٭ في اطار نشاط منتدى الفكر بالمجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون، قدم المنتدى بالتعاون مع نادي اصدقاء الجيتار باليونسكو اولى جلساته حول «قراءات لغناء المرأة في الوسط من الهدهدة الى المناحة».. وقدمت في بداية الامسية نماذج غنائية لاغاني السيرة، وابتدرت الحديث الاستاذة ثريا الشيخ في حديث عن الجانب الفلكلوري للأغنية السودانية فتحدثت قائلة: النماذج التي قدمت في معظمها نماذج سيرة تمثل اغاني الوسط، وهذا الوسط قد انصهرت فيه الآن كل قبائل السودان، واول من بدأ هذا اللون من الغناء النساء.. وأول من قدمت نموذج الغناء الحماسي هى مهيرة بت عبود في قصيدتها المعروفة: لو فريتو يا رجالتنا أدونا السيوف هاكم رحاطتنا فبهذا المقطع استطاعت مهيرة أن تستفز الرجال، والتاريخ يؤرخ لهذه النماذج، وكذلك فعلت بنونة بت المك.. وغناء المرأة بدأ باكراً بنمط معين، فهى كانت تغني للعمل في البيت والهدهدة للطفل كنوع من التبريكات والتمنيات، وأغاني البنات عبارة عن كلام منمق يتناقل شفاهة ولا مصدر له، ومن نماذج الهدهده: النوم النوم بكريك بالدوم اللول اللول ولدي الغالي اللول اللول بستر حالي كذلك من الوان غناء البنات ما يردد في طقوس الختان والزواج ومنها: العديل والزين يا أخوانا فرحة للاثنين يا أخوانا واغنية الحرم بت عبد الاله التي تغنت بها لابنها صافي دهب الخزانة ود شيوخ البطانة ايضاً لون آخر من هذه الاغنيات.. اما النمط الاخير فهو الرثاء، وهو من أصدق ما تكتب المرأة ونموذجه: الليلة يا العطايا ويا ضلي وضرايا الليلة يا توب غطايا وينك لىّ الليلة يا الغابة الضرية وينك ليّ رجاء موسى ٭ في الجانب الموسيقي تحدثت الأستاذة رجاء موسى قائلة: غناء المرأة في وسط السودان كان نتاج تلاقح عدد من الإثنيات التي اجتمعت في منطقة الوسط، وقبل فترة الحقيبة كانت المرأة السودانية كغيرها من نساء الحضارات القديمة مصرية، آشورية، هندية، فالمرأة في السودان تمارس هذا النوع من الكتابة بفطرية عالية سواء في صياغة الانغام أو الكلمات البسيطة الدارجة، وهى النظم التي مارستها المرأة في مسيرة نشاطها، بدءاً من مرحلة الميلاد إلى المناحة، وهى أغنيات تناقلتها الأجيال شفاهة. د. أحمد الشريف ٭ في الجانب النفسي تحدث د. احمد الشريف بادئاً حديثه بقوله: فلتعش المرأة السودانية لأنها أثرت وجدان هذا الشعب منذ قديم الزمان، وفي بداية حديثي أود أن اوضح مقومات العقل، وهى سبعة، ولكني سأركز على واحد منها وهو الوجدان، فأقول إن الموسيقى هى أعظم لغة عالمية لأنها تخاطب الوجدان، ولا تحتاج للغة ولا تحتاج لترجمة ولا مساعدات ليفهمها الانسان، بل هى تحرك الوجدان. وقد كنت اتمنى ان تكون النماذج قوية وعنيفة على النقارة، لأنها من أكثر المؤثرات على الوجدان السوداني واثارة الناس في الحروب او الحماس لأى فعل جماعي، نفير، نداء وغيره. وفي بعض القبائل النقارة لها دلالات رجولية، والموسيقى الوسطية ان كانت من اجل التطريب والأنس يستمع لها