عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان وطن حضارات ولكن داهمته حمى الاستلاب
الإمام الصادق في خيمة الصحفيين:
نشر في الصحافة يوم 28 - 08 - 2010

استضافت خيمة الصحفيين التي تنظمها مؤسسة «طيبة برس» مساء أمس الإمام الصادق المهدي حول في جلسة مؤانسة عن: «إنسانيات سودانية» وتورد «الصحافة» فيما يلي نص كلمة المهدي:
أجد في كثير من الكتب والمقالات استخفافا بالسودان كوطن وجد صدفة أو أوجده الغزو العثماني، وأنه بلا تاريخ عريق حتى أن الأثري السويسري شارلس بوني قال: عندما هممت أن أشرع في حفريات في كرمة قال لي أحد الأثريين لا تتعب نفسك كل التاريخ في شمال وادي النيل. كان السودان وطن حضارات عظيمة:
* حضارة سبقت الحضارة الفرعونية وهذه كشفت عنها الحفريات أخيراً.
* وحضارة مشتركة مع الفرعونية وتبادل السلطان فيها فراعنة من الشمال ومن الجنوب أمثال بعانخي وترهاقا.
* والحضارة الكوشية والتي ازدهرت في مروي واستمرت ألف عام من خمسة قرون قبل المسيح إلى 5 قرون بعده.
* وحضارة مسيحية استمرت ألف عام كذلك من 5 قرون بعد المسيح إلى القرن السادس عشر.
* والحضارة الإسلامية القديمة التي تمركزت في ممالك إسلامية. ثم كان الغزو العثماني ثم المهدية ثم الغزو الثنائي.
والمؤسف حقا أن كثيرا من تلك الفترات ملتف بالغموض محتاج لمزيد من التوثيق التاريخي ومن التجسيد المتحفي، وقال ليو بولد سنغور لسفير السودان سيد أحمد الحاردلو: «الحضارة الأولى أقامها أجدادكم النوبة. وهم سادة الصناعة الأولى، والزراعة الأولى، والمعرفة والشعر والفنون والأهرامات». وما قاله بروف هيرمان بل عالم الآثار: «السودان هو أساس حضارة وادي النيل». من أخطر نتائج هذه الغفلة عن تاريخنا الاستعداد الكبير في مجتمعاتنا المعاصرة للاستلاب، فإذا أنت مررت على المحال التجارية رأيت في عواصمنا العجب العجاب: كوافير ديانا- مطعم هافانا- سوبر ماركت باريس. وآخر حالات الاستلاب تلوين أعراسنا بألوان غريبة: فساتين الزفاف، وبدلة العريس السموكنج، ثوب السرتي للعريس وفركة القرمصيص للعروس خاصة كما طورهما مصممون أمثال الأستاذة سارة جلال هي ما يناسبنا ذوقا وبيئة وجمالا أصيلا والبدلة الأسموكنج بدل الجلابية محاكاة لا معنى لها. قالت الشاعرة السودانية خالدة:
هي الزي الغالي وأجمل
فيها المعنى الكامل وأكمل
يحكي حكاية شعب مؤصل
والزفة مكان العديلة، وأنواع المكياج للعروس الذي يجعلها أشبه ما تكون بلوحة إفرنجية ما يناقض ألواننا ويعارض مناخنا ويعاكس أذواقنا. فالتجميل السوداني الأصيل مختلف من حيث مفاهيمه ومفرداته، فمن حيث المفاهيم مكياجنا من حيث الدخان والدلكة والحنة يقوم على فتح مسام الجلد واستخدام الأعشاب الطبيعية بما يتماشى مع المناخ الحار، ولكن عند الإفرنج يقوم على سد المسام بالبدرات والمساحيق الكيمائية وتشجع عليه برودة الجو. ومن حيث المفردات المستحب في الذوق الأصيل اللما لا الأحمر وهو سمرة لا حمرة الشفاه على نحو ما قال العباسي:
بالله يا حلو اللما مالك تجفو مغرما؟
