يوم الاثنين الماضي شيعت مدينة مدني عاصمة الجزيرة في موكب حزين واحدٌ من أكبر رقمين من أبناء الجزيرة صنعوا تاريخ السودان الكروي إلا أن فجيعة فقده المفاجئ لهي فاجعة السودان كله لأنه من صناع العصر الذهبي للكرة السودانية. ففي هذا اليوم شيعت الجزيرة نجماً ساطعاً من عمالقة الإداريين الذين عرفت كرة القدم في عهدهم نجوماً أفذاذاً كانوا أنداداً لنجوم الخرطوم إن لم يكونوا متفوقين عليهم، بل كان نجماً إدارياً ساطعاً عرفت مدني في عهده أندية قمة بكل ما تحمل الكلمة يوم كان الأهلي والاتحاد والنيل أنداداً للهلال والمريخ، وكانوا قمة في كل شئ. وكان نجماً ساطعاً قدمت فيه مدني سانتو إخوان وحموري إخوان وكوري إخوان وقلة إخوان وقدمت فيه سنطة وعمر النور والباقر وإبراهيم بدوي وسمير صالح وسيد مصطفى ومحجوب الله جابو وفطاحلة آخرين لا يسع المجال ذكرهم. وكان نجماً إدارياً ساطعاً في فترة قدمت فيها مدني عمالقة شاركوا في صناعة تاريخ السودان الكروي أفريقياً وعربياً وشركاء أساسيين في البطولة الوحيدة التي حققها السودان. لن تبكيك الجزيرة وحدها يا كاروري، بل سيبكيك كل ركن من السودان عرف الكرة في عصرها الذهبي حيث كانت مدني من أعمدته. سيبكيك ويبكيك كل من عشق كرة القدم وسيبقى اسمك خالداً في ذاكرة التاريخ لأن من يصنعون التاريخ لا يرحلون وإن رحلوا جسداً فهذا قضاء الله أن ترحل أجسادهم وتبقى أعمالهم خالدة في ذاكرة التاريخ. وإذا كان التاريخ قد عرف في مجال الإبداع ثنائيات في مجال الفن وفي مجال الكرة فالتاريخ لابد أن يذكر في هذا اليوم واحدة من أعظم الثنائيات الغدارية التي صنعت تاريخ الإدارة النقية في الاتحادات. فليس بيننا من ينسى ثنائية أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية عبد المنعم عبدالعال مع الرقم الذي فقدناه كاروري الذي فجعنا برحيله المفاجئ. ثنائية سجلت نفسها في تاريخ الكرة السودانية يوم انطلقت من رحمها الثورة الإدارية التي كانت شرارتها من مدني يوم بادر الثنائي بالدعوة لمؤتمر التضامن ويوم عرفت الإدارة لأول مؤتمرات الشباب في ذلك الزمن لترتفع من يومها راية الثورة الإدارية لتشكل مرحلة جديدة في تاريخ الإدارة الكروية لتخلف عند عمالقة من أفذاذ الإداريين ولتقدم نموذجاً حياً للانتقال من جيل لجيل يحفظ سماحة من سبقوهم قبل أن تنكس الراية ليمضي العهد الذي كنت من رموزه يا كاروري وتتراجع الثورة التي أسستم لانطلاقتها بالدعوة للتغيير الإيجابي ولتنتكس بانتكاستها الكرة نفسها وها نحن نشهد مدني ورايات أنديتها تتراجع لفرق من الكمبارس وتغيب عن سماء الكرة نجومها الذين ما غاب بريقهم عن ساحتها. مدني التي كانت قائدة ورائدة في الملعب وعلى مستوى الإدارة.. مدني التي قدمت خيرة القادة الرياضيين والتي قدمت رحمة الله عليه محمد كرار الذي لا يذكر في مسيرة الرياضة رجلها الأول رحمة الله عليه محمد طلعت فريد إلا وكان كرار خير ثنائية له وليكونوا من مربع الإدارة الذهبية للكرة مع رحمة الله عليهما الدكتور عبدالحليم محمد وعبدالرحيم شداد وعمالقة الحكام من مدني أمثال عابدين عبدالرحمن أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية كاروري الذي رحل عنا اليوم ليت أجيال اليوم من شباب الجزيرة ومدني، بل والخرطوم وكل أنحاء السودان تعرف ماذا كان يعنيه ذلك الجيل الذي خاف ذلك الجيل من العظماء فأين ما نشهده اليوم من ذلك الجيل. لقد كانوا قدوة عند الاختلاف في الرأي وكانوا متجردين رغم ما يسودهم من تباين في الرأي، لم تكن تحركهم مصالح خاصة لا يعرفون الشللية والخصومة الفاجرة، بل لم يكونوا يوماً مصدر فتنة لا يمانعون في تسخير اللاعبين في صراعاتهم الإدارية ولم يكونوا مفسدين للإعلام بالرغم من علاقاتهم المشروعة به. هكذا كان كاروري الذي رحل عنا الاثنين الماضي ونحن إذ نودعه ندعو الله أن يجزل له العطاء بقدر ما كان نقياً وأن يحسن مثواه ويتوله برحمته ويسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وإنا لله وإنا إليه راجعون.