في زمنه الثاني «حاطب الليل» الصادر عن دار جامعة الخرطوم للنشر في عام 1988م، يستوقف الناقد نص «النديم» بدلالاته الايحائية والمعرفية العميقة.. وقتها كان الشاعر عبد الله شابو قد خلع للتو سرابيل زمنه الاول «اغنية لانسان القرن الحادي والعشرين آفاق السعد» حيث كان يعتقد أن جيله الستيني الفريد باني النهضة الحديثة ورافع الشعارات الايديولوجية البراقة مؤهل لتغيير العالم بأحلامه المثال: من ثقب الشباك تداعى صوت شهقة موسيقى والصمت يعرش في أرجاء البيتْ ما اقسى ان تعرف لكن لا تقوى ان تفعلْ ان تدرك ان الوقت يمر ولا توقفْه فارغة فارغة كأسي والليل طويل وتعجُّبُ الشاعر مع جودته قلل من قيمته الفنية وقوفه بالسكت في حرفي الفاء والهاء عند قوله: «ولا توقفه» لما في الوقف بالسكون عند هذين الحرفين من ايقاع موسيقي أخاذ يطرب له القلب وتنتشي له افراح الروح، على انه تضمن لحنا سافرا في باب النحو يخالف «كتاب» سيبويه مخالفة صريحة، اذ ان لا النافية لا عمل لها في الاعراب والمضارع بعدها مرفوع لتجرده من الناصب والجازم، بيد ان اداءه يرتفع مرة ثانية... ثانية يرتفع النبر: فارغة فارغة كأسي والليل طويل ومع ان معنى «الليل طويل» معنى مطروق في ذاكرة الشعر العربي منذ امرئ القيس.. مطروق في «قربان» المجذوب «1919 1982م» الليل طال وسافرت دهور حتى رأت وجهين للقمر والقارظ العنزي آب بعد أن مضى بلا إياب وما رأيت وجهي الآخر في السفر إلا أن شابو قد استطاع أن يحسن التداعي وان يستثير الشجن وهو يرفع عقيرته بالغناء: فارغة فارغة كأسي والليل طويل و«النديم» عند شابو ينصب بلا زمن او ايقاع، فالايقاع زمن، و«الزمن شيء نسبي» سبق اليه حجة الاسلام أبو حامد الغزالي «450 505 ه» قبل ان يهتدي ألبرتو اينشتاين الى نظريته النسبية بقرون خلت من الزمان أن تأتي عفو الخاطر تنصب بلا زمن أو إيقاع فلأن تعاساتي نهر طام ولأني في القاع أعمى يتلمس جدران الأشياء نفسٌ ملتاع ملتاع أجاد الشاعر نحويا وعروضيا في صورة تشبيهه البليغ تعبيراً عن خيبته وانتكاسة جيله الحُلم: «فلأن تعاساتي نهر طامٍ» حيث حذف الياء في اسم الفاعل «طام» للتخفيف، وعوض عنها بالتنوين، ولعلك في السطر الشعري: أعمى يتلمس جدران الأشياء تُصغي بعين الفيتوري: غيري أعمى مهما أصغى لن يبصرني والصورة عند شابو كما عند صديقه الشاعر المسرحي المربدي الراحل عبد العزيز سيد احمد متكئة على جسر التأويل: الشجر الساهم مخطوف الرؤيا والرسم الماثل في الحائط مختل الأضلاع بَهَتَ اللون المحشود على وجه الصورة جذع خاوٍ يتمدد في أعماق التكوين المنخورة ولا مسوغ ثم لاسم المفعول، فالماضي «نخر» لازم ضربة لازم.. وفي «الجامع لأحكام القرآن» يفسر الامام ابو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري الخزرجي الاندلسي القرطبي «ت. سنة 176ه» «أءِذا كنا عظاما نخرة» النازعات «اي بالية متفتتة. يقال: نخر العظم بالكسر: اي بلى وتفتت، يقال: عظام نخرة. وكذا قرأ الجمهور من أهل المدينة ومكة والشام والبصرة، واختاره ابو عبيد، لأن الآثار التي تذكر فيها العظام، نظرنا فيها فرأينا نخرة لا ناخرة. وقرأ ابو عمرو وابنه عبد الله وابن عباس وابن مسعود وابن الزبير وحمزة والكسائي وابو بكر «ناخرة» بألف، واختاره الفراء والطبري وابو معاذ النحوي لوفاق رؤوس الآي. وفي الصحاح: والناخر من العظام التي تدخل الريح فيه ثم تخرج منه ولها نخير. ويقال: ما بها ناخر، اي ما بها أحدٌ. حكاه يعقوب عن الباهلي. وقال ابو عمرو بن العلاء: الناخرة التي لم تنخر بعد، اي لم تَبْلَ ولا بد أن تنخر. وقيل: الناخر المجوفة. وقيل: هما لغتان بمعنى كذلك تقول العرب: نخر الشيء فهو نَخِرَ وناخر كقولهم: طَمِعَ فهو طَمِعٌ وطامع، وحَذِرٌ وحاذر، وبَخِلٌ وباخل، وفرهٌ وفاره، قال الشاعر: يظل بها الشيخ الذي كان بادنا يَدِبُّ على عوج له نخرات ولأن الشيء بالشيء يذكر فلقد عجب دهقان العربية بروفيسور عبد الله الطيب «1921 2003م» في نقده لوافريات المعاصرين من الجزء الاول في «المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها» من أن يجسر شاعر مثل الياس قنصل في ان ينشر شعره وقد تضمن لحنا فاحشا في مثل استخدام المصدر «نخْراً» ومن المعلوم بالضرورة ان الماضي «نخر» من مثل قولك «نخر العظم» لازم لا يتعدى الى مفعوله، فكيف بالله عليك يرد له مفعول به، او مفعول مطلق، او اسم مفعول؟