واخطر ما في الأمر ليس هو إعدام السمرة والخضرة لون الحياة واللون القمحي لون نساء الجنة (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ)1 أخطر ما في الأمر أن إعدام السمرة على يد سموم الزئبق والكورتزون (Hydroquinone وhydrogen peroxide) وهي تبيض الوجه بمواد سامة تتسرب عبر الجلد لأعضاء الجسم، وهات يا فشل كلوي! ومن طرف خفي توجد نزعة احتقار لما هو سوداني. احتقار عززته كثرة الكوارث في بلادنا لا سيما في المهجر إذ ارتبط اسم السودان بالعنف، والاقتتال، والمجاعات، والتدخلات الأجنبية؛ ما أدى لكثير من النكات ? مثلا- ما حجم السودان؟ الرد: مليون ميل مربع! التعليق: لا مكعب لأنه حفرة!. ومقولة عبد الله ضحية: كيف تكون سودانيا؟ والرد: أنماط من التواكل والكسل من باب لا تؤخر عمل اليوم لغد ما دام يمكن أن تؤخره إلى بعد غد!. ومقولة طوني بوزان الذي سأل: «ما الفرق بين الديناصور والسوداني النشيط؟، الرد: الاثنان انقرضا.. نتيجة هذا كله إسقاط السودان من الحساب، وعدم الرهان عليه، والتطلع للفرار منه بتذكرة في اتجاه واحد. وكثيرون صاروا يخلطون بين الكرت الأخضر الأمريكي وسندس الفردوس.
في تصحيف لبيت البحتري:
تَذُمُّ الفَتاةُ الرُّودُ شِيمَةَ بَعْلِهَا
إذا بَاتَ دونَ «الكرت»ِ، وهوَ ضَجِيعُهَا
منذ مدة أزعجتني هذه الظاهرة وصرت أفكر في وسائل لدحرها منها الاهتمام بالتوثيق التاريخي، والتربية الوطنية، والتوثيق المتاحفي وغيرها. ولكن بدا لي أن للإنسان السوداني ميزات فريدة لا ينكرها إلا مكابر. ميزات أشار إليها كثير من شعرائنا أمثال: محمد عبد الحي، ومحمد المكي إبراهيم، وصلاح أحمد إبراهيم، وسيد أحمد الحردلو وغيرهم. هذه الميزات تقود لقيم غرسها في نفوس أهل السودان تراث الخلاوي، والمسايد، والأحاجي، وصدح بها الشعراء الشعبيون من حكامات، وكنداكات، وأصحاب المسادير، وشعراء الدوبيت، وغيرهم. في هذه المجالات ثقافة أواسط السودان هي الأكثر توثيقا مع غياب نسبي لثقافات الغرب، والشرق، والشمال، والجنوب. وإن كانت ثقافة الوسط هذه عن طريق الدور المحوري للعواصم بقيادة أم درمان استطاعت أن تستصحب كثيراً من الثقافات الجهوية السودانية المختلفة. في هذا الصدد أم درمان قيمة وبوتقة لا مجرد رقعة في المكان كما قال الشاعر عبد المنعم عبد الحي:
أنا أمدرمان تأمل في نجوعي أنا السودان تمثل في ربوعي
أنا ابن الشمال سكنتو قلبي على ابن الجنوب ضميت ضلوعي
ولا شك أن القيم التي أسميها إنسانيات سودانية قد صارت أشبه ما تكون بقيم سودانية قومية. ومع ذلك فنحن بحاجة لصحوة ثقافية تجعلنا أكثر اهتماما بالتنوع الثقافي في بلادنا تقديراً لحقيقة التنوع الثقافي هذه، واعتباراً لقيمتها، فالتنوع من مقاصد الكون: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ)2. إن الاهتمام بهذا الجانب من حياتنا صار ضرورة وطنية لأن إهماله قد صار يمثل إخفاقا في إدارة التنوع، ويمثل خطراً حقيقياً على وحدة البلاد. الأشعار القومية حاملة قيم الإنسانيات السودانية لعبت:
* دورا رئيسيا في الدعوة المهدية وفي الكيانات الصوفية وفي المدائح النبوية.
