نشطت الحكومة فى الآونة الأحيرة فى تكثيف و تركيز جهودها السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الإعلامية لإنقاذ الوحدة بين شطرى الوطن و بعد أن تبقى لإستفتاء جنوب السودان بضعة أشهر لا تكفى لإنجاز كل ما يجعل الوحدة خياراً جاذباً للإخوة الجنوبيين .شبه كثيرون ما تقوم به الحكومة من جهد مكثف هذه الأيام بمذاكرة تلميذ كسول أهمل دروسه منذ بداية العام و حينما أحس بخطورة موقفه بدأ فى الإجتهاد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. إستفتاء الجنوب حق أصيل للإخوة الجنوبيين فى إتفاقية نيفاشا الموقعة قبل حوالى ستة سنوات كان ما كان خلالها من خلافات بين شريكيها حول تفسير و تنفيذ بنودها مما جعل الطرفين يغفلان عن أهم بنودها ذلك المتعلق بالوحدة الجاذبة بين شقى الوطن. لقد إنصب تركيز الطرفين على إستخلاص المكاسب و حراسة بنود الإتفاقية من الإنتهاك بواسطة الطرف الشريك.الناظر لإتفاقية نيفاشا يجد أنها وضعت الأساس لتقسيم السودان إلى شمال و جنوب على أسس مادية و محاصصات مما أفرز وضعاً لا يمكن أن يؤدى إلى وحدة بين الطرفين خاصة وأنهما أبعدا الأطراف الأخرى عن المشاركة و الإقتراب منهما مما كان سيجعل المشاركة الجماعية ستؤدى إلى تخفيف غلواء الإختلافات و المشاكسات مما يؤدى فى النهاية إما إلى الوحدة الجاذبة أو الجوار الحلو بين شطرى الوطن. بعيداً عن الخلافات حول بنود الإتفاقية كانت هنالك أصوات نشاز تستغل أبسط خلاف لتزرع به بذور الفتنة بالإضافة إلى تصريحات بعض المسئولين من الطرفين المتفلتة التى تنسف أى جهد يصب فى إقتراب الطرفين من بعضهما. لقد قال رئيس المجلس الوطنى مرة "إننا سنجعل الإستفتاء صعباً عليهم" مما أثار حفيظة منتسبى الحركة الشعبية و زاد شكوكهم فى مستقبل الشراكة وصدرت بعد ذلك عدة ردود فعل منهم كالإنسحاب من جلسات المجلس الوطنى و التهديد بإعلان إستغلال الجنوب من داخل برلمانهم مما يوحى بأنهم يحسون كأنهم مستعمرون، بل وصل الأمر لأن يخرج النائب الأول لرئيس الجمهورية من وقاره الشخصى و الدستورى ليحث الجنوبيين للتصويت للإنفصال إذا أرادوا العيش كمواطنين درجة اولى من داخل إحدى كنائس الجنوب.إن المؤتمر الوطنى قد أطلق لسان و أقلام بعض منتسبيه للتنفير من الوحدة أو الجوار الحلو بما ينشرونه من ثقافة لن تؤدى للإبتعاد عن الوحدة فقط بل ستجعل الجوار عدائياً بعد أن يختار الجنوبيون الإنفصال وكما يقول المثل السودانى "أملأ بطون الرجال كسار"كسرة" ما تملأها حسار"حسرة" أى إملأ بطون الرجال بالأكل أى أكرمهم و لا تملأها بالحسرة فإنهم سيحقدون عليك و لن يتحملوا ذلك و سيكون رد فعلهم قاسياً عليك.