قبل أن تجف دموعنا على رحيل عبد الحميد عابدين حكم القدر إلا أن يجمع بينه وبين رفيق دربه الهرم الرياضي الكبير عصام عطا الذي لم يكن خبر رحيله مفاجئاً بعد رحلة طويلة مع المرض ومعاناة لا يصمد أمامها إلا رجل شامخ وجبل صامد عصامي وصاحب عطاء سيبقى خالداً مدى التاريخ. رحل عصام الهرم ويقف قلمي عاجزاً عن رصد سجله الذي بدأه لاعباً ومربياً ثم إدارياً على مسوى الأندية وعضواً بمنطقة أمدرمان مع نخبة من أبنائها ثم على المستوى الرسمي بوزارة الشباب والرياضة متدرجاً فيها من القاعدة حتى مدير إدارة الرياضة مروراً بمسجل هيئات الشباب والرياضة لينتهي بالتقاعد والوزارة في أمس الحاجة اليه ولكنه لم يكن من المحاسيب الذين لا يطالهم قانون الخدمة بحجج واهية فما أكثر من تخطتهم السن القانونية في أجهزة الدولة وهم أكبر سناً من عصام الى أن استقر به المقام قبل رحيله في لجنة التحكيم الاتحادية والتي أخلى موقعه فيها بسبب المرض.. رحل الهرم وقد جففت دموعي لفراقه، الحبر في القلم فمن أين لي بالكلمات التي تليق بعلوا مقامه وكيف لي أن أستعيض عن القلم بلساني ولساني أخرس من فرط الحزن على فقده. لتهنأ يا ود عطا وأنت اليوم في رحاب من يجازي من أعطى بتجرد وصدق وأمانة الله سبحانه تعالى الذي يعرف قدر الرجال ويعرف قدر إيمانهم ونبل خلقهم ويجزل لهم بقدر عطائهم. منذ كان عصام صبياً عشق الرياضة وانتمى لأسرتها حتى لحظة مغادرته هذه الدنيا الفانية وهو واحد من جنودها. وهب نفسه للرياضة لاعباً ومربياً وإداريا وقاضياً.. عصام لا يتسع المجال حصر محطاته إلا أن هناك محطة في مشواره لا بد للتاريخ أن يقف فيها ويستخلص العبرة منها ويخلدها فقد كان البطل الذي رفع لواء العدل بلا منازع في الرياضة وهو يضع الأساس لمسجل هيئات الشباب والرياضة حيث كان قوياً وصامداً في قول الحق وتطبيق القانون في زمن شح رجاله فهو مؤسس العدالة إن بقي فيها شئ حيث عمل لتأسيس دولة العدل والقانون في الرياضة حتى أصبح هدفاً من يرفضون أن تكون السيادة لغيرهم لنشهد أول ظاهرة من نوعها أن تصدر الدولة قانوناً استهدف إقصائه عن منصبه وفي شخصه فقد كان أهم ما جاء في قانون 2003 أن يغادر عصام مقعد المسجل وقد كان إبعاده نصاً في القانون حتى لا يكمل مشوارة لترسيخ قيم العدالة. فقد كان بداية مشواره مع بسط العدل صداماً عنيفاً وقوياً مع الاتحاد العام للكرة الذي أصبح من بعده إمبراطورية ممعنة في الدكتاتورية قرارها يعلو القانون وينحني أمامه الوزراء بعد أن أقصي عنه من صمد وانتصر في أكبر القضايا الرياضية ليشيع برحيله عن المنصب القانون قبل رحيله عنا جسداً لتسقط من بعده دولة القانون في الرياضة. كانت أولى مواجهاته مع الاتحاد في معركة الصمود يوم قرر الاتحاد تقليص أندية الخرطوم في الدرجة الممتازة بألا يزيد عددها عن خمسة في الدرجة الأمر الذي يترتب عليه أن يهبط من جاء في المركز السادس بجهد في الملعب لبيقى في الدرجة من تذيل الدوري في المركز الثاني عشر لتسقط بهذا المعايير الفنية للتنافس الحر كما جاءت في قانون اللعبة ولما تظلم اتحاد الخرطوم له كمسجل لمخالفة القرار للوائح الفنية حكم له عصام بعدم قانونية