* دورا سياسيا في دعم النظم أو في معارضتها.
* دورا اقتصاديا في الحث على الكسب والمغامرة من أجله.
* دورا اجتماعيا في المدح، والهجاء، والرثاء، والغزل.
ومع أهمية هذه الأدوار، فإن ثقافتنا المركزية وتعليمنا الرسمي لم يحفل بها بالقدر الكافي وصارت ثقافة شعبية تفرض نفسها رغم تجاهلها. ههنا سوف أتناول الحديث عن الإنسانيات السودانية. ولكيلا يكون هذا الحديث تمرينا في الشوفينية استهله بالحديث عن سلبيات وأهمها: العفوية، والمجاملة المبالغ فيها على حساب الصراحة، والاهتمام الأكبر بالأخلاق الخاصة كالعرض وإهمال العامة كالمواعيد، وتضخيم الاجتماعيات وتهميش العمل. ولكن رغم هذه السلبيات فإن للسودانيين أخلاقيات إنسانية سار بذكرها الركبان:
* في عام 1988م اجتمع بنا الأمير الحسن بن طلال في عمان وخاطب جماعة منا قائلا إنه وغيره من الزعماء العرب يتحدثون عن وجود أخلاق سودانية سماها إنسانيات سودانية مميزة.
* وقال لي أحد سفراء السعوديين بعد أن نقل من السودان إلى بلد آخر: السودان مع قسوة الطبيعة فيه نعمة الطبع. تلك الأخلاقيات آسرة. لذلك كثير من السفراء يقولون لي عندما نقلنا للسودان حزننا. ولكن عندما نقلنا من السودان بعد معرفة أهله حزننا!
* ولا ينفك الرئيسان ملس زناوي الأثيوبي وأسياسي أفورقي الأرتري، عند لقائهما يذكران الفترة التي قضياها في السودان بانبهار بإنسانيات أهل السودان.
* إنسانيات عبر عن إعجابه بها كل الذين توسطوا بين أطراف سودانية مقتتلة إذ لاحظوا درجة أعلى من التسامح بين أطراف الاقتتال السودانية وعبروا عن هذه الملاحظة ? مثلا الجنرال سمبويو وسيط الإيقاد.
* الإنسانيات السودانية الآسرة كثيرة وقد عبر عنها كثير من شعرائنا أمثال محمد عبد الحي، ومحمد المكي إبراهيم، وصلاح أحمد إبراهيم، والهادي آدم، وغيرهم كثيرون وأسهب في التعبير عنها رواد الشعر الشعبي من مسادير ودوبيت وحكامات وكنداكات، وهذا بحر من العطاء عريض ولكنه بالقياس للاهتمام الذي يحظى به شعراء النخبة نسبيا مهمش ولذلك فضلت أن أوثق للإنسانيات السودانية من الأشعار الشعبية دون إنكار لدور شعراء ا لنخبة باللغة الفصيحة أو الدارجة في التعبير عنها ? مثلا- أشعار محمد المكي إبراهيم باللغة الفصحى:
عذراء كقلب القمحة أمتنا
فالألسن والأجفان هنا عذراء
* أو شعر صلاح أحمد إبراهيم باللغة الدارجة:
الحافظ ديمة حقوق الغير
سيد الماعون السالي السيف
الهدمه مترب وقلبه نضيف
وبعد تأمل وتفكر في الأمر أرى أن أهم الإنسانيات السودانية التي ساهمت الثقافة الشعبية في التعبير عنها، والترويج لها، والترويج لها عبر الأناشيد، والدوبيت، والمدائح، والمراثي، والأغاني ثمانية خصال هي: الكرامة- الكرم- التواضع- التسامح- المروءة ? التضحية- الإقدام- الغزل العذري.
