الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    عيساوي: حركة الأفعى    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأبيض .. المدينة الرائعة (22)
نشر في الصحافة يوم 30 - 08 - 2010

إذا جاز لنا أن نختزل وصف مدينة الأبيض في كلمة واحدة فسنقول إنها رائعة .. وعندما يكتب عن الأبيض واحد من عشاقها الصوفيين يصعب عليه تحديد من أين يبدأ ؛ إذ أن الموضوعات تتزاحم .. والذكريات العذبة تتدافع شيقة وندية .. والتاريخ يطل مطالباً بحقه في أن يروى وأن يوثق .. وبالمثل الأصالة .. والبسالة.. والوطنية.. والقومية السودانية التي تجسدها تلك المدينة العظيمة . لكل ذلك فإن تناول مثل هذه الجوانب يغري بالاسترسال والإطالة ؛ وهو ذو شجون ومتعة .
لا أهدف من وراء هذه السلسلة من الموضوعات فقط إلى إشباع أبناء الأبيض ، بل أيضاً إلى إضفاء أجواء الإلفة والدفء لأبناء السودان جميعاً ، وخاصة من هم بعيدون عن أرض الوطن ، وذلك بالكتابة عن إحدى مدن السودان التي تحمل سماته القومية . وأنا واثق -أو هكذا آمل - أن ما نتناوله سوف يشيع أجواء عامرة من المشاعر الوطنية ، نود أن يتشبع بها الجيل الجديد من الأبناء ؛ كما نرجو كذلك أن يعيد ذكريات عزيزة لأبناء الجيل القديم ( جيل البطولات وجيل التضحيات .. أم تلك مسألة فيها نظر؟ !) تجعلهم يستعيدون نكهة فترة خصبة من تاريخ السودان عاشوها وتنسموا عبيرها .. والذكريات كما يقول شاعرنا محمد عوض الكريم القرشي «نهضت بجيلها» نحن في مباهاتنا بمدينتنا لا ندخل في منافسة مع عاشقي المدن والقرى الأخرى في السودان ? بل على عكس ذلك نرى أن حبنا جميعاً لمدننا وقرانا هو أساس حبنا لوطننا الكبير السودان . وسوف أحرص على أن ينصب التركيز في ما سوف أتناوله على الجوانب ذات الأهمية العامة ، حتى لا يكون مجرد نوستالجيا لمتعة أبناء الأبيض .
الحلقات التي أزمع موافاتكم بها تتضمن :
عروس الرمال - اقتصاديات المدينة- أنظمة المواصلات - العراقة التاريخية للمدينة ? الأبيض عاصمة المهدية - الحركة الوطنية ? حركة الوعي والتنوير- الأبيض عاصمة الغرب ? ( بعض هذه الموضوعات سبق أن تم تناولها في إحدى أمسيات السمر في النادي الاجتماعي للجالية السودانية بسلطنة عمان ؛ شارك في تقديمها معي الأخ الزاكي جمعة ؛ ونوجه له الدعوة بإمتاع قراء المنبر بمساهماته الشيقة ، وخاصة ما يتعلق بالحركة الفنية ) . كذلك سوف نلقي الضوء على منظمة الأبيض الطوعية للتنمية والتعمير والجهود المخلصة التي يبذلها الإخوة القائمون عليها للنهوض بالخدمات الطبية والتعليمية في المدينة . وبالطبع لن ننسى خورطقت التي لها في نفوسنا مكانة خاصة.
وسوف أحرص على أن لا تأتي الموضوعات جافة وعسيرة الهضم .. فمدينتنا لم تعرف بالعسر والإثقال ؛ بل إن أبرز ما عرف عنها جاذبيتها وبساطتها المحببة التي جعلت أفئدة الناس تهفو إليها .. كما أنها مدينة ذاخرة بالظرفاء من أمثال المرحوم الشيخ الكجيك والمرحوم خضر المبارك وعثمان الشيخ وود الزين والسفاح ! وبما أنني جديد على المنبر آمل أن تكون الموضوعات منسجمة مع طبيعة المنبر وروحه .