إن ما يربك المرء و يحير تفكيره هو لماذا تركت الحكومة منبر "العداء المجحف" كل هذه الفترة ليبذر بذور العداء كل هذه الفترة دون كبحه . إننى مثل كثيرين أشك كثيراً فى نية المؤتمر الوطنى الجادة فى الوحدة خاصة أن الإتفاقية إنحرفت به عن منهجه الذى كان يود إتباعه فقد قال نائب رئيسه للشئون السياسية "إتفقنا على ألا نتفق حول الشريعة" و الشريعة يعتبرها المؤتمر الوطنى من الخطوط الحمراء و قد قال أحد الإخوة الجنوبيين " شريعة فى ، خوة فرتق " مما يجعل المنهجين لا يلتقيان تحت سقف وطن واحد .هذا بالإضافة إلى كيف ستكون هذه الوحدة بين الجنوب و الشمال و المستقبل ليس فيه نيفاشا تحكم تصرفات الطرفين و خاصة أن الطرفين ذاقا و تلذذا بحلاوة إقتسام المكاسب فى غياب الآخرين؟ .إن منهج التفكير عند المؤتمر الوطنى الذى يعتمد على المحاصصات المادية فى حل الخلافات كسياسية إنتهازية مثل التنمية العجلى و أسلوب الترضية و التحنيس لن يمنع سيف الإنفصال من أن يسبق عذل تقصيرالحكومة فى لم شمل الوطن.إن الوحدة بالتحنيس و الإغراء و الإستمالة ستكون أخطر من الإنفصال العدائي لأنها ليس لها أساس وجدانى عميق، فالدغدغة الوجدانية لن تبنى علاقة صداقة عابرة ناهيك عن أخوة فى وطن واحد وكما يقول المثل السودانى "جيرة ما بالحلا أخير منها الخلاء". لقد دعا رئيس الجمهورية الأحزاب الأخرى لعقد لقاء لمناقشة الإستفتاء فوافقت الأحزاب بشرط أن تكون شريكة فى وضع الأجندة و تنفيذ المخرجات و أضافت للاجندة الحريات و الظروف المعيشية و دارفور ولقد رفضها المؤتمر الوطنى رغم منطقيتها مما جعل الكثيرين يصفون هذه الدعوة بانها "عزومة مراكبية " حيث يدعو المراكبية "البحارة" و هم فى عرض البحر من فى البر لتناول الطعام معهم،لأن الأحزاب قبل ذلك دعته لمثل هذا الملتقى كما نادى نوح عليه السلام إبنه "يا بنى إركب معنا " فقال سآوى إلى جبل يعصمنى من الماء. المؤتمر الوطنى قال كما قال إبن نوح و الآن يبحث عن الجبل الذى سيعصمه من الغرق فى بحر الندم على التفريط فى الوطن بمحاولة إشراك الأحزاب فى وزر الإنفصال بهذا الدعوة التى قال كثيرون أنها كتبت بالحبر الأبيض لا يستطيع فهم فحواها غيره . إن خطأ التفكير عند المؤتمر الوطنى و الحركة الشعبية هو الإعتقاد أن الحركة الشعبية تمثل الجنوب و المؤتمر الوطنى يمثل الشمال.هذا الفهم لن يؤدى إلى جوار أخوى ناهيك عن وحدة لأن الوحدة الجاذبة لها شروط لا يملكها أى منهما مثل الحرية و قبول الآخر و المشاركة الجماعية.إن الخطوة الأولى للوحدة الجاذبة هى جلسة عصف ذهنى يشترك فيها كل السودانيين بدون فرز جنوبيون و شماليون لمعرفة ماذا يحسب الجنوبيون على الشماليين بوضوح و الشماليون على الجنوبيين للمعالجة و التصالح و التصافى وو ضع خطط إستراتيجية لبناء وطن يتجنب فيه الناس كل أخطاء الماضى ،خطط لبناء دولة التصالح و التصافى يلتزم كل فرد فيها بأداء دوره على ضوء عقود إجتماعية جديدة يشترك الكل فى صياغتها و يلتزم الكل بتنفيذها.هذه الجلسة هى الملتقى السودانى أو المؤتمر الجامع أو المؤتمر الدستورى تلك الكلمة التى لا يرغب المؤتمر الوطنى فى سماعها والتى تسبب له آلام الأضراس. والله من وراء القصد