أرغب فى إيراد النقد الذى وجهه القارئ الكريم معاوية أبوعبيدة عمر إلى الجزء الأول من مقالنا هذا فى صحيفة الصحافة « النسخة الإلكترونية « ، والسبب في ذلك يعود إلى أننا فعلاً نرى أن نيات الحكومة وإرادتها الصادقة هي الفيصل في حل الأزمة ، إذ لانرى في أي نص من النصوص ، مهما كانت درجة وجاهته ، حلاً لأزمة مثل أزمة دارفور إذا لم يتبعه توجهٌ صادق وإرادة حقيقية ، فهي في المحل الأول والوجاهة في المكان الثاني ، ولن نستطيع ان نعزل أي حل ستقدمه الحكومة خارج السياقات التاريخية لمحاولاتها السابقة وإلا انتفت الموضوعية في ما نحاول أن نتعاون فيه من أجل إيجاد حلٍ له ، لقد قال معاوية ( سيدي ، لم استفد من مقالك فيما تظنه تقييما للإستراتيجية الخاصة بإنهاء ازمة دارفور شيئا ، فتقييمك لم يلازمه التوفيق لأنه مبني من أساسه على تجريم نية الحكومة في إنهاء الأزمة ، وتقييمك ملئ بالعواطف ( أقصد عدم حبك للحكم ) أكثر منه تقييم موضوعي ، ثم من قال لك إن حركة التحرير والعدالة على قلب رجل واحد فبالأمس خرج علينا أحد قيادييها بما يؤكد وجود انقسامات حادة بداخلها ، سيدي التقييم الصحيح هو أن تكون منصفا فيه ) نقول للأخ معاوية أين مشروع المصالحات القبلية وأين إستراتيجية العودة الطوعية وأين رست سفينة مبادرة أهل السودان ؟ فما أكثر مبادارت الحكومة وما أكثر إستراتيجياتها التي صاحبت الأزمة ولكن المحصلة النهائية صفر كبير ، فما السبب في تعثرها إن لم يكن نهجها وهي التى تمسك بزمام الأمور ؟ . إن شاءت حلت وإن شاءت عقدت. ومع رأينا هذا ، فإننا لم نغمط الحكومة حقها فى نقد الإستراتيجية ومشاركتها وجهة نظرنا تأسيساً على وجهة النظر القائلة بضرورة النظر إلى النصف المملوء من الكوب ، خاصة إننا لم نقل أن إستراتيجياتها تنقصها الحبكة ولكننا قلنا إنها تأريخياً فشلت في إيجاد الحل المنشود للأزمة عبر الإستراتيجيات التي وضعتها للحل، وعندما حاولنا معرفة السبب لاحظنا افتقارها للذي ذكرنا من أسباب ، إذ أن إستراتجياتها مثل الأجساد التي بلا روح ، الأمر الذي يجعلها تخفق في الوصول إلى غاياتها . إن مشكلة السودان في إقليم دارفور هي عبارة عن مسلسل من الأزمات السياسية التاريخية التي تسببت فيها الحكومات التي تعاقبت على دست الحكم منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا، إلا أن أوار الأزمات تأجج في الإقليم في حقبة حكومة الإنقاذ التي اعتمدت الحلول الأمنية البحتة، لتستطير قضية الإقليم وعموم السودان وتستقر في مقدمة الأجندات السياسية العالمية كأشهر أزمة أمنية وإنسانية في العقد الأول من الألفية الثالثة ، ولذا عندما تفكر أيما حكومة في وضع حلول لها لابد لها ، كيما تنجح في مسعاها أن تضع مثل هذه الحقيقة نصب أعينها وهو ما تزوّر حكومة الإنقاذ عن فعله. أيضاً مما نأخذه على الإستراتيجية الجديدة أن حركة تحرير السودان هي الحركة التي وقَّعَت مع حكومة السودان على اتفاق السلام لدارفور مايو2006م بأبوجا، وبموجب ذلك صارت الحركة مكوناً أساسياً من مكونات الحكومة السودانية لتنفيذ الاتفاق المبرم وحيث أن الاتفاق قد أنشأ آليات لتنفيذ بنوده الخاصة بالأمن والسلام والتنمية والاستقرار في إقليم دارفور، فإن الحركة معنية بشكل جوهري بأية استراتيجية تُعني بالأمن والسلام والتنمية في إقليم دارفور ، على الرغم من ذلك لم تُشرَك الحركة، ولم تتم مشاورتها عند أعداد هذه الاستراتيجية المقترحة لدارفور رغم أن حركة تحرير السودان مشاركة ضمن الوفد الحكومي المفاوض بالدوحة. ولذا لا نرى مبرراً