كل انسان، واذا كانت بسيطة هادئة غالباً تكون ترنيمة تهدي الوجدان، الموسيقى سواء أكانت عالية او متوسطة تثير كيماويات في داخل العقل وفي داخل خلايا المخ، فالشخص الفرح أو الذي يثور أو يتهيج فهو تحت تأثير الموسيقى التي اثارت كيماويات موصلة في خلايا المخ، وهذا علم يدرس، فهذه الكيماويات إما دفعت الانسان للانبهار والحماسة او الهدوء والسكينة والراحة والبسط، والموسيقى السودانية تكاد تكون جميعها وجدانية تخاطب الوجدان، اما اثارة او تهدئة او تلطيف، الى ان تصل لدرجة الهدهدة والتنويم.. وخلال هذه الجلسة كنت اتمنى ان استمع الى موسيقى شعبية، كذلك المرأة السودانية على مدى التاريخ لعبت دورا تأثيريا على الوجدان وعلى هذه العاطفة ومازالت، كما ساهم كثير من الفنانين السودانيين في ذلك، ونترحم على سبيل المثال على عثمان حسين، واحمد المصطفى وابراهيم عوض وغيرهم، فقد شكلوا وجدان كثير من أفراد هذه الأمة. الأنور محمد صالح: ٭ ومن جانب التحليل الثقافي تحدث الاستاذ الانور محمد صالح قائلاً: الإنسان نفسه عبارة عن آلة موسيقية ابتداءً من دقات قلبه وغيره.. وما عرض من نماذج يشير لثقافة الوسط والغناء، وهو جزء من الموسيقى وإحدى آليات صناعة الرأى العام، والحديث عن الغناء وربطه بالمرأة مباشرة يصبح كالحديث عن السينما «كاوبوي، وهندي»، مع ان نسبة ذلك ضعيفة جد في السينما.. وعندما نتحدث عن غناء النساء يقفز للذهن دائماً «راجل المره» و«بصافحو بالقوة» وغيرها من الاغنيات.. وما ذكر من حديث لم يتعرض لمسألة الاحاجي السودانية والحكي فقد كان مليئاً بالغناء، وواحدة من مميزات هذا الغناء أنه يتم بالممارسة الفعلية باعتبار ان المرأة هى المكون الاساسي في الاسرة، وتنبعث منها القيم العامة. وبعض الغناء يشير لوجود جماعي والانسجام الجماعي. د. مالك حسين: تحدث د. مالك حسين عن جانب المتصوفة في ذاك الغناء، قائلاً نحن في السودان نفتقد المعالجة الكلية للقضايا، وفي مجال الفن لا نستطيع أن نقول ان دور المرأة قد انتهى بوصفه دوراً تأصيلاً، فهذا الدور، التأصيلي اقرب للتصوف واقرب لنظرية المعرفة، وما يقدم ليس شاذاً ولا يوجد شيء خلق في هذا الكون عبثاً، ولا من حق أي احد ان يضع حدودا لعمل آخر، لأن كل شيء بقدرة الله ومعرفته ويقينه، وهناك حديث غير معروف للناس كلهم والعلماء لا يريدون الحديث عنه كثيراً، وقد وقفت عليه تماماً ونحن متصوفة ونعرف لغة الرسول صلى الله عليه وسلم، ورحم الله فراج الطيب حيث قال إنه لا يحتاج ليرجع لمعرفة صحة الحديث من عدمه، لأنه يعرف لغة الرسول صلى الله عليه وسلم، وانا تلميذه ورثت عنه هذه المسألة، انا وصديق المجتبى ورثناها عنه بعقلانية وبوجود، فهو قد قال لغة الرسول في الحديث لا تشبه لغته الاخرى، فقد قال صلى الله عليه وسلم اوصيكم بالنساء خيراً هذا الحديث فيه اشياء لم تسمعوا بها فهو قال «اوصيكم بالنساء خيراً فإنهن المجملات عند النعمة والمنعيات عن المصائب» هذا الحديث يؤيد ما ذكرته المتحدثة الاولى في