زار وفد من المنظمة الوطنية لدعم الوحدة الطوعية في صباح الثلاثاء الماضي (10/8) المفوضية الخاصة بمراعاة حقوق غير المسلمين بالعاصمة القومية، كان الوفد مكوناً من الأستاذ محجوب محمد صالح رئيس المنظمة والطيب زين العابدين نائب الرئيس ويوسف تكنة الأمين العام والدكتور نور الدين ساتي عضو المكتب التنفيذي. كان في استقبال الوفد كل من السيد جوشوا داو ديو رئيس المفوضية ومولانا سر الختم صالح ممثل القضائية ورئيس اللجنة العدلية والفريق محمد جعفر ممثل جهاز الأمن والمخابرات ومحمد عبد الرحمن العمدة رئيس اللجنة الفنية والإعلامية والقس توت كونج، وغاب عن الاجتماع الأستاذ عبد المجيد خليفة ممثل ولاية الخرطوم والأمين العام للمفوضية بسبب المرض الذي ألزمه الفراش عدة أيام، شفاه الله. كان الهدف من الزيارة هو التعرف على أنشطة المفوضية وإلى أي حد ساهمت أنشطتها في معالجة مشكلات غير المسلمين بالعاصمة القومية في ظل تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، ومعرفة المعوقات التي تحول دون نجاح المفوضية بالصورة المثلى في تحقيق أهدافها. وكانت مقابلة مثمرة استمرت زهاء الساعتين استمع فيها الوفد لكل أعضاء المفوضية الحاضرين، كل في مجال اللجنة المتخصصة التي يعمل فيها. تتكون المفوضية من سبعة وعشرين عضواً إلى جانب رئيسها، خمسة من علماء الدين الإسلامي، وخمسة من قيادات الدين المسيحي، وعشرة من قيادات المجتمع، واثنان من المختصين بشؤون الأعراف والتقاليد، وممثل لكل من ولاية الخرطوم والهيئة القضائية ووزارة العدل والشرطة والأمن الوطني. وكانت حصيلة أعمال المفوضية، في الثلاث سنوات الماضية منذ إجازة لائحتها الداخلية بواسطة رئاسة الجمهورية في يونيو 2007م، مدهشة بالنسبة لوفد المنظمة خاصة إذا ما وضعنا في الحسبان أن طبيعتها استشارية وليست لها صفة تنفيذية. فقد قامت المفوضية بعدة ورش تدريبية للجهات المعنية باتخاذ القرار في مسائل حقوق غير المسلمين: دور وكلاء النيابة في التعامل مع بلاغات غير المسلمين (فبراير 2010)، ورشة المعتمدين والضباط الإداريين ودورهم في حل مشكلات غير المسلمين (فبراير 2010)، دور القضاة في التعامل مع قضايا غير المسلمين (نوفمبر 2009)، ورشة كيفية تعامل الشرطة مع غير المسلمين (أكتوبر-ديسمبر 2009)، ورشة عمل السلاطين في حماية غير المسلمين (أكتوبر 2009)، ورشة حقوق غير المسلمين بين حرفية القانون وواقعية التطبيق (أغسطس 2008). وكانت هذه الورش ناجحة من حيث الأوراق المعدة لها والنقاش الذي دار حولها بحضور قيادات غير المسلمين، وانتهت إلى توصيات محددة نفذ بعضها وبعضها ما زال ينتظر! وتقدم مجلس الكنائس السوداني بمذكرة ضافية للمفوضية في سبتمبر 2008 يحدد فيها مشكلات الكنائس في العاصمة القومية، كان على رأسها منح قطع أراضي لبناء دور عبادة للمسيحيين وإعطاء مساحة إعلامية أكبر لهم في الإذاعة والتلفزيون لتغطية الطقوس والأنشطة المسيحية وتعيين معلمين لتدريس منهج التربية المسيحية في مدارس التعليم العام. وقامت المفوضية بالاتصال بكل الوزارات والجهات ذات الصلة بتلك المشكلات والتي وعدت بمعالجتها في