددهم عن الستين ألف غير صنع المشاكل والصراعات؟ ماذا عن الدول العربية؟ مصر التي يبلغ عدد سكانها ثلاثة أضعاف سكان السودان عدد الأندية المنضوية في الاتحاد المصري لا يزيد عن الخمسين نادياً والقاهرة التي يزيد عدد سكانها عن نصف سكان السودان لا يزيد عدد أنديتها المنضوية تحت الاتحاد عن ستة أندية. ولا يزيد عدد اللاعبين الكبار في مصر عن 1500 لاعب. ويدير الكرة اتحاد واحد فقط وتكون جمعيته العمومية من ممثلي الأندية. السعودية عدد الأندية 153 نادياً فقط وعدد اللاعبين 15144 لاعباً شاملة أربع مراحل سنية ويديرها اتحاد واحد مضوية فيه الأندية، ومراحل سنية وهكذا الحال: عمان 43 نادياً و861 لاعب والإمارات 31 نادياً و1776 لاعب والكويت 40 نادياً و2200 لاعب والعراق 1190 نادياً و6000 لاعباً وهكذا الحال في بقية الدول العربية لو أن المجال اتسع لها مع ملاحظة أن كل هذه الدول تضم قائمة لاعبيها المراحل السنية. ولكم أن تقارنوا بالرغم من عدم وجود أرقام مالية نفصيلية ترى ماذا يكون الحال لو قارنا ما توفره هذه الدول من المال لهذا العدد المحدد مقارنة مع المال الذي يتوفر للكم الهائل في السودان. لا شك سترون العجب أواصل في الحلقة القادمة.