حديثها، وهذا الوصف للمرأة غير موجود ابداً وهى لا تدرك معنى هذا الحديث.. ونحسم هذا الحديث بحديث آخر هو عندما وجد الاحباش يرقصون قال لهم «جدوا يا بني أرقلة حتى تعلم اليهود والنصارى أن ديننا فيه فسحة» وجدوا هذه تعني الاستزادة في الفعل، وهى تجويد وجدية الرقص.. والغناء يخاطب الوجدان، وليس هناك ما يمنع أن نرفع الوجدان لكي يقود الجسد ويقود العقل قيادة حكيمة. صديق مجتبى ٭ كان ختام الحديث للأستاذ صديق مجتبى الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون، فتحدث قائلاً: العنوان كبير والفلسفة هى نقل التراث وخلخلة هذا العقل التراثي والفحص في اعماقه، لأن أية أمة لا بد تكتب تراثها في الواقع، ونريد ان نثبت نقد الثقافة ونبدأ فيه الآن، بالتبصر والاستبصار في هذا التراث في حياتنا، والنظر في ذواتنا داخل هذا التراث، ولا بد من البحث عن أمة داخل تراثها، والبحث عن حداثتنا التي نعيشها الآن في جذورنا، وهذا سيأتي من نقد هذا التراث، فهذا التراث شخص يمثل الامة، وله قدرة على التعبير عن المجتمع، وهو الذي يملي على الامة نظامها المختلف وقيمها، فهذا هو المشروع الذي نحن بصدده في السودان، ولكن لا بد أن نسخر هذا المشروع ويتنوع في ربوع هذا السودان المختلف في ولاياته، وفي التنوع الثقافي السوداني. ولا بد أن ينتشر في مناطق بعيدة في السودان، واستجلاء ما فيها من مكونات في تراثها، وإيجاد فواصل مشتركة بين هذه التراثيات.. أما موضوع الهدهدة فهذا موضوع له معنى كبير في الحياة، لأن الأم هى الأرض التي ينبت فيها الطفل، وهى الملقن الاول لهذا التراث للاطفال، ترضعه من لبنها وترضعه من ثقافة المجتمع ومن وجدان الامة، وتحاول ان تغرس فيه هذا الوجدان، والتراث ليس عبثاً، وهذه الهدهدات ليست عبثاً خاصة في السودان، فهى مرتبطة بقضايا الامة وقضايا المجتمع والبناء والتربية، وأنا حبوبتي كان بتهدهد لي بهذه الكلمات: الصديق مُجار صوته والبدنيلو وا موتو وهذا يعني أنها كانت تغرز فيَّ الفروسية، فألفت لي هذه الكلمات التي مازالت عالقة في الذاكرة.. واذكر كثيراً من المقاطع من مختلف انحاء السودان، وقد نظمنا من قبل جلسة تدارسنا فيها حول ما يقال في مختلف انحاء السودان في هدهدة الاطفال.. وإبان الفترة الاستعمارية تحولت الهدهدات إلى مقاومة للاستعمار منها: يا أم أحمد دقي المحلب في توب أحمد أحمد غائب في الركائب جانا كلب «وهو الاستعمار» سنونه صفر «وهذه سماته» حلب الناقة «وهى البلد» في الشنقاقة كذلك هذه الهدهدات تغرس التوحيد في الأطفال ومنها: سيدي سافر مكة جيب لى حتة كعكعة وكثير من الهدهدات الموجودة في السودان لها مدلولاتها في كل مرحلة من مراحل المجتمع، وتختلف باختلاف المناطق. وفي ختام الأمسية التي قدم كلمة المنتدى فيها الأستاذ محمد الجيلاني وكلمة نادي الجيتار الأستاذ الأمين جاد الله، كرَّم خلالها الأستاذة ذكية أبو القاسم أبوبكر، والأستاذة المغنية حواء رمضان آدم مبروك، وشرف الحضور الفنان الكبير شرحبيل أحمد.