أربعة عشر عاماً قضيتها في مصر التي تسيدت كرة القدم الأفريقية على كل مستوياتها أندية ومنتخبات وكان أهم ما لفت نظري طوال هذه المدة من وجهة نظر صحفية أنك لا تلمس أي اهتمام بأي مباراة حتى لو لكانت بين الأهلي والزمالك إلا قبل يوم من المباراة على الأكثر إلا في صحف الأندية، أما بقية الصحف المستقلة فإنها لا تولي أي مباراة أية أهمية الا يوم المباراة ثم ينتهي أمر المباراة بعد يوم منها. واللافت في مصر ثانياً أنني طوال إقامتي في مصر لم أطالع حرفاً واحداً في صحيفة غير صحف الأندية تتحدث عن تمرين للأهلي أو الزمالك، بل وتغطية صحفية للتمرين وعن الأهداف التي تلج المرمى في التمرين مصحوبة بالصور والحوارات عن الهاتريك وتجعل من اللاعبين نجوماً بما يحرزونه من أهداف في التمارين، ثالثاً: لم يحدث أن طالعت في الصحف المصرية حواراً تصدر الصحف مع أي لاعب ليحكي قصة هدف حققه في أي مباراة حيث أن تحقيق الهدف هو نتاج خطة لعب فلم أشهد في الصحافة المصرية قصة هدف هذه البدعة التي نشهدها مع كل هدف وكأن الهدف تقف وراءه قصة لا يكشف عنها الا اللاعب الذي أحرز الهدف. رابعاً: وطوال هذه الفترة لم أشهد أن الصحف المصرية تتفرغ قبل أسبوع من المباراة وتمتلئ صفحاتها بتصريحات المدربين عن المباراة وعن ما سيفعلونه ومن يشارك ويبعد من التشكيلات والتي لا تخلو من التهديدات للخصم ولو أن عملية إحصاءات تمت لمعرفة كم مرة ترد تصريحات مدربي أنديتنا وكم مرة ترد أسماؤهم وصورهم وفي كم صفحة من الجريدة الواحدة وفي كل الصحف لما أمكن حصر عدد المرات تتصدر الصحف هذه التصريحات والغريب أن تتعرض تصريحات المدربين لأمور فنية لا يجوز أن يكون مكانها الصحافة ولكن ولأن المدربين اكتشفوا أن وجودهم في الصحف هو أكثر أهمية من وجودهم في الملعب حتى المحترفين الأجانب الذين يقبضون المليارات يصبحوا نجوماً عالميين من لحظة استقبالهم بالمطكار وقبل أن يظهروا أي عطاء داخل الملعب فالأضواء التي بتمتعون بها خارج الملعب لا تحوجهم لأي عطاء داخله. خامساً: وهذا هو الأعجب في بلد العجائب كل من هب ودب مشجعاً كان أم صحفياً غير مؤهل فنياً يدبج الصحف قبل أكثر من أسبوع بالحديث عن المباراة قبل أن تلعب مشاركاً في وضع التشكيل والخطط ثم يتواصل نفس الشئ بعد المباراة حتى يحين موعد المباراة التالية. سادساً: يمتد هذا الموقف لإطلاق التصريحات والأحاديث من كل الجبهات غير المعنية بالأمر لتسود الصحف براأها فيمن يشطب ومن يسجل ويتم كل هذا في الصحف. سادساً: أما الإداريون فحدث ولا حرج فالقادمون للإدارة من سوق العيش يسودون الصحف بالتصريحات والأحاديث في الفنيات وفي إطلاق التهديدات عما سيفعلونه في الملعب، وسابعهاً وأخطرها يتسابق اللاعبون أنفسهم في اطلاق التصريحات والحوارات عن ما سيفعلونه في المباراة وكيف سيلحقون الهزيمة بخصمهم ثم يلوذون بالصمت بعد المباراة إلا من حملته الصدف ليحرز هدفاً وكيف وكيف حتى أن صورهم وتصريحاتهم نظهر أكثر مما نراها بعد المباراة. وثامنها ما يسود الصحف من التصريحات النارية حول الحكام من جانب المهزوم وكثير ما يسبق الحديث عنهم المباراة بعد أن يتم تصنيفهم حسب اللون. أما آخر البدع ما يسبق المباريات وما يتبعها من مباريات تلهب ملعب الصحافة بين الكتاب الذين يقدمون مباريات أكثر أثارة من مما يشهده فتكون مباراة القمة بين الصحفيين آسف اللاعبين بأقلامهم مثير لاهتمام الجمهور ومتابعته أكثر من الملعب لتتواصل هذه المباريات قبل وبعد المباراة لأيام حتى ينتقل الحديث للمباراة التالية وليتها مباريات في فن الكلمة وأدبياتها كما كنا نشهد في أيام حاج حسن وأبو آمنة حامد رحمة الله عليه بجانب تلك الكوكبة في ذلك الزمان. الحديث يطول عن هذه البدع ولكن الأمر الثابت في نهاية الأمر لا نشهد كرة قدم في الملعب ولا نحصد أي بطولة وكلما ينتهي له الأمر مليارات تهدر في نهاية الأمر مع نهاية كل موسم لا يستفييد منها الملعب ويخرج من ورائها السماسرة والتجار والصحف بالفائدة الكبرى ليتواصل المسلسل من جديد وساقيتنا لسه مدورة. أما ما يتبقى من مساحات في الصحف فهو كما ترون موجه لصناعة الأزمات والترويج للصراعات وما يتبع ذلك من.... كلما يستوجب علينا أن نعترف به هو أنه لو كانت الكرة تلعب خارج الملعب لتفوقنا على البرازيل وإسبانيا ولا أقول مصر على المستوى الأفريقي فيا أهل الرياضة انصبوا صيوانات العزاء الى أن يقضي الله أمراً يأخذ بيد الكرة السودانية ولن أعلق الأمل هنا على الدولة المسؤولة فهي أساس العلة ما دامت تجهل ما هو دورها وما دام رجالاتها جزء كبير وهام من هذه الكارثة وأقول كارثة بكل ما تحمل الكلمة. ولا أملك في نهاية الحديث الا أن أعزي كرة القدم فهي الضحية وهي القتيل وكما قال رحمة الله عليه أبو آمنة حامد (يلا بلا لمة).