أجمع مهتمون من منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، على ان العمل من اجل الوحدة مطلب دستوري بنص إتفاقية السلام، وان التعبئة من اجل الإنفصال والدعوة الى وحدة على أسس جديدة تخالف الإتفاق والدستور، متهمين جهات علمانية داخل الحركة الشعبية بتحريك خطى الإنفصال في الخفاء، مشيرين في الوقت ذاته الى ان قضية الوحدة تخص المواطن الجنوبي فقط، وهو من يحدد المصير القادم دون إملاءات وتأثيرات من أية جهة، حتى يمارس خياره بنزاهة. نظم إتحاد المحامين السودانيين، أمانة حقوق الإنسان ندوة بقاعة برج الفاتح حملت عنوان « الإستفتاء في ضوء تقرير المصير» قُدمت فيها ورقتان ناقشتا التحديات التي تواجه مصيرالوحدة. ونيابة عن المحامين وأمانة حقوق الإنسان بالإتحاد تحدثت الأستاذة سلمى عابدين، وقالت ان اتحاد المحامين مهتم بقضايا الوطن والهم العام، ولا صوت يعلو هذه الايام على صرخة القضية الأولى «الإستفتاء»، نؤكد ان خياراتحاد المحامين الأول والاخير «وحدة السودان»، ولدور الإتحاد الناصع في تاريخ القضايا الوطنية نؤكد عل مادرجنا عليه لإتاحة الفرصة لطرح الإفكار والرؤى، وفي إعتقادنا ان توضيح جوانب القضية أمر مهم للغاية حتى يكون اهلنا في الجنوب على بينة من أمرهم، ويصوتوا على علم لتحديد خيارهم، لان الإستفتاء لا يجب ان يبنى على مرارات سياسية أو انتماءات جهوية وعرقية أو اي انتماءات كانت/ مع الأخذ في الإعتبار مستقبل مصير الأجيال القادمة. قدم الورقة الأولى الأستاذ عثمان محمد الشريف وكانت بعنوان «الإستفتاء في ضوء تقرير المصير» وفي البداية تحدث الشريف عن المرجعية التاريخية لحدود السودان الحالية، وقال عرفنا السودان بحدوده الحالية من العام 1821 في العهد الحكم التركي، وهكذا استمر طوال فترة المهدية والحكم الثنائي على الرغم من بذرة الإنفصال التي دفنها في ترابه، الى ان أتى مؤتمر جوبا ليساهم في الوحدة وإستقلال السودان واعلانه دولة مستقلة في عام 1956، وبعدها حدث التمرد في جنوب البلاد، واستمرت الإضطرابات المسلحة الى ان قامت ثورة أكتوبر نتيجة للمعالجات العسكرية التي لم ترضِ المجتمع المدني وقتذاك، وعندما اتت إتفاقية أديس ابابا انعم الله على السودان بسلام مؤقت على مدى (10) سنوات، واضاف الشريف ان الحرب بين الشمال والجنوب لم تنشأ على هوية أو شريعة، والحكم هو دستور الحركة نفسه والتي أطلقت على نفسها تحرير السودان وليس الجنوب، ولا يستطيع احد ان يقول ان مشروع السودان الجديد هو فصل الجنوب عن الشمال، ومشاورات «كوكدام» سعت الى الغاء الشريعة الإسلامية وليس الإنفصال. وقال الشريف ان مباحثات مشاكوس في 20/7/2002 اي الاتفاق الإطاري الذي تمخض عنه حق تقرير المصير، ولم يكن من اجندة الاتفاقية النقاش حول الإنفصال وانما كانت الاجندة ان تعطي الفرصة لاهل الجنوب لتقرير مصيرهم، وهذا اتفقت عليه الشعبية وحكومة الوحدة الوطنية، وصادقت المعارضة على الاتفاق، وفي مشاكوس تم الاتفاق على صيغة الدولة السودانية «المواطنة على أساس الحقوق والواجبات، والهوية السودانية، واهل الشمال يحتكمون الى الشريعة الاسلامية مع وجود مفوضية لغير المسلمين ، واهل الجنوب الى اعراف وتقاليد وعادات اهل المنطقة. وانتقد الشريف التصريحات التي تنادي بوحدة على أسس جديدة، معتبراً ذلك مخالفة للدستور والاتفاقية متهماً في الوقت ذاته تيارات علمانية داخل الحركة الشعبية بتحريك خطى الإنفصال. وأكد الشريف ان التعبئة من اجل الوحدة عمل دستوري واجب التنفيذ والدعوة الى الانفصال مخالفة للدستور وروح الإتفاقية، وان الوحدة امر يخص المواطن الجنوبي فقط ولا يعني اي تجمعات ومنظمات اخرى، وأضاف الشريف انه مطلوب من الحركة الشعبية ان تعمل مع اهل الجنوب لتهيئة المناخ للوحدة، مضيفاً انه على الشريكين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ان يعملا على جاذبية الوحدة وليس طرفا معيناً فالمسؤولية مشتركة، مشيراً الى إمكانية الوحدة وقال ان اهل الجنوب طوال فترة الحرب التي إستمرت الى 20 عاما ظلوا يلجأون الى الشمال، ولم يختاروا دول الجوار مما يؤكد متانة العلاقات بين الشمال والجنوب الشعب الواحد. وشدد رئيس الحركة الشعبية للتغير الديموقراطي، الدكتور لام أكول أجاوين، ، على ممارسة الإستفتاء في جو ديموقراطي كامل، وقال ان الإستفتاء هو وسيلة لممارسة حق تقرير المصير، او حل موضوع إداري، وهو ليس بجديد وممارس في