أزمة الكرة السودانية أنها تعاني من أزمة غريبة لا أظن لها مثيل في العالم وتتمثل هذه الأزمة في أن جماهيركرة القدم كلها بالإجماع منقسمة بين فريقين حتى جماهير الفرق الأخرى رغم قلتها فإنها تعانى من الولاء المزدوج لفريقها من جهة والولاء الأكبر لواحد من الفريقين. وليت الأمر يقف عند هذا الحد فكم من أندية في الولايات تولد منتسبة للفريقين حيث أن هذه الظاهرة انتشرت حتى أصبحت عامة عندما كان أنصار الفريقين يتم نقلهم للعمل في المديريات فيعملون على التعبير عن عشقهم وولائهم لأندية العاصمة بتكوين أندية تحمل نفس المسمى بل كفروع لها. مما أدى لأن تتمحور هذه الأندية في تحالفات تقوم على المسمى المنتسبة له لتنقسم الكرة بين مجموعتين كل منها تحمل أما مسمى الهلال أو المريخ وأحياناً ربما بعض الاندية الأخرى وإن كانت عديمة الأثر. لهذا السبب حتى الأندية التي تحمل ذات المسمى (هلال أو مريخ) تجد نفسها ملاحقة بالاتهام بالتواطؤ حتى وإن لم يكن حقيقة كأنما كتب عليها أن تلعب لحساب الغير صاحب المسمى الأصل. ولكن مع أن تميز بعض الأندية جماهيرياً ليس بدعة جاء بها السودان فالعالم يعرفها في معظم الدول ولكن هذه الجماهيرية في السودان انحرفت عن مسارها لتمثل واحدة من أكبر معوقات التطور لأن المجتمع الرياضى على كافة مستوياته إلا قلة نادرة لا تذكر تتعامل مع الكرة بعين واحدة مما يغيب عنهم نصف الحقيقة وأن العين الواحدة ترفض أن ترى الأمور إلا من زاوية انتمائها المتعصب بل المتشنج مما أفقد كرة القدم أهم قيمها الأخلاقية في التنافس فنياً داخل الملعب لتسود قيم التنافس اللا أخلاقي خارج الملعب وبكل الوسائل غير المشروعة. والمؤسف أن هذا الواقع انعكس على كل مكونات كرة القدم بل الأكثر أهمية لتطورها حيث أصابت هذه العلة التحكيم وإدارات الأندية والإعلام مما غيب عنه دوره في التوعية ليصبح الانهيار شاملاً كل مناحي كرة القدم. كما أن من الطبيعي أن يتضاعف حجم الكارثة عندما امتدت هذه الحالة المرضية لأن يمتد التصنيف نفسه وبنفس المعوقات السالبة للمسئولين عن الرياضة من أدنى لا على المستويات حتى أصبحوا أنفسهم جزءً من الهرج والفوضى التي اجتاحت كرة القدم. لكل هذا كان من الطبيعى أن يتدنى المستوى الفني لأقصى درجات التدني لأن المعايير للتباهي والتفاخر لم تعد تبني على التطور الفني للفريق حيث لم يعد الملعب ونتائجه المشروعة هي المعيارمما أفقد الكرة السودانية أي وجود خارجي في المحافل الدولية لأن تلك المحافل لا تعرف غير الملعب والمستوى الفني. لهذا نجد هذا الزخم الجماهيري الفوضوي على المستوى المحلي يهدر الوقت والجهد في القضايا الانصرافية التي تفتقد أي علاقة بالكرة وتطورها في الملعب حتى أصبح انصراف الجماهير للصراعات الإدارية يخرج هذه الجماهير من انتمائها للأندية كمشجعين وليس كأصحاب قرار وطرفاً في الصراعات الإدارية. فهل سمعتم يوماً أن جماهير ريال مدريد وبرشلونة التي تكتظ بها الملاعب أعطت نفسها الحق بالتدخل الذي يبلغ أحياناً أقصى درجات العنف غير المبرر في شأن إدارات هذه الأندية أم أن دورها يقتصر على التشجيع والذي تملك فيه الحق لأن تنصرف عن تشجيع النادي إذا لم يشبع رغبتها وهذا اقصى ما تملكه إلا أن جماهيرنا انتحلت صفة المالك للأندية مع أنها لا صفة لها رسمية في الانتماء للنادي طالما أنها لا تتمتع بعضوية النادي أو من ملاكه كمؤسسة يحكمها القانون. بقى نقطة مهمة وهي التي أثارتني لتناول هذا الموضوع الخطير فلقد رفعت هذه الجماهير بسبب انحرافاتها هذه لأن ترفع راية كبيرة تحمل شعار (لا للحياد وممنوع الوقوف معه الحق) ليصبح المطلوب من كل صاحب رأى أن يختار من (القمة الفشنك) من يؤيده في أي موقف حتى وإن كان على باطل وأن ينكر بالمقابل لخصمه من القمة حقه حتى وإن كان مستحقاً له. ليس لنا غير أن ندعو الله ليشفي الكرة السودانية من هذا المرض المزمن وصدقوني لو كنت المسئول لكتبت نهاية الهلال والمريخ من الخارطة الرياضية حتى يبدأ السودان خطواته للمستقبل تحت ظروف صحية مواكبة للعالم ويومها ثقوا أن الإعلام الرياضي نفسه سيصحح من مساره. ولأن هذا مستحيل ولن يحدث في السودان لا أملك إلا أن أقول وفضوها سيرة ويلا بلا لمة (إلى أن يصلح الله الأمور).