لتغييبها في وضع الإستراتيجية الجديدة. أيضاً ومن حيث المرجعيات، معلوم للكافة أن السلطة الانتقالية الإقليمية لدارفور التي أفرزتها اتفاقية سلام دارفور هي الآلية التنفيذية المسؤولة عن توطين الأمن والاستقرار في إقليم دارفور، ومسؤولة عن الشؤون الخاصة بمعالجة أحوال اللاجئين والنازحين وإعادتهم طوعياً إلى مناطقهم الأصلية بعد القيام بأنشطة تنموية وتأمينية في مناطقهم الأصلية، ثم تعويضهم عن الخسائر التي تكبدوها جراء الحرب بُغية تأمين حياة آمنة وكريمة لهم، ثم تنظيم الحوار الدارفوري/ الدارفوري والمشاورة التي ستحقق رتقاً للنسيج الإجتماعى الذي هتكته الحرب وصولاً إلى سلام مستدام في كافة ربوع الإقليم، ثم إجراء الاستفتاء حول الوضع الدائم لدارفور(المادة/6/55 من اتفاق سلام دارفور2006م). إلاّ أن مقترح الإستراتجية الجديدة قد أغفل هذه المرجعيات المهمة والملزمة، وأهمل كذلك المهام الموكلة لآليات حكومية قائمة ولجأ إلى تكوين آليات جديدة بصلاحيات كبيرة منزوعة من آليات قائمة وفاعلة(الآلية المكونة بقرار جمهوري لتنفيذ هذه الاستراتيجية). الإستراتيجية المقترحة جاءت لتُوحي بأن المشكلة في إقليم دارفور هي صراع بين مكوناته المحلية دون إيراد دور المركز كطرف أصيل في الصراع والحرب والسلم، وحمّلت كل الإخفاقات لسكان دارفور والحركات والفصائل المسلحة مع إغفال دور الحكومة المركزية في الصراع ، ثم طفقت في معظم مراحل الصراع في دارفور تختزل توصيف الأزمة في دارفور على أنها صراع على الموارد الشحيحة تارة، أو بأنها احتكاكات بين المزارعين والرعاة تارة أخرى، وتفعل ذلك كأن الحكومة السودانية غير مسؤولة عن إقليم دارفور أو كأنها تتحدث عن وحدة سياسية مستقلة لا تتبع للدولة المركزية السودانية، بينما الحقيقية خلاف ذلك، وتتمثل في أن حكومة المركز هي من فجّرت الحرب في دارفور بإرادة منفردة، فهي كما ذكرنا طرف أساس في الأزمة ووقودها المستعر من البداية حتى النهاية، حيث يعلم الجميع أن جذور مشكلة دارفور تتمثل في قصور الدور الحكومي المركزي في تنفيذ مشروعات التنمية والبنى التحتية وزيادة الموارد لتتناسب طردياً مع الزيادة في عدد السكان والثروة الحيوانية، ويجب الاعتراف بهذه الحقائق المثبتة وإيرادها وصولاً إلى نتائج حقيقية. إن الركيزة الأساسية لهذه الإستراتيجية المقترحة هي السعي لإيجاد منبر تشاوري لأبناء دارفور داخل السودان، وصولاً إلى صيغة اتفاق شامل ونهائي، ولكن مأخذنا على ذلك والذي ظل يتكرر منذ بداية الصراع في دارفور، هو أن حزب المؤتمر الوطني سيتدخل حتماً في اختيار ممثلي الكليات المختلفة التى يجب أن تتداعى إلي المنبر بطرق معلومة للجميع ، إذ يُدخل يده خلسةً فى تشكيل عضوية هذه المنابر ، وقد حدث ذلك في كل ملتقيات التشاور الدارفورية من لدن ملتقى طرابلس في عام 2004م وحتى ممثلي المجتمع المدني من أهل دارفور في منبر الدوحة في يونيو المنصرم، والغرابة تكمن في أن الحكومة رفضت توصيات ممثلي المجتمع المدني الذين ذهبوا إلى الدوحة بموافقتها وعلمها وبتدخلها في تشكيلهم، وقد ضاقت بهم ذرعاً عندما دعموا مطلب أهل دارفور المتمثل في الإقليم الواحد رغم أنه مطلب قديم ومتجدد.. وللخروج من هذه المشكلة المزمنة لا بُد من إيجاد آلية محايدة لاختيار ممثلي الكليات المختلفة لأهل دارفور دون تدخل أو هيمنة أو ترهيب او إقصاء ، نأمل كما ذكرنا في مقالنا السابق أن تُوفق الحكومة في الوصول إلى حلٍ لأزمة دارفور حتى يتفرغ أهل دارفور والسودان عامة إلى ما ينفعهم ويكرس الرفاهية في حياتهم .