شعور غريب كان ينتابني يشدني للوراء جعل خطاي تتثاقل نحو سلم الطائرة المتجهة للرياض في رحلة العودة، لا أعرف لذلك سببا لكنها جملة أحاسيس أجد من الصعب تمييزها، هل السبب أنى تركت من أحبهم خلفي وأغار عليهم حتى من نفسي أم أن الارتباط الأسرى الصغير والكبير هو السبب. قد يكون السبب هو الأعمال التي تركتها نصف منجزة لأن إنجاز العمل في السودان دائما يرتبط ببكره. بكره كلمة تستهلك الأيام دون إنجاز عمل يذكر. بكره تمثل المستقبل القريب لليوم الذي نحن فيه فهي وعد يجد القبول وليس الرفض، لكننا ننسى أن بكره هي وعد الأمس لنفس اليوم الذي نحن فيه. بكره لا ترتبط بساعة أو دقيقة أو ثانية مما يعنى أن إنجاز الوعد قد يكون الساعة الواحدة صباحا أو الثانية عشرة بعد منتصف الليل. ولو ارتبطت بكره بالساعة والدقيقة لسقطت وأضحى الوعد محددا باليوم والساعة والدقيقة بديلا لكلمة بكره. ولأن إنجاز الأعمال يعتمد بعضها على بعض، مثلا تحضير الأرض يسبق الزراعة والري، فإن الاعتماد على بكره في تحضير الأرض قد يفسد الموسم الزراعي كله. الاعتماد على كلمة بكره هو مدخل للتقاعس عن أداء الواجب والإهمال في إنجاز العمل وفى نهاية المطاف قد تجرد صاحبها من الصدق في القول والوفاء بالوعد والصبر على المشاق والإخلاص والمثابرة والكد والجد فى العمل. اعتماد يأجوج ومأجوج على بكره أخر إنجازهم في إكمال حفر السد إلى يومنا هذا. وهذا سبب كاف يجعلنا لا نربط أعمالنا ببكره حتى لا نوصف باليأجوجيين فى إنجاز العمل. قديما قيل الوقت من ذهب إن لم تلحقه ذهب، والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك لأنه يمضى دون رجعة. الوقت يرتبط بكسر من الثانية ولو ارتبط بمجرد بكرة لاختلت المواعيد فتجد الناس تقف في طوابير في انتظار أن يفتح متجر أو تقلع طائرة، ولاختلفت علينا حتى مواعيد الصلاة. تقييم العمل والعائد منه يقاس بالوقت. مثلا إنشاء طريق في شهر أفضل من إنشاء نفس الطريق بذات العدة والمعدات في شهرين وربح جنيه واحد في اليوم أفضل من ربح مئة جنيه من نفس العمل في سنة. سئل أحد أثرياء العالم عن مكسبه من أعماله فأجاب: المكسب قبل أم بعد السؤال. ذلك يعنى قيمة الثانية في حساب الوقت. هذه الإجابة قد تصيب بخيبة أمل المستثمرين في مشروع سندس الزراعي الذين ماتوا لأكثر من مرة في انتظار العائد، أى مات المستثمر فالوريث فالوريث في انتظار العائد. تقدم الأمم يقاس بدرجة اهتمامها بالوقت. الآن بالاعتماد على الشبكة العنكبوتية ووسائل الاتصال الأخرى أصبح من الممكن أن تجرى معاملة بنكية في دولة وأنت في دولة أخرى في أقل من دقيقة فما بالك بالذي يستقل المواصلات من الكلاكلة اللفة ليصل فرع بنكه في السجانة و يكتشف أن المعاملة لا تتم إلا في حسابه الأصلي بفرع المقرن. الإهتمام بالوقت لا يقتصر على فئة دون فئة بل هو واجب على الكل تجب على من أهدره المحاسبة لأنه من غير المعقول أن تجبر من أستقل تاكسيا ليصلك في دقائق معدودة الانتظار لعدة ساعات حتى تنجز له مهمته. قبل عقدين من الزمان، عندما وطأت قدماى أرض بريطانيا لأول مرة كنت حينها في لندن، قرأت إعلان عن كورس بعنوان: كيف تصنع و تشترى الوقت- How to Make and Buy Time» ». كان فضولي أن أحضر هذا الكورس لأن الصناعة والبيع والشراء عندي هي للسلع وليس للوقت. العجيب في الأمر أنه و لمدة ثلاثة أيام متتالية لم ترد كلمة بكره «Tomorrow » على الإطلاق لكننا ما زلنا نربط كلمة بكره بالوقت و نضيف عليها ربنا يحيينا لنجعلها أكثر قبولا. فهل لنا أن نعلم أنفسنا و أجيال المستقبل صناعة الوقت لأنه غالى وكلفة إنتاجه قليلة فهو لا يحتاج إلى مواد خام و ماكينات وعمال، لكن بكل تأكيد سنبيعه بثمن أغلى من الذهب وسيجعلنا في مصاف الدول المتقدمة. ولكل من صبر على قراءة مقالي هذا كل الشكر. [email protected]