في كثير من الأحيان تُثار جدلية تطبيق نص أو روح القانون، للبت في العديد من القضايا، فهناك من يتمسك بتطبيق النص وإن شابته كل الشوائب دون أن يطرف له جفن، بينما في الطرف الآخر من يناهضون موقفه بإتكائهم على حائط عقلية أن لكل نص قانون روح تخرجه من التعنت ودائرة التزمت العصي على اللي والكسر. ولعل وزارة الداخلية ومن يقفون على سدتها خدمة للعباد والبلاد، أبرز الجهات التي تشكل مهدا خصبا لإثارة جدلية تطبيق نص أو روح القانون. فالقضية التي بصدد التطرق إليها لا تبعد عن حمى تلك الجدلية، فبسبب التمسك بتطبيق اللوائح والشروط الموضوعة حسب مخيلة المطبق، فقد أحد أبناء جلدتنا فرصة الالتحاق بركب زملائه القاصدين حمى دور التعليم العالي، دون أدنى ذنب جناه، فلم يحصد إلا التخلف عن زملائه مع تسرب كم هائل من الحسرة والهزائم النفسية، فيما لم تسلم أسرته التي تضع آمالا عراضا عليه لإقالة عثرتها من هزة المصيبة والهزيمة التي طالت كل الأسرة جراء تعسف مسؤولة تابعة لوزارة الداخلية في إكمال إجراءات استخراج شهادة جنسية تثبت هويته السودانية باعتبار ذلك شرطا أساسيا للالتحاق بمؤسسات التعليم العالي، فعلى من تقع مسؤولية تخلفه يا ترى بعد الوقوف على فصول قضيته التي رواها والده المكلوم يا سيادة وزير الداخلية ويا ولاة أمرنا ؟ فأصل الحكاية تعود تفاصيلها التي تنضح ألما وتفوح مرارة على لسان ولي أمر الطالب محمد عجب حسب الرسول علي القادم من مدرسة الكتير مساعد الثانوية التابعة لوحدة طابت الشيخ عبد المحمود، تعود إلى معسكر عزة السودان التي لم تنقض جرعات منسوبيها التدريبية بعد بمنطقة أبو عشر، فيقول عجب إن ابنه محمد عاد أدراجه إلى المنزل بعد تسريح جميع الطلاب بإذن من إدارة المعسكر لإحضار متطلبات استخراج الجنسية من شاهد وجنسيته بالاضافة الى «45» جنيها سودانيا لاستخراجها. وقد كان أن ذهب محمد يرافقه والده متأبطا كافة المطلوب إلى المعسكر في يوم الأحد 11 يوليو الماضي، وبعد استلامهما أورنيك استخراج الجنسية وبعد طول انتظار، تمكنا بعد صلاة الظهر من مقابلة المتحري الذي اكتشف أن ثمة اختلاف في اسم الوالد في جنسيته وشهادة ميلاد ابنه، إذ ورد مرة عجب والأخرى العجب، فتوقف عند ذلك، فقدم له الوالد إشهادا شرعيا يثبت أن العجب وعجب حسب الرسول علي حمد اسمين لمسمى واحد، فاقتنع المتحري بالإشهاد وأرفقه مع الأورنيك ومرره بدوره إلى الضابط المسؤول مع سائر الأرانيك لتستمر رحلة الانتظار لسماع اسم محمد لإكمال الإجراءات بعد تصديق الضابط المسؤول، ومن ثم تسديد الرسوم آخر مراحل مطلوبات الجنسية قبل إجراء البصمة، لتحدث المفاجأة بأن استدعت الضابطة المسؤولة برتبة رائد محمد وأخبرته أن هناك اختلافاً في اسم والده الوارد بجنسيته والمدون بشهادة ميلاد ه «عجب العجب»، فدخل الوالد إليها ونبهها إلى الإشهاد الشرعي المرفق فأخبرته بأنه لا يغني ولا يسمن من جوع، ولا يشفع لاستخراج جنسية لابنه، فسألها عن الحل والمخرج، فقالت له عليك بالتوجه إلى ود مدني لتعديل الاسم على شهادة الميلاد، فخرج الوالد صاغرا ذليلا مرددا في دواخله «حكم القوي على الضعيف»، فعاد إلى منزله بالكتير مساعد التي تبعد حوالي ثلاثين كيلومترا عن أبو عشر، متحملا عناء وعثاء السفر