بدأت صناعة السكر في السودان في اوائل الستينيات بسكر الجنيد، حيث اقنعت الحكومة مزارعي المنطقة بزراعة قصب السكر للمصنع بطاقة ستين ألف طن.. وبعد ذلك ظهرت المصانع اللاحقة في عهد مايو، وهي مصانع حلفاالجديدة، سنار، وعسلاية، وكلها بطاقات لا تتعدى المائة وعشرة آلاف طن بالنسبة للمصنع الواحد.. وبالطبع لم تكن تكفي للاستهلاك السنوي.. ثم جاء امبراطور صناعة السكر «لونرو» من جنوب افريقيا ليقنع الحكومة بأن السودان صالح تماما لصناعة السكر.. وعليه فقد دخل في شراكة مع حكومة السودان ورأسمال عربي، حيث تم انشاء مصنع سكر كنانة بتكلفة ستمائة مليون دولار، وبذلك اصبح المصنع الاكبر في المنطقة بطاقة كلية بلغت ثلاثمائة الف طن.. وصلها المصنع بعد سنوات من الإنشاء في عام 6791م.. وفيما بعد انسحب «لونرو» بعد ان واجه المصنع عدة مشكلات.. وظل حتى بداية التسعينيات يبيع سكره للحكومة دون ان يقبض شيئاً.. وفيما بعد تم اتفاق مع ادارة المصنع على اعطائها اعفاءات من الضرائب والجمارك لعدد من السنوات أغضبت مدير الضرائب الاسبق عبد القادر محمد أحمد وجعلته يستقيل.. ولكن الحكومة لم تأبه به. وفي أوائل التسعينيات كانت البداية الحقيقية لمصانع شركة السكر السودانية وشركة سكر كنانة بهذا الاتفاق الذي ذكرناه.. أما شركة السكر السودانية فقد مرت بنفس المأزق مما جعل مصانعها تتدهور في فترة الثمانينيات. وقد أتاحت لها الحكومة قرضا بثمانين مليون دولار لتأهيل تلك المصانع تحت اشراف، لجنة برئاسة د. سوار الذهب المدير الاسبق لمعهد تطوير الادارة.. ولكنها لم تنجح تماما في تأهيل تلك المصانع بسبب عدم تمكنها من السيطرة على ايراداتها، حتى تستطيع ان تستعد لكل موسم بالعملات الصعبة لقطع الغيار وغيرها. في اوائل التسعينيات تمكنت الشركة من السيطرة على مواردها، وبدأت عهدا جديدا في الانطلاق نحو الامام.. وأصبحت ترتفع بانتاجها سنة بعد اخرى متجاوزة الطاقة القصوى لمصانعها حتى وصلت بها الى ثلاثمائة وستة وخمسين ألف طن.. معتمدة على مواردها فقط، وتحقيق موارد اضافية كانت تذهب للحكومة ضمن عائداتها من مؤسساتها العامة.. هذا النجاح الذي جاء أخيراً أغرى الحكومة بالدخول في مصنع النيل الأبيض.. وكان في البداية مشاركة بين الولايات والحكومة.. ولكن عندما تلكأت الولايات في الوفاء بالتزاماتها اتجهت الحكومة للتمويل الخارجي. وقد استغرق ذلك سنوات طويلة حتى أصبح الآن حقيقة ماثلة، ومن المؤمل ان ينتج العام القادم بطاقة قصوى قدرها اربعمائة وخمسون ألف طن، متجاوزا طاقة سكر كنانة.. ولكن بالطبع لن يبدأ بتلك الطاقة منذ العام الأول كما يعتقد البعض. إن صناعة السكر ليست بالسهولة التي يتحدث بها البعض.. والمصانع الآتية في الطريق التي ذكرها وزير الصناعة، تحتاج الى سنوات طويلة اذا توفر التمويل اللازم والمياه التي اصبح التنافس عليها شديدا.. حتى مياه الشرب.. فهل من المعقول ان تذهب للسكر الذي يحتاج الى كميات كبيرة؟! واسألوا وزير الصناعة الاسبق الدكتور بشير عبادي استاذ الهندسة بجامعة الخرطوم قبل أن يكون وزيرا. ويأتي سكر النيل الابيض لينتج بعد ثلاثين عاما من آخر مصنع انشئ في السودان وهو سكر كنانة.. لذلك أرجو ألا ننتظر ثلاثين عاما أخرى لنرى مصنعا آخر؟! إن صناعة السكر في السودان تحتاج الى واقعية، وليست خيالاً يذكره البعض اليوم ثم ينساه غداً؟!