أقرب وقت. وتصدت المفوضية بمبادرة ذاتية لإطلاق أعداد كبيرة من السجينات اللائي حكم عليهن بتهمة صناعة وتجارة الخمور البلدية، وتولت تدريب عدد من النزيلات تحت "مشروع الكسب البديل" بدعم مقدر من ديوان الزكاة والتعاون مع المجلس القومي للتعليم الفني والتقني وإدارة السجون بالعاصمة. وتنظر المفوضية باهتمام في جميع القضايا والشكاوى التي تقدم لها من المواطنين وتناقشها مع الجهة المختصة. وتكفلت المفوضية بإصدار عدد من المطبوعات تفيد في التوعية بأعراف وثقافات غير المسلمين منها: قضايا ومبادئ القانون العرفي في السودان لمؤلفه القاضي جون وول ماكيج، القضايا الاجتماعية لقبيلة الدينكا بمنطقة جونقلي ووسائل حلها للمؤلفة روضة ديفيد إلاك، خطى نحو السلام للكاتب محمد عبد الرحمن العمدة (رئيس لجنة الإعلام بالمفوضية). ويعتبر ترجمة كتاب "قضايا ومبادئ القانون العرفي في السودان" إلى اللغة العربية إضافة حقيقية لطلاب كليات القانون الذين بعدت الشقة بينهم وبين اللغة الانجليزية التي ألف بها الكتاب. وأهم المعوقات التي ذكرها أعضاء المفوضية لعملهم هي: ضعف صلاحيات المفوضية التي لا تتجاوز إبداء الرأي لجهات الاختصاص واقترح أحدهم إنشاء وزارة اتحادية تقوم بحماية غير المسلمين في الشمال والمسلمين في الجنوب، ضعف الاستجابة من الأجهزة التنفيذية لمقترحات المفوضية، قصر عمل المفوضية على الخرطوم في حين أن المشكلة تتعلق بكل ولايات شمال السودان وكان ينبغي أن يكون لها فروع في بقية الولايات، ويعني ذلك عملياً التطبيق الشخصي للشريعة الإسلامية وقد قال بذلك حزب الأمة في وقت سابق. يستثني القانون الجنائي (1991) الولايات الجنوبية فقط من تطبيق الشريعة الإسلامية مما يعني أن القضاة ملزمين بتطبيق القانون كما هو بكل الولايات الشمالية مما يضع عليهم حرجاً مهنياً في استثناء غير المسلمين رغم المنشورات التي أصدرها رئيس القضاء في هذا المعنى. ولم تنشأ بعد نيابات أو محاكم خاصة بغير المسلمين كما ينص على ذلك دستور السودان الانتقالي تحت بند العاصمة القومية، ولا أجد عذراً لوزارة العدل أو القضائية في هذا التقصير المتطاول. وتركز نقد الأعضاء على قانون النظام العام الفضفاض بولاية الخرطوم والآلية التي تطبقه بخشونة ودون مراعاة لمعتقد الشخص أو أعرافه (مثلاً الزي الفاضح للمرأة الشمالية المسلمة ينبغي أن يعتبر غير فاضح للمرأة الجنوبية غير المسلمة!). وأعجبني قول أحد أعضاء المفوضية أن الانسجام بينهم كاملاً ولم يحدث أن لجأوا للتصويت مرة واحدة في قضية من القضايا التي نظروها، ولا بد أن لحكمة السيد جشوا رئيس المفوضية في إدارة الاجتماعات دوراً كبيراً في هذه النتيجة الرائعة غير المعهودة في القضايا ذات الحساسية الدينية والسياسية. والنتيجة التي تهمنا في المنظمة الوطنية لدعم الوحدة الطوعية من هذه التجربة الرائدة أنها تبرهن على إمكانية ردم الفجوة الدينية والثقافية ولو جزئياً بين المسلمين وغير المسلمين من أبناء الجنوب بآليات وإجراءات مرنة ومتسامحة دون اللجوء إلى الاستقطاب النظري الحاد بين العلمانية والدولة الدينية (فالنظرية رمادية والحياة خضراء).