مجلة فورن بولسي من المنتظر أن يعين مبعوث الرئيس الأمريكي باراك أوباما الخاص للسودان، الجنرال المتقاعد سكوت غرايشن، سفيراً في كينيا ،مع اعداد البيت الأبيض لمعالجة جديدة لقضية السودان قبل حلول استفتاء يناير الذي يخشى المحللون أن يفضي الى تقسيم البلاد الى دولتين منفصلتين أو قد يشعل حرباً أهلية جديدة. يأتي هذا في أعقاب اجتماع خلافي على مستوى كبار المسؤولين في البيت الأبيض الأسبوع الماضي حيث تنازع غرايشن تنازعاً صريحاً مع سفيرة الولاياتالمتحدة لدى الأممالمتحدة سوزان رايس حول اتجاه سياسة السودان، وقيل ان رايس احتدت غضباً في الاجتماع عندما اقترح غرايشن خطة تجعل من استفتاء يناير أولوية وهو يقلل من أهمية الأزمة الجارية في دارفور ولا يرى أية ضغوط اضافية على حكومة الخرطوم. وقالت مصادر متعددة اطلعت على الاجتماع ان خطة غرايشن وافق عليها تقريباً كل المشاركين الآخرين بمن فيهم وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون، وإن هذه الخطة الآن في طريقها الى الرئيس للمصادقة عليها،وقد دعيت رايس لتقديم اعتراضها كتابة، أما نائب الرئيس جوزيف بايدن فلم يكن حاضراً في الاجتماع، وهذه لم تكن المعركة الأولى التي كسبها غرايشن حيال المعاملة مع الحكومة في الخرطوم. فغرايشن يؤيد تعاملاً أكثر التصاقاً وتعاوناً مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم، الشيء الذي يراه أفضل طريقة للتأثير على سلوكه مع التقليل من أهمية الانتقاد العام لتكتيكات النظام القاتلة، والتوتر بين غرايشن ورايس يعود الى الأيام المبكرة من ادارة أوباما، ففي شهر يونيو 2009م نقلت اي بي سي نيوز خبراً مفاده أن رايس التي ظلت لمدة طويلة تؤيد خطاً أشد صرامة نحو الخرطوم كانت «غاضبة» جداً عندما قال غرايشن ان دارفور تشهد «بقايا الابادة الجماعية» فقط، وسرعان ما أكدت وزارة الخارجية الأمريكية على أن موقفها الرسمي يقول بأن الابادة الجماعية مستمرة. ويقول المراقبون ان ميول غرايشن للأخطاء وعلاقاته الضعيفة مع مجموعات المصلحة ربما جنت حصيلتها في النهاية، حيث قال جون نورس المدير التنفيذي لمشروع كفاية وهو منظمة مناصرة رائدة ومناهضة للابادة الجماعية في السودان: «ان خروج غرايشن من هذا المنصب يوحي بأنه قد كسب عدداً من المعارك بيد أنه خسر الحرب، واذا كان الناس سعيدين غاية السعادة بأدائه فيبدو من الشاذ تحركه من منصبه ليصبح سفيراً لبلدٍ مجاور». وتقول مصادر متعددة داخل الادارة وخارجها ان غرايشن الذي ظل رجل المقدمة للادارة الأمريكية حول الشأن السوداني لأكثر من عام يدرس حالياً تقلد وظيفة السفير الأمريكي في نيروبي، فالمشاورات جارية ولكن لم يُقدم له عرض رسمي، ولكن منذ أسبوع قيل ان غرايشن كان يضغط بشدة للحفاظ على الملف السوداني اذا هو انتقل الى كينيا. وتقول مصادر متعددة في الادارة ان غرايشن يريد أن يكون مبعوثاً لدى كينيا لبعض الوقت، فإذا هو نجح في الحفاظ على دوره في سياسة السودان فإنه سيكون مؤثراً بدرجة كبيرة حول ثلاث قضايا سياسية كبرى في افريقيا هي: السودان وكينيا والصومال التي تدار بشكل كبير من السفارة الأمريكية في نيروبي. والسيناريو الأكثر احتمالاً هو أنه اذا بعث غرايشن الى كينيا بافتراض أنه اجتاز عملية اقرار من مجلس الشيوخ وهي عملية من المرجح أن تكون خلافية فإنه سيتخلى عن ملف السودان، وقال نورس: «ان وظيفة المبعوث الخاص هي وظيفة دوام كامل مثل أن تكون سفيراً لدى كينيا خلال هذا الوقت الحرج، فأنا لا يمكن أن اتصور أنهم سيضعون شخصاً واحداً لرئاسة كلتا الوظيفتين». وقال مصدر في الادارة ان الخطة كانت هي تعيين غرايشن أثناء عطلة الكونغرس لتفادي نقاش مطول للموافقة، لكن تلك الخطة لم تعد عملية وسيتم تعيين غرايشن من خلال العملية المألوفة، الا أن مكتب غرايشن لم يستجب لطلب التعليق، وظلت رموز رائدة في مجموعة مناصرة السودان ولمدة طويلة تنتقد غرايشن الذي تراه حميمياً جداً مع حكومة الخرطوم وغير راغب كلية في ممارسة ضغوط اضافية على حكومة السودان رداً على العنف المتزايد. عندما طرحت الادارة الأمريكية سياستها الجديدة حيال السودان في أكتوبر الماضي، وعدت وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون بأن كلتا العصي والجزرة ستستخدم للتأثير على سلوك الحكومة، حيث قالت: «ان تقييم التقدم والقرارات المتعلقة بالحوافز والمثبطات سيبنى على التغييرات القابلة للاثبات في الظروف الماثلة على الأرض. فالتراجع من جانب أي طرف سيقابله ضغط حقيقي في شكل مثبطات تمارسها حكومتنا وشركاؤنا الدوليون»، ولكن رغم أن السودان يرزح تحت مختلف العقوبات الاحادية ومتعددة الأطراف، الا أن الادارة الأمريكية لم تحدد علناً ما هي الضغوط الاضافية التي ستحملها اياه. لقد قلل مسؤولو الادارة من شأن الصراع بين رايس وغرايشن، مؤكدين على أن هذه الاجتماعات يفترض أن تكون تداولية، اذ قال أحد مسؤولي البيت الأبيض: «هذا جدل سياسة والناس كثيراً ما يختلفون، فإن هم لم يختلفوا فما الداعي لعقد الاجتماع؟»، ان الأمل بالنسبة لمراقبي الشأن السوداني هو أن تكون للرئيس الأمريكي الكلمة الأخيرة في النهاية، ويوضح آراءه لتسوية الجدال الداخلي.