حركة الوعي والتنوير
لقد لعبت مؤسسة كردفان دوراً عظيما في بث الوعي في غرب السودان .. ونعني بمؤسسة كردفان لمؤسسها الدكتور الفاتح النور : جريدة كردفان ومطبعة كردفان ومكتبة كردفان وصالون كردفان.
فلقد أسهمت جريدة كردفان (والتي كانت تصدر صباح الجمعة ومساء الاثنين ) في تغذية الشعور الوطني ومكافحة الخرافة والدفاع عن حقوق المواطنين في غرب السودان ، مثل حقهم في التنمية الإقليمية المتوازنة ? وحقهم في الماء والتعليم والخدمات الصحية . كما كانت جريدة كردفان تتفاعل مع القضايا العربية والإفريقية. ومن أبرز إسهامات جريدة كردفان مناصرتها لمزارعي جبال النوبة . . وبسبب ذلك تعرضت الجريدة للاحتكاك مع الحكومة قبل الاستقلال ؛ بل وتعرض رئيس التحرير إلى السجن . وبسبب استقلاليتها ودفاعها الصلب عن حقوق جماهير الغرب احتكت جريدة كردفان مع الحكومات الوطنية كذلك .. ومع الأحزاب التي تناصرها ؛ خاصة في فترة كان الشعار المرفوع هو تحرير لا تعمير .. وتوقفت جريدة كردفان للأسف في ظل الحكم العسكري الثاني .. بعد أن تعرضت للتأميم والتبعية للاتحاد الاشتراكي! . ولقد خرجت جريدة كردفان أجيالاً من الكتاب والصحفيين الممتازين .. فقد عمل بها الأستاذ عبد الله رجب قبل أن يؤسس جريدته الصراحة .. وكان سكرتير تحريها المثقف الوطني محمد عبد الرحمن بلال .. وتخرج من مدرستها الصحفي البارز حسن الرضي.
أما صالون كردفان فقد كان منارة ثقافية عامرة ، حيث كان يضم صفوة المفكرين والأدباء والشعراء في المدينة . وكانت مكتبة كردفان ذاخرة بالمجلات والكتب من مختلف دور النشر في مصر ولبنان .. كنا نقرأ بانتظام الرسالة وروزاليوسف والمصور والهلال والأديب والآداب والثقافة الوطنية . وقد تأسست في منتصف الخمسينيات مكتبة الجماهير .. وأسهمت في بث الوعي والفكر، وحفلت بالكتب من الصين والاتحاد السوفيتي ولبنان ودار الفكر بمصر . وكانت هناك مكتبة الجيل لصاحبها الأخ / الفاضل عبد الرحمن أحمد عيسى ، ومكتبة الثقافة الإسلامية وصاحبها الأخ محمد علي طاهر . كما كانت هناك مكتبة عامة للإطلاع والتسليف يشرف عليها مجلس بلدية الأبيض .. وهي في موقع هادي وجميل إذ أنه يطل على فولة الأبيض الرئيسية! (ربما تكون كلمة فولة محتاجة إلى شرح !!). نواصل حول الوعي والتنوير .
حركة الوعي والتنوير (مواصلة(
كانت حركة الوعي والتنوير في عنفوانها في نهاية الأربعينيات وبداية عقد الخمسينيات ، حيث كانت تلك فترة التطلع إلى بناء السودان المستقل ، وما يتطلبه ذلك من بعث ثقافي ، وانفتاح على الفكر الإنساني ، وزرع الثقة في النفوس ، ومجابهة قضايا الوحدة الوطنية ، والتنمية ، ومكانة المرأة في المجتمع ، وغيرها من القضايا والتحديات الجديدة..