بعض دول العالم مثل سويسرا، واكد انه لم يستخدم لاول مره في تاريخ السودان حيث استخدم أول مرة في إتفاقية 1953 في تحديد العلاقة مع مصر وقتذاك بالإنضمام اليها او الإنفصال عنها، واوضح اجاوين ان تقرير المصير ظهر ايضا في مؤتمر المائدة المستديرة من قبل حزب جبهة الجنوب والتي طرحت تقرير المصير، ومن ثم اتى حزب سانو للمطالبة بالكونفدرالية ولكن عندما اتت هذه الإشارات كان الجنوبيون اكثر الناس حرصا على الوحدة في الفترة مابين (1972 1983) الى ان إرتد نميري عن موقفه، وان مشروع السودان الجديد طرح لأول مرة في «كوكدام» حيث كان الكلام لاو مرة عن «السودانوية»، بجانب اعلان الناصر الذي دعا الى تقرير المصير، واوضح اجاوين ان الحركة الشعبية في ذلك الوقت كانت ضد فكرة تقرير المصير والدليل على ذلك انهم جندوا ابناء جبال النوبة ضد مجموعة الناصر التي كانت تنادي بحق تقرير المصير، وقال اجاوين ان روح إتفاقية السلام تمثل وحدة السودان، وعلى الجانبين ان يؤمنوا بوحدة السودان ويعملوا لها ويجعلوها جاذبة معاً، فالإتفاقية تنص على ذلك في الفقرة (2/12/2) والفقرة (2/12/3) بأن يعمل الشريكان المؤتمر الوطني والحركة الشعبية على العمل من اجل الوحدة وإلزام عضويتهم بذلك، وفي نهاية الأمر الخيار يرجع الى المواطن الجنوبي الذي يجب ان يمارس تقرير المصير في جو من الحرية والديموقراطية حتى نضمن نزاهة الإستفتاء، مشيراً الى المخالفات التي صاحبت العملية الإنتخابية في الجنوب وقال «لاأحد ينكر ولامكابر يستطيع ان يقول ان الانتخابات في الجنوب تمت من غير تزوير» منوهاً الى ان الشعب الجنوبي رفض الإعتراف بالنتيجة وعبر عن ذلك بطرق مختلفة، وأضاف أجاوين، ان حكومة الجنوب مشكوك في أمرها، فكيف ستدير «الإستفتاء» منوهاً الى ان عدم شرعيتها عامل مؤثر في تقرير المصير مما يمهد لحالة رفض نتيجة الإستفتاء في حال عدم مطابقتها لرغبات الجنوبيين، مما يجعل الخيارات مفتوحة للمواطنين للتعبير عن رفضهم لواقع النتيجة، منوهاً الى التفلتات داخل الجيش الشعبي نتيجة طبيعية لما حدث من تزوير في الإنتخابات. ودافع نائب البرلمان من الحركة الشعبية، أتيم قرنق، عن موقف الحركة الشعبية بمطالبتها بحق تقرير المصير، وقال تقرير المصير ليس بدعة من صنع الحركة وانه ظل مطلباً موجوداً من قبل الجنوبيين منذ الإستقلال وقبل ان تأتي الحركة الشعبية الى الحكم، موضحاً بان الحكومات المتعاقبة لم تحسن إدارة التنوع بصورة جيدة، مما انتج عدم العدالة الإجتماعية، وزعزعة الإستقرار، متهماً حكومات المركز بعدم توفير العدالة وقال « محمدأحمد السوداني ليس له ذنب في الذي يحدث وان حالة النفور تتحملها الحكومات المتعاقبة وحدها» مضيفاً ان « الوحدة الجاذبة يجب ان تكون جاذبة في المركز قبل ان تكون في الجنوب حتى نشجع الجنوبيين على التصويت لصالح الوحدة» وقال كنا نتمنى ان تطبق الاتفاقية بكاملها وتنقل العاصمة الإدارية الى مدينة ودمدني بينما تظل الخرطوم عاصمة علمانية تحتمل العلمانية بإعتباره نقطة إلتقاء لكل اهل السودان بما فيهم الجنوب، ولكن للأسف مازال يطبق قانون النظام العام مما يسبب مضايقات للجنوبيين الذين يحق لهم التعايش داخل الخرطوم، مشيراً إلى ان الجنوبيين كانوا متواجدين في الشمال منذ الدولة السنارية الإسلامية التي لم تنادِ بالعروبة فقط، فالإسلام ليس مشكلة تعترض طريق الوحدة ومشكلتنا مع الإسلام السياسي الذي يخالطه النفاق، وليس مع إسلام القرآن والصوفية. وطالب قرنق، بالعمل والتعبئة من اجل الوحدة فيما تبقى من وقت وانتقد في الوقت ذاته استنكار المظاهرات الإنفصالية في الجنوب في الوقت الذي لم يتحدث فيه اهل الشمال عن «منبر السلام العادل» الذي ينادي بالانفصال ويطالب « بسودان عربي نقي». وقالت القيادية بالمؤتمر الوطني بدرية سليمان، ان الجنوبيين لهم الحق في ممارسة الإستفتاء بحرية وعدالة من دون تأثير من جهة معينة، مشيرة الى ان الوحدة هي الخيار ويجب ان يعمل عليها الشريكان، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية معاً، دون تحميل جاذبيتها للمؤتمر الوطني وحده، متهمة في الوقت ذاته الحركة الشعبية بعرقلة الحريات في الجنوب مما يهدد نزاهة الإستفتاء، منوهة الى ان ترتيبات مابعد الإستفتاء في حال الوحدة تعني استمرار إتفاقية السلام بإعتبارها نواة لدستور دائم، وفي حال الإنفصال، فإن المرجعية ستكون الى القانون الدولي والتجارب المماثلة.