تعتبر ظاهرة اعتكاف الشباب عن الزواج من ابرز المخاطر التي تهدد السلام الاجتماعي، ووفقا للبحوث والدراسات التي رصدت الحراك الاجتماعي، فقد تصدرت العنوسة بين الجنسين ملامح القضية الاجتماعية. ولان للامر ما بعده من تغيرات ديموقرافية في ظل التدفق الاجنبي الكثيف نحو البلاد كما تمتد آثار الاعتكاف الى الانتاج والانتاجية، فقد قررت «الصحافة» الوقوف عند الظاهرة اسبابها وطريقة احتوائها. إن عدم زواج الشباب يعني وجود طاقات مكبوتة قابلة للانفجار في وجه النسيج الاجتماعي، ويذهب علماء الاجتماع الى ان تفلت بعض الحالات في شكل الجرائم غير المألوفة سوف يسهم في تكرارها وتطبيعها لتنخر في جسد الامة. ولعل ابلغ حديث على ذلك ما ساقه الرئيس الامريكي الاسبق جون كيندي في وصفه للشباب عندما قال: «إن مستقبل أمريكا فى خطر، لأن شبابها مائع منحل غارق فى الشهوات لا يقدر المسؤولية الملقاة على عاتقة، وإن من بين كل سبعة شبان يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين، لأن الشهوات التى غرقوا فيها أفسدت لياقتهم الطبية والنفسية». ويعرف الزواج بانه المؤسسة الأسرية التي تكون نواة المجتمع، ولا يستمتع بالزواج ويتحمل مشاقه عن طيب نفس ورضاء إلا شاب ادرك المقاصد الاجتماعية من وراء هذا البناء الذي يستحق وصف الطود العظيم .. ومعرفة مقصود الله تعالى من الزواج يجعل الشباب أكثر إقبالا عليه ورغبة فيه وسعيا وراءه. غير أن الواقع المادي الراهن أسهم في خفض معدلات الايقاع في هذا البناء الاجتماعي، ففي قراءة للارقام وسط شريحة اجتماعية غير منتقاة أجراها الصندوق الخيري لمساعدة الشباب على الزواج «نوفمبر 2007م» على مجموعة من الشباب، خرجت الدراسة بأن 65% من المجموعة غير متزوجين، وان «56%» من الشباب المتزوج بالشريحة دخلوا عش الزوجية بعد الخامسة والعشرين. اما الذين لم يتزوجوا فقد لخصوا الاسباب التي اقعدت بهم عن دخول القفص الذهبي في العطالة، عدم وجود دعم من الاسرة، سهولة خلق علاقات جنسية، عدم توفر المأوى، عدم التدين، الوصول لوضع أفضل، عدم الوعي بأهمية الزواج المبكر، عدم وجود القدوة الحسنة، انتظار انتهاء سنوات الاغتراب، انتظار تزويج الأخوات البنات، الاكتفاء بالتعليم دون عمل، ارتفاع المهور وتكاليف الزواج. كما أن بروز الزواج العرفي، زواج الدم وزواج الاتفاق وغيرها من العلاقات والزيجات الغريبة قد أسهمت في الحد من الزواج الشرعي المعروف. وخبراء الاجتماع أشاروا إلى أن وصفة العلاج تتمثل في تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد، تسهيل إجراءات الزواج، تغيير ثقافة المجتمع تجاه الزواج، تضامن الدولة والمجتمع لمساعدة الشباب، الجمع بين التعليم والعمل والزواج، الحض على العمل، الرجوع إلى الدين، نشر ثقافة الزواج المبكر، تعويد الشباب على تحمل المسؤولية، الاختيار المناسب، تقديم القدوة الحسنة بواسطة رجالات الدولة والمجتمع، بث ثقافة التوكل وعدم الخوف من المستقبل، نشر ثقافة تعدد الزوجات، مراجعة السلم التعليمي، والاهتمام بالتعليم والحصول على الشهادة. كما أن للمجتمع دوره عبر منظماته الاهلية في حل المشكلة، إذ عرفت المجتمعات الريفية جهودا اهلية ظلت تنهض من وقت لآخر لمساعدة الشباب على الزواج بخفض المهور وتبسيط الإجراءات، واشتهرت منها لجان الكورة- البركة- الشيخ البرعي والطرق الصوفية الأخرى، ورغم دورها الكبير في تلك المجتمعات الصغيرة إلاّ إن عدم استمرارها فضلاً عن اتساع حجم المشكلة وتعقيدها بات يستوجب تدخلاً على مستوى أوسع واعمق وأكثر انتشاراً وتنظيماً، كما ظلت بعض منظمات المجتمع المدني في السودان تنشر الوعي عن مخاطر الامراض الجنسية كالايدز وغيره، وبدأت تدفع المجتمع والشباب نحو الزواج وإعفافهم تحصيناً للمجتمع لأنه الحل الأنسب، وهنا لا بد من الوقوف عند جهود الصندوق الخيري لمساعدة الشباب على الزواج الذي جاء تكوينه لمواجهة تنامي ظاهرة تأخر سن الزواج «العزوف عن الزواج في السن الطبيعي» وما يترتب عليها من آثار نفسية وأخلاقية واجتماعية وصحية