حل علينا شهر كريم مبارك هو شهر رمضان المعظم وهو الشهر الذي انزل فيه القرآن حيث تعمر المساجد خلاله بتلاوته والاكثار من ترتيله وختمه عوضاً عن بقية الاذكار والحالات الروحانية المتعددة التي تتخلله والمناسبات الجليلة الشأن كذكرى بدر الكبرى وليلة القدر . وشهر رمضان في السودان له طعم ولون ورائحة فطعمه يتمثل في كثرة الطعام وتدفقه في بطون الجياع بلا من ولا اذى ولونه لون الكرم الحاتمي القديم حينما تكثر فيه الدعوات من الجميع للجميع ويتبارى فيه الكثيرون أيهم ينال أجر إفطار اكبر عدد من الصائمين، أما رائحته فهي رائحة الجنة والخصال الجميلة الاصيلة حينما تبرز فضيلة التسامح والعفو ويتحاشى الكثيرون التورط في اي عمل يجرح الصوم او يسبب الاذى لعباد الله . ولرمضان في العالم العربي والاسلامي نكهة خاصة ومظاهر جمالية متعددة واكلات ومشروبات شعبية مميزة ولذلك الجميع يحبونه ويعظمونه ويستعدون له كامل الاستعداد ويستقبلونه بالحمد ويصاحبونه بالاستغفار وطلب الرحمة ثم يودعونه بالاستيحاش وطلب القبول ممن لا يقبل لديه الا العمل الطيب ، ومن مظاهر رمضان انه تكثر في القنوات العربية تلاوة القرآن بدلاً من البرامج الاخرى وتقل فيه فترات بث المواد غير المستحبة . ومن مظاهر الجمال في السودان خلال شهر رمضان انك ترى الناس يخرجون في اغلب الاحياء الشعبية بموائدهم خارج الدور السكنية ليصطادوا بها اجر افطار صائم ما حبسته المواصلات عن الوصول الى بيته او عابر سبيل او حتى مترصد لموائد الصائمين المفرودة في رمضان بعد ان عز الكرام اصحاب الموائد الممدودة طوال شهور العام واصبحوا مثل عملة نادرة اندثر رسمها وغاب بريقها ، ان رمضان موسم يحث الكثيرين على السير بسير اهل الكرم الاولين ممن قال فيهم الشاعر الصوفي : إن لله عباداً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا جربوها فلما علموا انها ليست لحي وطنا جعلوها لجة واتخذوا صالح الاعمال فيها سفنا ولذلك اهلكوا اموالهم في طلب المكارم ولم يكنزوه ابداً لغلبة العلم لديهم بانهم فانون وان المال لن يبارح مكانه في الخزائن والحسابات البنكية حينما يجد احدهم نفسه ذات يوم على آلة حدباء محمول وانه ربما لن يجد الفرصة في ان يوصي عوضاً عن ان يصرف المال على وجوهه المشروعة . ومن مظاهره انك ترى الناس رجالاً ونساءاً واطفالاً وشيوخاً يحرصون اشد الحرص على صلاة التراويح في جماعة فتعمر المساجد ويكثر التهليل وعديد الاعمال الصالحات التي نتمنى ان تكون خالصةً لوجه الله وطاهرة مطهرة من الدنس والارجاس . ومما يحكى عن الأولين الذين كانوا يعشقون الشهر الفضيل انهم كانوا اذا أطل شهر رمضان حرموا على انفسهم كافة الملذات واستغرقوا في الشعور بالجوع والعطش عسى ولعل ان يحسوا بما يحس به الفقراء والمساكين فذلك شعور نبيل وجميل تسلبه الايام من اصحاب المال والدثور وتترك للشيطان العظم واللحم فيفعل بها ما يشاء . اللهم وفق المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات على صوم نهاره وقيام ليله واعده من قابل والمسلمين في مشارق الارض ومغاربها ينعمون بالكرامة والعيش الكريم .