1. الكرامة: الأمثال الشعبية السودانية لا تبرح تلح على الكرامة- مثلا ? لاقيني ما تعشيني، بليلة مباشر ولا ذبيحة مكاشر وهلم جرا.
* قال ود الرضي عن الكرامة: جلد الحر رهيف أقل حاجة تقدو
وقال:
الزول البهين أمرك قطع لا تزورو
ولو كان القمر لا تهتدي بي نورو
* والاحتجاج بالكرامة من أجل الاستقلال: أبيات عكير:
ما بنتبع نروح للغير ونبقى سعية ننساق بالخشوم غنما موالفة رعية
2. الكرم: تكثر في الإشادة به الأمثال: قدح ود زايد، عوج الدرب، ما في دين بلا عجين... الخ.
وهذا المثل يعزز مقولة بعض رجال الدين إذ قال إن ولاية الشوام بالسياحة، وولاية المصريين بالعلم، وولاية السودانيين بالكرم. وإليك أبيات ود شوراني في الكرم.
تمساح أم كبلو الحارس التنير
الجود والكرم راجيك نحلة عديل
يا ركازة الحي العليك بيميل
بلاك منو البضبح اللقحة اللبنها بسيل
3. التسامح: تعبر عنه أمثال كثيرة مثلا: المسامح كريم، الفشّ غبينتو خرب مدينتو، وغيرها.
وقالت مادحة تمدح تسامح الشيخ العبيد ود بدر:
الهوى والشرق بي ليمو لماهو
الزين والفسل بي خيروا عماهو
حفرا لعد غريق لامن يجيب ماهو
شال سعينات الرجال سواها في سقاهو
وما قاله عكير في الإمام عبد الرحمن:
جهادك لين وحكمة وفاطرا بسام
يربي الروح رباية الموية للأجسام
وقال فيه أيضا: يا بحر السماح كل البزل تعفاه والأعجب عدوك وقت الدرك تلفاه
4. المروءة: أمثال كثيرة تجسدها: دخري الحوبة، روى العطشان، أبو مروة.
مما قام صغير ما بيمشى في الفارغات
للجار والعشير هو الدخرى للحبوبات
ستار العروض البرفع الواقعات
وما قاله صلاح أحمد إبراهيم بالشعر القومي:
البسمع فيهم يا أبو مروة
بي فراره ينط من جوة
يبادر ليك من غير تأخير
5. الإقدام: أمثال الطولوا لساني، نسيبتك، الحى قدر السبيبة والميت قدر التبلدية.
وما قالت بنونة في أخيها الذي قتله الجدري وميت الجدري لا يبرد خوف العدوى بل يرشح بالرماد:
ما ديرالك الميتة أم رمادا شح
دايراك يوم لقا بدميك تتوشح
الميت مسولب والعجاج يكتح
أحي على سيفو البسوي التح
وفي مجال الإقدام هذا فإن الحكامات، والكندكات، قمن بدور لا يقدر بثمن في حشد الحماسة، أما الحكامة فمؤسسة حماسية أشبه بالتوجيه المعنوي في القوات المسلحة لأن الحكامة من أواسط الأسر ويختارها الفرسان لهذه المهمة وهي التي تخلد البطولات وتمقت الجبن وكما قيل:
وَالعارُ مَضّاضٌ وَلَيسَ بِخائِفٍ مِن حَتفِهِ مَن خافَ مِمّا قيلا
والهمباتة ليسوا مجرد لصوص بل هم كصعاليك العرب أمثال الشنفري، وتأبط شرا، وروبن هود الانجليزي كانوا نهابين وهابين ولهم أشعار في الإقدام رائعة أمثال ود ضحوية.
