كنت أريد نشر مقالة بعنوان «عملة سودانية موحدة»، وقد انتهيت من كتابتها بالفعل، لكن نظرا لإلحاح الموقف، تُعطى هذه المقالة الأولية القصوى وهي بحاجة لأن تؤخذ بعين الاعتبار. دعوني أبدأ بالقول بأن الوضع السياسي والاقتصادي المتوقع في السودان سيكون كما يلي في غضون الشهرين إلى الثلاثة أشهر القادمة: ويمكنني توقع أن نفس السيناريو الذي حدث في العراق سيحدث في السودان. أولاً، ستزيد الحكومة الأمريكية من الضغط السياسي وتختلق مبررات ملفقة مختلفة لزيادة الضغط على السودان مثلما فعلت في العراق، وبعد ذلك يُتوقع أن تقوم الحكومة الأمريكية بدعم حرب أهلية أو مهاجمة الخرطوم من قبل القوات العسكرية الأمريكية. ما يمكن أن يحدث في السودان هو أنه بدلاً من قيام الشيعة بإعدام صدام حسين في العراق، ستعطي الحكومة الأمريكية لحكومة جنوب السودان وأعضائها أو حتى فصائل الحرب بدارفور الفرصة لإنفاذ كراهيتها ضد الرئيس البشير. وهذا هو الشيء الذي لا يمكننا قبول حدوثه، بغض النظر عن كثرة الخلافات السياسية أو الشخصية الموجودة في السودان. سيتم بالتأكيد التأثير في الانتخابات القادمة عن التدخل الأجنبي بما في ذلك الفوضى السياسية الداخلية. ولن تكون النتيجة سوى إراقة الدماء وهو ما لا يحتاجه السودان. أسوأ ما في الانتخابات القادمة في السودان هو التدخل الأجنبي المعتاد والمبرر الأجنبي غير الأخلاقي المتمثل في لجنة المراقبة الدولية. ويعتبر جيمي كارتر عنصرا آخر للتدخل الأجنبي الذي دائما ما يقدم نفسه باسم لجنة المراقبة لضمان النزاهة والديمقراطية في عملية الانتخابات. وهذا هو التدخل الأجنبي الأسوأ والأكثر إهانة الذي ينبغي عدم قبوله من جانب الحكومة السودانية. لقد أخفق جيمي كارتر بصفته رئيسا أمريكيا عندما خسر الانتخابات أمام رونالد ريجان «الممثل». ويعتبر كارتر مسيحيا متعصبا ولديه مهمة واحدة فقط وهي نشر المسيحية وإفساد المسلمين. وينبغي عدم قبول الولاياتالمتحدةالأمريكية وتدخلها المعتاد في البلدان الأخرى أو التسامح معه، لأن السودان ليس أمريكيا والولاياتالمتحدةالأمريكية هي آخر بلد ينبغي أن يُسمح له في التدخل في القرارات الخاصة ببلدنا. وإذا كان الوضع يقتضي السماح لأي بلد أو بلدان بالمشاركة في المراقبة على الانتخابات، فإن ذلك يقتصر فقط على البلدان العربية والأفريقية لأننا نشترك في نفس الحضارة، والعادات والمصالح الجيوسياسية. هل تعتقدون حقا أن الحكومة الأمريكية تبني «في السودان» واحدة من أكبر السفارات في أفريقيا والشرق الأوسط فقط لمجرد الاستعراض؟ لا، وهدفهم الحقيقي هو إعطاء السلطة الكاملة لجنوب السودان على كل مناطق السودان وإقصاء الإسلام أو على الأقل حصر الإسلام في أقلية من المجموعات والسكان في السودان. وقد برهن تاريخنا على أننا بلد للتعايش السلمي قبل بدء التدخل الأجنبي في السودان قبل استقلال السودان. لهذا فإن التدخل الأجنبي يعني شيئا واحدا فقط وهو الحرب الأهلية. إذا قامت الولاياتالمتحدة بإشعال حرب أهلية في السودان، فسوف يؤدي ذلك إلى التخلص من غالبية المسلمين. وهذا هو هدفهم، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يواجه السودان. وينبغي على البلدان الغربية الاهتمام ببلدانها. لا تنسوا أن الخطة الصهيونية هي السيطرة وامتلاك الأرض بما عليها بين نهر الفرات ونهر النيل. والعراق الآن تحت سيطرتهم الكاملة. لماذا؟ لأنهم يسيطرون الآن على الحكومة الحالية في العراق. وقام الصهاينة بإعادة اليهود العراقيين المقيمين في إسرائيل إلى العراق. وتم إعطاء هؤلاء اليهود العراقيين جوازات سفر عراقية من قبل الحكومة العراقية الجديدة. وقامت الحكومة الإسرائيلية بتزويد هؤلاء اليهود العراقيين بما يكفي من الأموال لشراء أكبر قدر ممكن من الأراضي والعقارات في العراق. وكان هناك مصدر آخر لتوفير الأموال وهو «بريمر»، المعين من قبل الولاياتالمتحدة والمسمى ب «حاكم» بغداد خلال المرحلة الأولى من احتلال العراق. وهذا مجرد مثال صغير على ما حدث بواسطة اليد الصهيونية الخفية منذ سقوط صدام. إذا كنتم تذكرون، فقد تم استدعاء «بريمر» إلى جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأمريكي في واشنطن، عندما عُرف أن 12 مليار دولار نقدا قد تم إرسالها إلى العراق عن طريق حمولة عسكرية أمريكية. وقال بريمر بأنه لو كان يعلم بوجود مثل هذا المبلغ في العراق، لما سمح بتوزيعه. والآن أي غباء يراه في أعضاء مجلس الشيوخ وأي غباء يراه في الشعوب. على أية حال، تم إرسال 12 مليار دولار إلى العراق بحجة عدم وجود نظام مصرفي في منطقة الحرب بالعراق، وقام اليهود العراقيون القادمون من إسرائيل خصوصا لهذا الغرض بشراء كمية لا تُصدق من الأراضي والعقارات. وبالطبع تم استخدام ال 12 مليار دولار هذه لتمويل أجندات أخرى. لا تنسوا أن الحكومة الأمريكية يمكنها طباعة ما تشاء من الأموال عند يتعلق الأمر بدفع رواتب العسكريين العاملين لديها. إنها مجرد ورق ولديها الطابعة. كيف يقومون حسب اعتقادكم بدفع رواتب الموظفين العسكريين؟ ومَنْ الذي حتى ستكون لديه القدرة على سؤالهم عن ذلك؟ لا أحد. هل تعتقدون أن الحكومة الأمريكية لا يمكنها إصدار الأمر لقواتها المسلحة بمهاجمة السودان دون أخذ الإذن من حلفائها أو حتى الأممالمتحدة؟ بالطبع يمكنها القيام بذلك، ولا تستطيع أية حكومة في العالم منعها من ذلك. انظروا إلى العراق الآن: فوضى اقتصادية كاملة ولا يوجد حل في الأفق. هل تعتقدون أن الحرب في العراق والوضع الحالي كان صدفة وليسا حربا خطط لها جيدا؟ فقد تم اختلاق هذه الحرب لإفساد الشعب العراقي وتدميره والاستيلاء على بلده. ويحتاج العراق على الأقل ل 30 عاما ليبدأ العيش في مجتمع اقتصادي طبيعي. ما سبق هو وضع الانتحار السياسي الذي يمكن أن يكون فيه السودان إذا لم يقم البشير وحكومته باتخاذ بدائل سريعة جدا وصحيحة لأجندتهم السياسية. وهذا هو السبب الذي دعاني في مقالتي الأخيرة لأكتب أنه من الأفضل للبشير التقاعد كرئيس. ولم يكن القصد من ذلك أي ازدراء بالرئيس، ولكنه البديل الأفضل لإنقاذ كل السودان وإبقائه موحدا. يجب على الرئيس التفكير في هذا الأمر بجدية وقبول هذا الاقتراح، لأن الحكومة الأمريكية لن توقف ضغطها السياسي إلا بعد أن يُؤخذ الرئيس البشير إلى المحكمة في لاهاي. لهذا فإن أفضل طريقة بالنسبة لنا نحن الشعب السوداني لتجنب مثل هذا الهجوم الأجنبي هي الاشتراك في تقديم حل سياسي بديل لرفاهية كل السودان. وخلاف ذلك، يمكننا توقع حدوث اضطراب اجتماعي على مستوى الوطن الذي من المرجح أن يؤدي إلى إراقة الدماء. يعتقد الرئيس البشير على الأرجح بأنه لا يُمس عندما يتعلق الأمر بأي غزو أمريكي في السودان. والحقيقة هي أنه إذا قررت الولاياتالمتحدة إرسال طائرتين إف 16 لقصف جميع المواقع الحساسية الخاصة بالحكومة، فسوف يفشل نظام الدفاع لدينا في التصدي لها، لأن هذا النظام ضعيف للغاية لدرجة يتعذر عليه شن حرب ضد القوات العسكرية الأمريكية. هل تعتقدون أن الرئيس محمد حسني مبارك سيكون قادرا على الدفاع عن السودان إذا اتخذت الولاياتالمتحدة قرار الحرب ضد السودان؟ لا، لن يكون قادرا على ذلك، بل سينتظر بالتأكيد حتى تصدر الولاياتالمتحدة تعليماتها له بالتحرك أو بالهدوء حسبما ترغب الولاياتالمتحدة. عُقدت اجتماعات كثيرة بين مسؤولي الحكومة الأمريكية ومسؤولي الحكومة بالسودان. ومن بينها اجتماعات مع وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية الأمريكية على مدى الأعوام الماضية. ولم يتم التوصل إلى نتائج إيجابية حقيقية في هذا الموضوع، وبخلاف ذلك لم يكن هناك مثل هذا الضغط الأمريكي المتزايد على السودان. وأفضل حل ممكن هو عقد اجتماع طارئ يشمل تأجيل الانتخابات القادمة حتى تاريخ لاحق، والأفضل أن يكون في سبتمبر أو حتى نهاية أكتوبر 2010م، ولن يتحقق الموضوع المسمى بالديمقراطية ولن يحصل الشعب على جميع الحقوق الديمقراطية التي يتطلع إليها، طالما أعطيت الفرصة لأحزاب سياسية معينة للمشاركة في الانتخابات. وينبغي علينا فقط دراسة وقبول أحزاب سياسية جديدة للمشاركة في الانتخابات. إن الأحزاب والمرشحين السياسيين الذين ينبغي عدم السماح لهم بالمشاركة في أية انتخابات مستقبلية هي تلك الأحزاب التي يقودها الصادق المهدي، حسن الترابي، محمد عثمان الميرغني وإبراهيم نقد. إن هذه الكيانات السياسية وأحزابها السياسية لم تحقق شيئا سوى الإخفاق السياسي والاقتصادي في السودان. وقد جاءت الحكومة الحالية في السودان إلى السلطة بواسطة الترابي واتصالاته الخارجية، وهي المخابرات البريطانية المدعومة من السلطة الأمريكية والممولة من آل سعود بالمملكة العربية السعودية. ملاحظة: المملكة العربية السعودية هي البنك الذي يدفع نفقات البرامج الجيوسياسية الأمريكية في الشرق الأوسط وأفريقيا. عندما أعلن النميري قوانين الشريعة في عام 1983م، كان ذلك بمثابة الوقت المناسب لإخراجه من السلطة، لأن ذلك بالضبط هو ما قام الترابي بفعله. وتم اقتراح مبلغ 500 مليون دولار كتعبير عن الشكر من المملكة العربية السعودية للنميري مقابل تفعيل قوانين الشريعة في السودان. ولم يكن النميري يعلم أن هذا المال كان للتخلص منه وجلب حركة الإخوان المسلمين. وتم تحويل الأموال من خلال بنك فيصل الإسلامي في المملكة العربية السعودية إلى بنك فيصل الإسلامي في الخرطوم الذي حتى اليوم يخص حركة الإخوان المسلمين. ودون ضوء أخضر من الولاياتالمتحدةالأمريكية، لا يمكن لأي بنك على الأرض أن يحول مبلغ 500 مليون دولار من خلال النظام البنكي الدولي، لأنه أولاً يحتاج ترخيصا من بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، وأيضا بنك التسويات الدولية في سويسرا. وجاء الصادق المهدي إلى السلطة كخطة سياسية محكمة التخطيط التي تم إنجازها بنجاح باتفاق مشترك مع حسن الترابي. وكل من هذه الإخفاقات السياسية الكارثية لم تحقق شيئا الا الدمار الاقتصادي الوطني، ومصلحتها المشتركة معروفة باسم الزواج السياسي. والصادق المهدي هو فعليا من الإخوان المسلمين في الفكر والاعتقاد، وليست له أية علاقة مع أصول اعتقاد الأنصار، وهو الصوفية بشكل فعلي. وكان من المفترض أن يكون الإمام الفعلي للأنصار بعد وفاة الإمام عبد الرحمن المهدي ولده يحيى عبد الرحمن، لكنه توفى في حادث تصادم سيارة مأساوي. وكان الشخص المفترض أن يتولى القيادة بعد وفاة يحيى هو شقيقه أحمد عبد الرحمن المهدي، لكن هنا مرة أخرى كانت هناك أجندات خادعة، وكانت تعمل على تهميش أحمد عبد الرحمن المهدي. ومن المعروف جيدا لجميع الشعب السوداني ما الذي أنجزه الصادق حتى هذا التاريخ للسودان «لا شيء مفيد للشعب السوداني». الكلمتان الوحيدتان اللتين سمعناهما من الصادق على مدى أربعين عاما هما «الديمقراطية» و «أنا أعتقد». والصادق لا يؤمن بالديمقراطية ولا يمكن لأي قائد سياسي أن يحكم بكلماته المشهورة «أنا أعتقد». وهذا يسيء إلى ذكائنا نحن الشعب السوداني. نحن جميعا يمكننا ان نعتقد، لكن ما نحتاج فعله هو تقديم وتفعيل حلول حقيقية للشعب السوداني. ما حدث في السودان على مدى ال 45 عاما الماضية من حسن الترابي والصادق المهدي هو لا شيء سوى السياسة المسرحية الزائفة. هل نحن الشعب السوداني ما زلنا نراهن على حزب أو قائد سياسي فاشل؟ لا، نحن لا نراهن على ذلك ولن نقبل بهذا. نواصل