وتكاليفه الباهظة التي لا قبل لجيوبه بها التي احتلها الخواء وباض وفرخ عليها البؤس والشقاء، نسبة لتقاعده بالمعاش منذ عام 1994م، بعد ترجله عن صهوة جواد القوات النظامية، إذ لا يتقاضى من حطام مال الفانية سوى معاش شهري قوامه 179 جنيهاً، فحمل آلامه وتدثر بآماله وفي نفسه ليس شيئا بل أشياء من حتى، فتوجه في اليوم التالي إلى ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة قاصدا مكتب سجلات المواليد، بعد أن أعمل جهده في تحصيل ما يمكنه من الوصول إلى هناك، وبالكاد وفر ما يمكن أن يسدد به رسم تعديل شهادة ميلاد ابنه، حسب طلب سيادة الرائد، غير أنه أصيب بخيبة أمل كبيرة بعد أن حكى إلى القائمين على أمر السجلات بود مدني قضيته، الذين أوضحوا له أن ليس بوسعهم تقديم أي نوع من المساعدة له، سوى طلب توجيهه إلى حاضرة ولاية النيل الأبيض، حيث تم استخراج الشهادة إبان عمل الوالد بشركة كنانة، فأسقط في يد الوالد جراء ضعفه المالي وقلة حيلته وهوانه على أجهزة الحكومة التي كلفته فوق طاقته، فلم يجد بدا سوى الرجوع إلى حيث مسكنه تزفه جيوش الحسرة ونفسه تئن تحت وطأة الفقر الذي سلط جنوده على جيوبه، فأورثته الفاقة والعجز عن توفير ما يوصله إلى ربك، حيث كان بالإمكان إيجاد حل لمعضلته وابنه الذي فقد فرصته في التقديم للالتحاق بمؤسسات التعليم العالي، فمن يا ترى المسؤول عن تأخره سادتي المسؤولون؟ وما رأي وزارة الداخلية في مثل هكذا صنيع من أحد منسوبيها التي من حيث درت أو لم تدر تسببت في حرمان أحد أبناء الوطن من الحصول على حق أصيل ترتب على الحرمان منه ضرر بليغ وفقد عظيم، فأي شيء أعظم من إسقاط عام من عمر الإنسان؟ وما رأي المسؤولين في رفض وثيقة إشهاد شرعي ممهورة بتوقيع أحد قضاة شؤون الأسرة والركون إلى وثيقة مستخرجة من وزارة الصحة، فايهما أحق بالوثوق دوائر القضاء أم وزارة الصحة؟ أفيدونا لا فض الله لكم فاه.. ثم على من تقع مسؤولية تأخر هذا الطالب المسكين الذي سقط ضحية جريرتين لم يكن له يد في إحداهما، أولاهما أنه وجد شهادة ميلاد باسم يزيد عن اسم والده بالأوراق الثبويتة بألف ولام، والأخرى عدم اقتناع الضابطة بالإشهاد الشرعي حلا لازالة اللبس، والثالثة لا يد له أو والده فيها، وهث انحداره من أسرة فقيرة. ثم نسأل هل يحق لوزارة الصحة تعديل مستند بعد استخراجه في ما يخص الاسماء الواردة فيه؟ وما جدوى استخراج وثائق الإشهاد الشرعي إذا كان مصيرها عرض الحائط وعدم الاكتراث لها؟ سيدي وزير الداخلية، وسيدي وزير التعليم العالي.. هذه فصول مأساة طالب معدم فقير وضعناها بين يديكم، فنأمل في كريم معالجتكم العجلى لرفع الضيم الذي حاق به، وجبر الضرر الذي لحقه نفسيا، ناهيك عن المادي، بأن تسمحوا له باستخراج شهادة جنسية له وفقا لمعطيات المستندات التي تقدم بها، بجانب منحه استثناءً خاصا للتقديم بمؤسسات التعليم العالي، ومن ثم على وزارة الداخلية أن تبسط بين منسوبيها ثقافة وفضيلة يسروا ولا تعسروا، بعيداً عن الإفراط والتفريط، ف «الشرطة في خدمة الشعب» شعار لا نود أن تهزه هفوات بعض الموتورين، لأن مثل هذه التصرفات ترسم في مخيلة الجميع صورة قاتمة عن وزارة الداخلية.. فهلاَّ رأينا ما يسر بال هذا الطالب وأسرته المكلومة..؟!