القرار وصمد في مواجهة الحملة العاتية التي استهدفته من الاتحاد ولكنه صمد وكانت كلمته هي التي حكمت ليسقط القرار. أما الحالة الثانية فأمرها أغرب وأعجب، فقد تفجرت قضية الهلال وانسحابه من كأس السودان ومحاكمة قادته بقرار من لجنة الانضباط ويومها سجل عصام انتصاره الثاني لبسط العدل حيث أبطل قرار الاتحاد لمخالفته القانون ويومها صعد الاتحاد قضيته حتى وزارة العدل طاعناً في أهلية عصام لاتخاذ القرار وتواصل تصعيد القضية حتى المحكمة الدستورية يوم ترافع عن الاتحاد فطاحلة في القانون وجاء قرار المحكمة الدستورية انتصاراً لقرار عصام الأمر الذي بلغ بالمواجهة بين عصام والاتحاد ذروته وهنا استطاع الاتحاد لما يملكه من نفوذ على السياسيين أن يصدر قانون 2003 وأهم ما ما تمخض عنه إقصاء عصام عن مسؤولية بسط العدل فكان أن صدر القانون بالموافقة على اقتراح الاتحاد إلغاء منصب المسجل وأن يستبدل بمفوضية على رأسها مفوض وهنا المفاجأة فلسد الباب أمام عصام حتى لا يكون هو المفوض نص القانون على أن يكون المفوض رجل قانون وكانت كلمة حق أريد بها باطل لأن ما قصد بها أن يقصى عن المؤسسة العدلية من نجح في بسط العدل ولم تثنه أي ضغوط عنها وترهبه قوة الاتحاد هكذا أُقصي عصام بقانون الدولة التي عمل على بسط قانونها ويا لها من مفارقة الاتحاد الذي اقترح المفوضية يومها استهدافاً لعصام وتم قبول اقتراحه ها هو نفسه يعود اليوم وبطالب بإلغاء المفوضية مما يؤكد أن دافعه يومها كان إقصاء عصام البطل نصير العدل والذي شيع بعد رحيله بعد أن بسط الاتحاد سلطته على السلطة السياسية والرسمية بالوزارة. هكذا كان موقف عصام وسيبقى موقفه هذا خالداً خلود روحه وعطائه. بقي أن أقول إننى عايشت فترة مرضه ومعاناته عن قرب وأشهد الله إنني لم أشهد رجلاً كلما تدهورت حالته واقتطع جزءاً من جسده وأخرس لسانه لم تفارق الابتسامة شفتيه كانت كلمات الترحيب بزواره تتحدث عنها نظراته وهو يستفبل السائلين عن صحته فكان شامخاً في مواجهة المرض رغم المرارات التي أحسب أنها كانت تحز في نفسه وإن لم يفصح عنها لشهامته وهو يفتقد قطاعات رسمية وأهلية كان يتوقعها بجانبه في هذه المحنة ولكنه زمن غاب فيه الوفاء لأهل العطاء فما قدمه ود عطا من العطاء لقبيلة الرياضيين على مستوياتها الرسمية والأهلية كان جدير بأن تتسابق نحوه هذه الجهات وتبقى التحية ضرورة لرجال وقفوا بجانبه بكل قوة وعلى رأسهم الأساتذة محمد الشيخ مدني والدكتور عادل عبد العزيز والتحية لجمعية رعاية الإداريين الرياضيين الوليدة التي وقفت بجانبه بالرغم من أنها حديثة عهد والمعذرة لمن فاتني ذكرهم. اللهم هذا عصام عبدك بين يديك طاهراً نظيفاً فارحمه وتوله بعطفك مع الأبرار والصديقين والشهداء وأسكنه فسيح جناتك وإنا لله وإنا إليه راجعون. آخر الكلم رسالة للسيد وزير المالية: باسم الرياضيين وتقديراً لما بذله الراحل المقيم وما قدمه من جهد نلتمس من سيادته ومن المسؤولين أن تعفي الدولة ما تبقى من إقساط على عربة المرحوم فأسرته جديرة بالرعاية وهذا أبسط ما تقدمه الدولة لمن أجزل العطاء لأكثر من نصف قرن وخلد اسمه في كل مناحي الرياضة الرسمية والأهلية.