ولما كانت أقوى نهضات الشعب السوداني في المهدية فإن الشعر الشعبي قد سطر روائع في الحماسة، ورد في منشور المهدي لود سعد يجيزه في المدح بقوله إن «فيه إرهاب للكافرين وموعظة وتذكرة للمجاهدين ولهو فيهم -أي الكفار- أسرع من النبل»، وهو معنى صاغه ود سعد في عبارته:
شمر ود سعد من ايدو لى بركو
قصّر جبتو سواها فوق وركو
قصدو يمدح الهانو لناس ماركو
والعود ما بيجب النار بلا يفركو
5. التواضع: التواضع قيمة إنسانية سودانية أصيلة، فالسودانيون يبغضون الاستعلاء لدرجة كبيرة، ويحرصون في قيمهم أن يتواضع الزعماء والقادة ويختلطون بالناس، كما يحرصون على إزالة فوارق الطبقية المعروفة في مجتمعات أخرى حرصا شديدا. أمثال التواضع كثيرة، مثلا، الزعامة سباتة وقدح، بابو فاتح، مباشر، وغيرها والتواضع قيمة حرص عليها الصوفيون وكانت من أهم وسائل تفوقهم لدى الجمهور على الفقهاء على نحو ما سجل ود ضيف الله في طبقاته. وهو قيمة أشاد بها الإمام المهدي قائلا: إن الارتفاع بالاتضاع، والتواضع قيمة عبر عنها الشعر الشعبي بقوة.
ما قاله عكير:
ظلمات المساكين هب ضو مساهن
بى الندى والتواضع ثبتن رساهن
أو ما قاله عكير في رثاء الشيخ الجيلي الكباشي:
متواضع كريم شيم البرامكة صفاتك
واسع جاه رحيم اتوفوا ناس بوفاتك
وما قاله ود الرضي في حكمه:
إياك والغرور مذ كان جلوسك حافل
اتواضع لي إلهك لا يراك الغافل
إذا كنت ترى نفسك فضيل تكون السافل
أما العافية زايلة وكل بدرا آفل
6. التضحية: أمثال كثيرة تعبر عنها، مثلا الفى ايدو ما حقو، سايم نفسو، والشعر الشعبي غنى بالتعبير عن التضحيات. قال صاحب إبراهيم:
إبراهيم صاحبي المتمم كيفي
ثبات عقلي ودرقتي وسيفي
مونة غذاي مطمورة خريفي وصيفي
سترة حالي في جاري ونساي وضيفي
7. الغزل العذري: الغزل ككل أنشطة الإنسان فيه الحميد والخبيث. والذي ينكر وجود عواطف قوية بين الرجال والنساء ويعبر عنها الشعر والنثر يحاول تجريد البشر من بعض سمات الإنسانية. وقد عبر عن ذلك بعض أهم علماء الدين في التاريخ أمثال ابن حزم في كتابه طوق الحمامة وابن القيم في كتابه روضة المحبين ونزهة المشتاقين. ولكن مع أن عبارة حب هي روح كل علاقة بين الإنسان والرب، وبين الإنسان وأخيه الإنسان، فقد كاد يتخلى عنها الأسوياء ويتركونها للسفهاء. قال فان كوخ: «أفضل الطرق لمعرفة الحياة أن نحب أشياء كثيرة». وقال غبرييل غارسيا ماركيز: «الناس مخطئون لو ظنوا أنهم يتوقفون عن الحب عندما يتقدمون في السن. الحقيقة هي أنهم لا يتقدمون في السن إلا عندما يتوقفون عن الحب». الحقيقة هي أن:
الحب سر الحياة فسمه وحيا إذا ما شئت أو إلهاما
ويمكن تسميته وحيا إذا تأملنا قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)3.
