* اللحظات السعيدة في حياة الإنسان تمر بسرعة البرق والأيام الجميلة تشبه النجوم التي نكاد نستمتع برؤيتها حتى تختفي مع خيوط الفجر الأولى ومع بزوغ فجر اليوم الأول من رمضان هذا الشهر الفضيل والذي سرعان ما ينقضي لابد للمسلم أن يستقبله بتهيئة نفسه وأن يدخل لهذا الشهر الفضيل تائباً مستغفراً منيباً إلى ربه وأن يستقبله بنية صادقة وعزيمة. * هذا الشهر الكريم الذي فضله سبحانه وتعالى على سائر الأيام والشهور لما له من مكانة سامية ومنزلة عالية تتجلى فيه القدسية والروحانية والتقوى في أبهى وأصدق معانيها. * هذا الشهر العظيم والوافد الكريم هو شهر الصوم والعبادة والمغفرة والقرآن والدعاء والتقوى هو أيضاً شهر للتراحم والتزاور والتواصل والإلفة وهو أيضاً فرصة للعودة من جديد للعادات والتقاليد في هذا الشهر الكريم المفعم بعبق الماضي الجميل والأجواء الرمضانية الرائعة * وأهمس في أذن القائمين على القنوات الفضائية بأن إفراغ هذا الشهر الفضيل من مضامينه الروحانية وتفاصيله الجميلة يفقده وهجه ومتعته وقدسيته كشهر للعبادة والتقوى والمغفرة. * قد أكون من الأجيال المحظوظة التي شهدت شهر رمضان الكريم بكل عبقه وبهجته وروحانيته، وما زلت أتذكر جيداً كيف كنا ننتظر قدومه قبل عدة أسابيع ونعد العدة للاحتفاء والتمتع به، وكنا نستقبله بالأهازيج الجميلة التي نحفظها عن ظهر قلب، تفاصيل ومناسبات وأحداث كثيرة تتوزع بين أيامه ولياليه، كنا نلعب بالمدافع التي صنعناها من أعواد الكبريت ونفرش البرش ونملأ الأباريق وتخرج الصواني من كل البيوت ويفطر الشارع كله الغاشي والماشي الصغار والكبار. * ذاك رمضان الذي أعرفه جيداً وتعرفه كل الأجيال السابقة، أما رمضان اليوم فأصبح للسهرات والمسلسلات الهابطة و"الخيم الرمضانية" التي تنبعث منها سحب الدخان المتطاير على أنغام المطربين والمطربات الأجنبية، هذا هو شهر رمضان الذي تنتظره القنوات الفضائية لتأخذه بعيداً عن أجوائه القدسية والروحانية والإنسانية، وتفرغه من معانيه ومضامينه الحقيقية، وتكرسه كشهر للمتعة والفن والتسلية، واعتباره موسماً رائجاً لكل ما تلفظه الاستوديوهات من برامج ترفيهية ساذجة. هذا هو شهر رمضان الذي ينتجه ويسوق له حفنة من المخدوعين والجشعين والمأجورين الذين لا يكترثون لخصوصية هذا الشهر الفضيل ولا يُمثل لديهم سوى أنه الشهر الأكثر مشاهدة ومتابعة من قبل المسلمين الصائمين القائمين! * لقد ابتعدنا أو أبعدنا لا فرق عن مضامين وأهداف هذا الشهر العظيم، وحلقنا به في أجواء وفضاءات لا تليق به، واعتبرناه شهراً للتسلية والمتع الزائفة والمسابقات والسهرات، وأفرغناه من جوهره الأصيل وأهدافه النبيلة ومظاهره الجميلة. * لم نعد ننتظر شهر رمضان لنزداد طاعة ومغفرة وتقرباً لله عز وجل، وننتهزها فرصة رائعة لتطهير قلوبنا المتعبة والمثقلة بالذنوب والأحزان والانكسارات والخيبات، ونعود من جديد لماضينا الجميل المشبع بالعادات والثقافات والمظاهر الجميلة التي تناسيناها. * وأهمس في أذن أولئك الذين يجاهرون بالمعاصي ويفطرون في هذا الشهر الفضيل إذا ما ابتليتم فاستتروا وأن الله غفور رحيم ولا تنسوا أنه شديد العقاب.. قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، فالصيام يهيئ النفوس لتقوى الله عز وجل، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" فالصوم يهيئ الإنسان لتقوى الله عز وجل ويبعده عن المعاصي ويقويه على أن ينتصر على شهوات نفسه وعلى شيطانه. * والحمد الله أنه من تيسير الله لعباده أنه لم يفرض الصيام إلا على من يطيقه وأباح الفطر لمن لم يستطع الصوم لعذر شرعي والأعذار الشرعية المبيحة للفطر هي (المرض, السفر الحمل والرضاع والشيخوخة). إن سايد * يعتبر الخليفة الفاطمي المعز لدين الله أول من عمل مائدة في شهر رمضان يفطر عليها أهل الجامع العتيق جامع (عمرو بن العاص)، وأقام طعاماً في الجامع الأزهر مباحاً لمن يحضر في شهور رجب وشعبان ورمضان، وكان يخرج من مطبخ القصر في شهر رمضان 1100 قدر من جميع ألوان الطعام، توزع كل يوم على المحتاجين والضعفاء. * أعلم بأن هناك الكثيرين من السودانيين من بسط عليهم في الرزق يقيمون الموائد الرمضانية ويوزعون الكثير من الزكاة في هذا الشهر الفضيل. * قيل لبعض الحمقى كيف صمتم رمضان فأجابوا: اجتمعنا ثلاثين رجلاً فصمناه يوماً واحداً. * ضاع لأحدهم حمار فنذر أن يصوم ثلاثة أيام إن وجد الحمار وبعد فترة من الزمن وجد حماره فأوفى بنذره وصام الأيام الثلاثة، وما أن أكمل الصيام حتى مات الحمار فقال: لأخصمنها من شهر رمضان. * وأهدي الجاية لصديقي الحلفاوي عبد القادر همد وأقول له كل سنة وأنت طيب (واحد قابل ليهو حلفاوي وقال ليهو رمضان سخن، فرد الحلفاوي (ما من صالحو). * واحد خيالو واسع وصايم اتصل بقناة إم بي سي قالوا ليهو عايز تسمع شنو قال ليهم مقطع من أذان المغرب * سألوا واحد خيالو واسع: كيف أخبار الصيام معاك قال ليهم والله لو ما الوضوء كان الواحد مات من العطش * اللهم يا رحمن... بلغنا رمضان... واجعلنا نختم القرآن * ونتمنى من الجميع أن يستغلوا شهر رمضان الذي يبدأ غداً في الطاعات والتقرب إلى الله والإكثار من الذكر والدعاة والانكسار وعلينا الا نفوّت رمضان لأنه موسم طاعة. وكل عام وانتم بخير.