ضحك الحاضرون لما قال رئيس مجمع اللغة العربية بالخرطوم بروفيسور علي أحمد بابكر وهو يقدم الجزء الأول من معجم ( الإحسان فيما ينطق به اللسان ) .. إنّ هذا الجزء قد أاستغرق إنجازه أربع سنين والمعجم مكون من ثلاثين جزءاً فلو مشينا على هذه الوتيرة لأنجزنا آخر جزء منه بعد مائة وعشرين سنة ! واستمر قائلاً إنه لا بأس من ذلك .. ودعونا نورط الأجيال القادمة في هذا العمل النافع المجيد. وسأل أعضاء المجمع أنفسهم قبل أن يسألهم الناس: لماذا يكتب السودانيون معجماً... والمعاجم كثيرة ..وما هي الإضافة التي سيضيفها المعجم السوداني وبالمكتبات معاجم العين ولسان العرب وتاج العروس ومعاجم أخرى قديمة وحديثة لا تحصى؟ فكانت الإجابة عندهم هي: إن الجديد في تأليف معجم بالسودان هو تأليف معجم بالسودان. ولعل ّذلك معناه إنّ تأليف المعاجم وهو تأليف من العيار الثقيل هو أنّ الأمة السودانية قد انتقلت من مرحلة الشفاهة إلى مرحلة التأليف الخفيف وهي الآن في مرحلة التأليف الثقيل ... فلا يعرف في تاريخ السودان الحديث تأليف من هذا القبيل إلا كتاب المرشد في فهم أشعار العرب لبروفيسور عبد الله الطيب وكتاب القبائل والأنساب وقاموس العامية لبروفيسور عون الشريف قاسم وهذا نوع من العمل الشاق الدقيق الرصين الذي يحتاج إلى جَلَد وصبر ومثابرة وجلوس على منضدة الدرس طويلاً. أسموه معجم ( الإحسان فيما ينطق به اللسان ) وأراهم كأنهم يريدون أن يستدركوا ما فات السودان من أسماء المؤلفات المسجوعة التي كانت في الحواضر العربية والإسلامية في الزمن الماضي ...وقد قال لي أستاذ كبير مهتم بالشأن اللغوي جداً : إن هذه السجعة سجعة باردة ولو اكتفوا بأن أسموه قاموس الإحسان لكان ذلك وافياً وأجدى وأروج وأقرب لروح العصر. وقد اطلعت على المعجم فوجدت فيه خاصية سودانية وهي أن المجمع جعل علامة (??) لتدل على الكلمة المشروحة المستعملة في العامية العربية السودانية وقد سرني ونحن مقبلون على رمضان أنّ كلمة (آبري) واحدة من تلك الكلمات فسرت بأنها : ( نوع من الكسرة داكن الحمرة شديد الحموضة، يصنع في شكل رقائق، ينقع ويشرب ماؤه، ويستعمل في أغلب أنحاء السودان، وارتبطت صناعته بشهر رمضان ). ولعلهم يضيفون في الطبعة القادمة أن هذا الذي شرحوه هو الآبري الأحمر وهنالك الآبري الأبيض يحتاج إلى شرح آخر... وأراهم متى ما تهيأ لهم سيتكلمون في حرف الدال عن الدلكة، وفي حرف الذال عن الذريرة ، وفي حرف الحاء عن الحُق، وفي حرف الخاء عن الخُمرة...وهلمجرّا. لفت نظري أيضاً أن كلمة ( كب ) التي يقولها الشخص يتشجع بها على القيام في العامية السودانية هي كلمة فصيحة. الطباعة فاخرة وعلى نسق المطبوعات ذات القيمة العالية وطبعت بمطابع السودان للعملة...تمنيت لو أن الصور المصاحبة لشرح الكلمات كانت أوضح... ولعلّ ذلك أن يستدرك فيما بعد. وددت لو أن وزارة التعليم العام كانت حاضرة إذ قد حضر وزير الدولة بالتعليم العالي فقط والإشارة فيما فهمت أن المجمع يريد من التعليم العالي أن يتبنى المعجم وهذا حسن وجميل ولكن سينتشر هذا المعجم أكثر لو تبنته وزارة التعليم العام خاصة وأن هناك إتجاهاً عاماً قوياً للتركيز على مكتبات المدارس والمكتبات العامة. شكراً مجمع اللغة العربية بالسودان. وشكراً بروفيسور علي أحمد بابكر وشكراً بروفيسور يوسف الخليفة أبوبكر وشكراً لجان معجم الإحسان. نشكركم لأنكم جعلتم لنا قاموسًا فيه ذكر هذه الأمة السودانية المجيدة.