كانت الأمور تسير على ما يرام، على الاقل على مستوى العمل الروتينى فى المنظمة العربية للتنمية الزراعية، وايضا العلاقة بين المنظمة والسودان «خبراء وجهات رسمية» مبنية على التعاون والاحترام والود حتى 2009م. ولكن بمجيء الادارة العامة الحالية، حدثت تغييرات جعلت من هذه العلاقة فى طريقها الى التلاشى على الرغم من أن السودان هو دولة المقر بموجب وثيقة تأسيس هذه المنظمة، وهدفها الاستراتيجى بتطوير العمل الزراعى وتأمين الامن الغذائى للعالم العربى، وان يكون السودان هو المقر لتحقيق هذا الهدف، فماذا حدث؟ «الصحافة» تحصلت على«13» مستندا تثبت أن من يدير المنظمة فى اتجاه نسف العلاقة بين السودان والعالم العربى فى مجالات التنمية الزراعية والأمن الغذائى، فمن المسؤول عن ابعاد الخبراء السودانيين من داخل اروقة المنظمة وفى مقرها بالخرطوم؟ ومن المسؤول عن تعويق البرامج التى كان من المفترض أن تنفذها المنظمة فى السودان ومن ثم يتم تعميمها فى العالم العربى؟ وقد بدأت القضية بتصفية الكفاءات والخبرات السودانية العاملة والمتعاقدة مع المنظمة، ولم تقف عند هذا الحد بل استمرت الى ان وصلت الى نقل الانشطة الاستراتيجية والحيوية للمنظمة خارج السودان، ومنها نقل مركز الانذار المبكر والاستشعار عن بعد الى مكتب المنظمة بالقاهرة.. يحدث ذلك وللمفارقة من داخل السودان. وتشير المصادر إلى أنه تم اقصاء الخبرات السودانية من غير منسوبي المنظمة الذين تم استقطابهم من قبل الادارة العامة السابقة للمساهمة فى تنفيذ مشروعات المنظمة، وقامت الإدارة الحالية بإحلال خبراء مصريين مكانهم، حيث تقدمت الادارة السابقة بطلب إلى وزارة الثروة الحيوانية والسمكية بمدهم باثنين من الخبراء للعمل فى مشروع تطوير القوانين والتشريعات فى مجال الحجر البيطرى «خطاب رقم م ت/ 689 بتاريخ 26/2/2009م» وجاءت الاستجابة، وتم تكليف الخبراء وباشروا عملهم بالمشروع «خطاب رقم وث ح س / م ك /19/4/م2 بتاريخ 12/3/2009م» لكن المدير العام الحالي قام بابعادهم حتى دون اعتذار يقدم اليهم او تفسير رسمى يقدم للوزارة التى قامت بتكليفهم، وقام المدير العام باختيار اثنين من الخبراء المصريين بدلا منهم «خطاب رقم م ع /517 بتاريخ 4/ فبراير 2010م» معنون الى احد الخبراء من مصر بتكليفه مع خبير مصرى آخر لتنفيذ ذات المشروع. وطلبت دولة قطر عبر الادارة العامة للبحوث والتنمية الزراعية بوزارة الشؤون البلدية والزراعة من الادارة العامة السابقة للمنظمة توفير خبرة فنية سودانية تحديدا «خطاب رقم 26/50687 بتاريخ 6 أبريل 2008م» للعمل في مشروع يسمى المشروع الرائد لتحسين الماعز والضأن بدولة قطر «تقوم المنظمة بدفع راتب الخبير»، وقامت الادارة السابقة بإرسال سيرة ذاتية لخمسة من أفضل الخبراء السودانيين لاختيار احدهم بواسطة القطريين. وبالفعل باشر الخبير السودانى عمله، لكن المدير الحالي وجه خطيا وبأمر ادارة المشروعات بالمنظمة «عاجل جدا» بتعيين بديل منه من مصر يقول حرفيا انه قام باختياره شخصيا «خطاب رقم م ت /154بتاريخ 2 يوليو 2009م». ايضا طلبت وزارة شؤون البلديات والزراعة بمملكة البحرين إرسال سيرة ذاتية لخبراء عرب لاختيار الانسب منهم لاعداد دراسة لتطوير الخدمات الزراعية بالبحرين «خطاب رقم أ ع /1 2/826/ 08 بتاريخ 1/12/2008م» وتمت الاستجابة بارسال سيرة ذاتية تلقتها المنظمة «الادارة السابقة» من الاردن وسوريا والسودان نتيجة لتعميم وزارى قد اصدرته لكافة الدول العربية بهذا الخصوص - حسب لوائح المنظمة «خطاب رقم م ت / 884 بتاريخ 2 مارس 2009م»، ليأتي نقض المدير الحالى بتوجيه خطى وبكلمة واحدة على نسخة الخطاب المذكور تقضى بتعيين «مصريين»، حيث اكد مصدر ل «الصحافة» داخل المنظمة انه ومن خلال اتصال تلفونى طلب فيه خبير مصرى بالمنظمة بالخرطوم يدعى زكريا من مدير فرع المنظمة بالقاهرة ويدعى ياسر، مده بسيرة ذاتية لخبراء مصريين لنفس الغرض، وجاء