سالبة، كما هدف الصندوق لمواجهة الغزو الفكري والثقافي متعدد الأوجه والوسائل الذي يستهدف شريحة الشباب، كما أن عدم وجود مؤسسة تعني بحض الشباب ومساعدتهم على الزواج والاستقرار الأسري بصورة مستدامة، اسهم في ايجاد الصندوق ليكون بمثابة ذلك الذراع، وجاء للتعبير عن اهتمام الدولة بشرعية الشباب وقضاياهم، واستطاع الصندوق تنفيذ 59.848 زيجة خلال الفترة 2006/2009م. وتواجه الصندوق مجموعة من المشكلات والعقبات المتباينة في الحجم والتأثير، تتمثل في المعوقات المالية، اذ يواجه الصندوق شح الموارد المالية نتيجة لمحدودية مصادر التمويل «يعتمد الصندوق على تسيير شهري من وزارة المالية، بالإضافة لمساهمات غير دائمة معظمها من ديوان الزكاة والولايات وبعض المؤسسات الاتحادية المستفيدة من خدمات الصندوق»، لتبرز مشكلة عدم كفاية التمويل إزاء تصاعد إعداد الزيجات المستهدفة وتنامي برامج ومشروعات الصندوق، وهناك معوقات إدارية تتمثل في عدم فعالية مجلس أمناء الصندوق، وعدم اكتمال الهياكل الإدارية، والافتقار إلى مقر دائم للصندوق، اضافة الى قلة تجاوب مؤسسات الولايات مع برامج الصندوق. كما يواجه الصندوق وفقا لورقة عمل اعدتها ادارته التنفيذية أخيراً معوقات فنية تتمثل في عدم وجود الدراسات المسحية والميدانية للوقوف على مشكلات الشباب المتجددة، وعدم كفاية الفرص والمساحات في الوسائط الإعلامية لتوصيل رسالة الصندوق. وحتى يسهم دعم الزواج في مواجهة الموقف فإن إدارته ترى أن الأمر يتطلب زيادة حصة التسيير الشهري واستدامة تدفقها، وتخصيص نسبة ثابتة من عائدات الأوقاف والزكاة واستصدار تشريع اتحادي لتقنين ضريبة أو رسم «سهم الأيامي» لجباية بعض المال، اضافة الى تخصيص نسبة من أرباح الاستثمارات الاقتصادية الكبرى مثل البترول، المعادن، الزراعة، الصناعة، الاتصالات والسدود وغيرها وتوجيهها للصندوق، مع دعوة ممولين لإنشاء مشروعات مدن العفاف واسترداد التكلفة بضمان وموافقة الحكومة، واستقطاب الدعم المادي والعيني من الصناديق والمؤسسات الخيرية العربية والإسلامية. ولمواجهة المشكلات الادارية والفنية فإن الأمر يتطلب ان يكون الصندوق تحت الرعاية المباشرة لرئاسة الجمهورية، مما يتطلب مراجعة قرارات الإنشاء والهياكل بما يضفي عليه اهتمام المؤسسات الأخرى، وكتعبير عن اهتمام قيادة الدولة العليا بهموم وقضايا الشباب. والتواصل المستمر مع الخبراء والعلماء وأهل الرأي والمهتمين في الدولة والمجتمع، وتنسيق الجهود مع اللجان والمؤسسات المماثلة الأخرى لمزيد من التجويد واكتساب الخبرات وصقل المواهب، مع نقل الخبرات والتجارب العربية والإسلامية المماثلة، وعقد اتفاقيات توأمة ومذكرات تفاهم مع الصناديق الرصيفة لتبادل المنافع وتوثيق الصلات وتفعيل إجراءات تخطيط وتنفيذ مشروعات الصندوق الكبرى، لا سيما مدن العفاف والتسهيلات النوعية والتهيئة لما قبل الزواج وبناء أبراج الصندوق، ومخاطبة مؤسسات الدولة بالتنسيق مع الصندوق في جميع زيجات منسوبيها، وذلك لتوحيد الجهود وتعميم الفائدة. كما أن الامر يتطلب حفز أجهزة الإعلام والصحافة لتوصيل رسالة الصندوق عبر الوسائط المختلفة، ورفع الوعي وتغيير المفاهيم المجتمعية السالبة، وإجراء المزيد من الدراسات والبحوث والمسوحات الميدانية للوقوف على كافة الظواهر والمعضلات المجتمعية، وإيجاد الحلول العلمية. وبناء قاعدة معلومات متكاملة حول الشباب المستهدف من الجنسين ومساهمة مؤسسات الدولة والمجتمع في تحقيق الأهداف المشتركة في مجالات محاربة العادات الضارة والثقافات الوافدة. وتفعيل مبادرات التراحم والتكافل وتمويل المعسرين من الشباب ومساعدتهم على العمل والإنتاج. ودراسة إمكانية إنشاء داخليات طلابية تسمح بسكن الطلاب المتزوجين مع بعضهم البعض، وتشجيع الزواج الشرعي كبديل للزواج العرفي والعلاقات المشبوهة، وتقديم قدوة عملية بأبناء وبنات كبار المسؤولين والقادة في الدولة والمجتمع، بما في ذلك زعماء الأحزاب والطوائف الدينية وقادة الرأي ورجال المال والأعمال، وغيرهم من الشخصيات المرموقة.