إن قصائد الحقيبة زاخرة بهذا التعبير عن الحب العذري ? مثلا ? ما قاله إبراهيم العبادي:
دون فصادة سواك إلهك
الإبار ما مسن شفاهك
بفظاظة ما فاه فاهك
فطرة أدبك وطبع انتباهك
ما بيدروا ديل جهل جاهك
وفي أشعار شعراء الحقيبة غزل واجب مثل ما قاله عبيد عبد الرحمن في ست البيت:
ست البيت بريدها براها ترتاح روحي كل ما أطراها
قالت جارتها مجاوراها ما قوالة بس حاشاها
ما قالت بقيت حبوبة وخلت بوخته المحبوبة
مهما أبقي مر بالعاني حافظة من الأنوثة معاني
* وفي هذا المجال فان المسادير والدوبيت وغيرها من الأدبيات زاخرة بوصف الطبيعة والخيل والجمال والطبيعة والجمال في القمر، والشجر، والزهر، والبشر.
* كثيرون قالوا لي ما عرفك بهذه الثقافات الفولكلورية السودانية وتعليمك في فيكتوريا وأكسفورد يرشحك لعضوية قبيلة «الحناكيش» الذين يصفون الآبري بأنه «عصير التشويز» وملاح النعيمية بأنه «الملاح البيج» وغيرها من القفشات التي رددها تيراب الكوميديا. ولكن إذا عرف السبب بطل العجب:
o أسرتنا عبارة عن عصبة قبائل السودان. بعض الأسر الكبيرة تحرص على حصرية الأنساب أسرتنا مخالفة لهذا التقليد، مع أن الأصل من نسب حسني استقر بمصر ثم وفد للسودان قبل ألف عام فإنهم تناسلوا مع أهل دنقلا من النوبة وزاد التمازج بعد الإمام المهدي فأم الإمام عبد الرحمن مقبولة بنت نورين سلطان دارفور وجدتها دينكاوية وأمها زغاوية. ومع أن هذا الانفتاح نحو الآخر القبلي اختفى قليلا في فترة مضت فإنه استؤنف بشدة مؤخرا.
o الجزيرة أبا وهي بيئة نشأتنا الأولى هي كذلك جامعة قبلية لأهل السودان.
o وكانت أمي رحمة ?رحمها الله- مخزنا حيا للثقافة السودانية والمهدوية ما جالستها إلا ونفحت منها، فكان أثرها عظيما في تحبيب الثقافة السودانية وفي تلقيمها لنا، بل تجاوز أثرها من جيلنا لجيل أحفادها الذين عايشوها.
o وفي حالتي الشخصية فإن ضخامة دور الاستلاب جاء بنتيجة عكسية وهي النزوح نحو الأصالة بأبعادها الثلاثية الإسلامية، والعربية، والسودانية.
عاشرا وأخيرا: الإنسانيات السودانية وهي أخلاق السمتة تجد اهتماما زائدا في نظري لأنها الآن تعاني من خطر الإبادة من مصدرين:
الأول: داخلي وهو تفوق طبقة طفيلية من الأثرياء الجدد الذين كونوا ثرواتهم بالمحسوبية أو بغسيل الأموال أو حتى بتنزيل الأموال، هؤلاء تبنوا نزعة استهلاكية اندفعت في أساليب حياة تقلد الموضات بلا بوصلة.
والخطر الآخر: خارجي تجسده ثقافة التسلية الهابطة المفتونة بالملذات وللأسف تروج لها أكثر الفضائيات التي انتشرت انتشارا مرضيا، فمع قلة نسبة الناطقين بالعربية في العالم فإن الفضائيات الناطقة بالعربية تمثل 20% من كل الفضائيات! وبرامجها في الغالب تافهة ولكنها كذلك مغرية في نشر قيمها وملابسها وأنغامها. المدهش أن حوالي 20% من برامج الفضائيات العربية تغيب الأخلاق ونسبة مماثلة منها تبث برامج دينية منكفئة تغيب العقل. أنا أرى في هذه الهجمة على الأخلاق وعلى العقل هجوما على حضارتنا. هذه المحاضرة فرصة لأقول لقطاعاتنا وأجيالنا المستلبة إن في ثقافتنا السودانية ما هو أصيل وجميل.
الهوامش
1 سورة الصافات الآية (49)
2 سورة الروم الآية (22)
3 سورة الأعراف الآية (189)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.