الرد الذى يؤكد المكالمة، حيث لا توجد اشارة للرد على خطاب بنمرة او تاريخ «خطاب مكتب المنظمة بالقاهرة رقم 322- 25 /8/2009م» ويقرأ «بالإشارة الى طلب الادارة العامة «د/ زكريا» موافاتها بعدد من السير الذاتية للخبراء فى مجال الحجر البيطرى، نتشرف بأن نرفق طيه عدد /3/ من السير الذاتية لخبراء فى المجال المطلوب- رجاء التفضل بالاحاطة .... م/ ياسر محمود مكلفة بتسيير اعمال مكتب المنظمة بالقاهرة» وهذا العمل تم بمباركة المدير العام. وهنا يخالف المديرالعام لوائح وقوانين المنظمة التى بواسطتها يتم الترشيح والاختيار، وفوق ذلك ينحاز وباستمرار لدول عربية دون بقية الدول، وفى المقابل يبعد وباستمرار الخبراء السودانيين. اما الخبراء العاملين بالمنظمة، فتقول المصادر بعد استلام المدير الحالى لمنصبه بدأ فى التضييق عليهم باشكال مختلفة من الضغوط للدفع بهم تجاه الاستقالة، وابرز تلك الضغوط تخفيض المرتبات التى بلغت فى احدى الحالات 26% «مستند عقد الخبرة رقم 21 ورقم 29 2009م» لخبير يحمل الدكتوراة منذ 30 عاما، ويعمل بالمنظمة منذ 9 سنوات، وله اسم معروف لدى الدول العربية، حيث قدم الخبير مشروعا للمنظمة بمذكرة ادارة المشروعات برقم م. ت /84 بتاريخ 6 مايو 2009م يهدف لترقية صادرات اللحوم السودانية - لكى يستقطب له تمويلا خارجياً، وهو احد المشروعات التى تطلبها المنظمة من خلال استراتيجياتها للتنمية الزراعية، وما حدث انه لم يعبأ أحد بالمشروع، وظل حبيس مكتب المدير العام حتى هذا التاريخ. واخيرا تم الاستغناء عن الخبير نفسه وتم تعيين خبير اقل خبرة منه من دولة اخرى فى نفس الموقع، مع العلم انه لم يحدث من قبل نقص فى موازنة المنظمة يؤثر على مرتبات العاملين بها. وتشير المصادر إلى ان هنالك اكثر من «23» خبيرا سودانيا «الصحافة تحتفظ بأسمائهم» تم ابعادهم بالايقاف او الدفع بهم نحو الاستقالات، لذلك قدم الكثير منهم استقالاتهم بما فيهم نائب المدير العام، وهو المسؤول الثانى بالمنظمة، بجانب شطب اسم مرشح السودان لنائب المدير العام، وتم اختيار احد الخبراء من اليمن لأول مرة لمنصب كان حكرا على السودان بلد المقر للمنظمة - وهذا حسب قوانين المنظمة نفسها منذ انشائها فى عام 1972م. وهكذا تم تفريغ المنظمة من الخبراء السودانيين فى الاقتصاد وإدارة المعلومات والطب البيطرى والحاسوب، اضافة الى الاعلام والنشر، واختصاصيين فى نظم الاستشعار عن بعد والانذار المبكر من الذين نالوا ارفع الدرجات، ولم تبخل الدولة او تمن بهم على أحد. واخير خسارة المنظمة لاحد الخبرات السودانية فى مجال ادارة الموارد المائية المشهود له عالميا بالتميز، وفى الوقت الذى تقول فيه استراتيجية المنظمة 2005 2025م فى قمتى الجزائر والرياض «ناقوس خطر الفقر الحاد فى المياه بدأ يدق فى بعض اركان الوطن العربى، فإن دويه من المعتقد انه سيتسع ليشمل الاقطار العربية جميعها خلال العقدين القادمين». ومما يؤكد أن عداء مدير المنظمة الحالى ليس للخبراء السودانيين فقط وانما للسودان نفسه، ففى محضر اجتماع هيئة الادارة العامة للمنظمة بالخرطوم رقم 6/2009م المنعقد يوم الاربعاء 16 ذي القعدة 1430ه الموافق 4/11/2009م، البند الثانى، الصفحة «3» الفقرة الاولى وتقرأ «من المقترحات الجديدة البرنامج العربى للتدريب الزراعى والسمكى الذى تمت الموافقة عليه وطلب من الادارة العامة اتخاذ الاجراءات اللازمة لتنفيذه، اوضح معاليه المدير العام بأن المبانى الخاصة بهذا التدريب سوف تقام على الحديقة التابعة للمنظمة اذا تم التصديق عليها، والا سوف يقام فى دولة اخرى فى حالة عدم تلقى الرد من الجهات المختصة بجمهورية السودان «بلد المقر» فى نهاية دوام 31/12/2009م، وهنالك قد يوفر له المبنى وبعض المستلزمات الاخرى». إننا نضع الصورة كاملة فى إطارها، ونحن في انتظار موقف حاسم للحكومة السودانية تجاه خبرائها الذين تم تشريدهم، وسيادة البلد صاحبة المقر.