وبرز في مجتمع المدينة قادة من الجيل الجديد ? جيل ما بعد مؤتمر الخريجين ? نذكر منهم الحاج الطاهر أحمد ، وحسنين حسن ، ويوسف عبد المجيد ، وعلي التوم ، وأنور أدهم ، وعبد القادر خليفة ، وأحمد وعبد الرحيم علي بقادي ، ومعتصم عبد الله مالك، وعبد الوهاب عبد الرحيم المبارك ، وكامل وعكاشة حسن محمود . وإن كانت الرؤى المتقاربة تجمع بين من ذكرت ، فقد كان هناك أيضاً قادة من هذا الجيل الجديد يحملون رؤى سياسية واجتماعية مختلفة لمستقبل السودان .. نذكر منهم التيجاني أبوجديري ، وإبراهيم أبو حسنين ، وعبد القادر حسين جعفر ، والتيجاني محمد علي البشير ، ومجذوب سالم البر . ورغم الاختلاف في الرؤى إلا أن الصداقة والاحترام المتبادل كانت تربط بينهم جميعاً برابطة وثيقة.
وكان للحركة الطلابية والحركة النسوية في الأبيض دور بارز في الإسهام في بث الوعي ، تجلت في مهرجان كردفان الثقافي ( 1952م ) والذي تغنى فيه الفنان أحمد المصطفى لأول مرة ب «نشيد الاتحاد» تحية لقيام الاتحاد النسائي :
يا فتاة هجرت طول الرقاد
يوم أن قامت تنادي الاتحاد
ولقد نظم اتحاد طلاب كردفان في تلك الحقبة حملات ناجحة لمحو الأمية شملت جنود القيادة الوسطى (بمساعدة وتفهم وتقدير من قائدها الأميرلاي أحمد عبد الله حامد ) ، كما شملت أيضاً مواطني الأحياء الشعبية في الأبيض ( فريق الميرم وحي أمير ). وإثر نجاح تلك الحملات على مستوى مدينة الأبيض ، نظم اتحاد طلاب كردفان مع الاتحاد العام للطلاب السودانيين حملة محو أمية موسعة لفائدة مزارعي جبال النوبة .. وبقي المئات من الطلاب في الدلنج وكادوقلي وتالودي وهيبان والليري وغيرها من مدن وقرى جبال النوبة لمدة ثلاث أشهر يحاربون الأمية وينيرون الطريق أمام آلاف المواطنين. وكانت تلك من أعظم الأعمال التي لا تزال ذكراها تبعث في نفوس من شاركوا فيها الكثير من الفخر والرضاء.
الأبيض عاصمة الغرب
كون الأبيض عاصمة الغرب .. هذه حقيقة وليس ادعاء ، حيث أن أهل غرب السودان أسهموا تاريخياً في تأسيس هذه المدينة ، وامتزجت قبائلهم فيها . ومن أقوى الروابط بينهم أنهم رفقاء سلاح كما يشهد بذلك تاريخ الثورة المهدية ؛ كما ازدهرت في الأبيض علاقات المصاهرة والصداقة بين سكان غرب السودان .
ومن الروابط الهامة التي زادت من عمق تلك الصلات أن الرعيل الأول من المتعلمين في غرب السودان عاشوا سنوات من صباهم الباكر في الأبيض تشربوا فيها حب هذه المدينة ورجعوا منها بذكريات عذبة ؛ حيث أنهم تلقوا تعليمهم في مدرسة الأبيض الأميرية الوسطى ، والتي كانت منذ تأسيسها في مطلع القرن الماضي وحتى الاستقلال هي المدرسة الوسطى الوحيدة التي أنشأتها حكومة السودان في كل غرب السودان . وكان لمدرسة خورطقت الثانوية فيما بعد أيضاً دورها في تعزيز الصداقات وتوحيد الرؤى وبلورة الوجدان المشترك للمتعلمين من أبناء غرب السودان.
سكان غرب السودان يكنون للأبيض كل الحب والتقدير .. وهم لا يحسون بأنهم غرباء فيها ، فلكل منهم في الأبيض منزلة وأصدقاء . عند زيارة أي من زعماء قبائل الغرب للأبيض يتبارى أهل الأبيض في تكريمهم والاحتفاء بهم .. ونفس التكريم والاحتفاء يجده أعيان مدينة الأبيض عند زيارتهم لأي من مناطق الغرب .
نجد في الفولكلور الكردفاني التعبير عن التطلع لزيارة الأبيض ، والتي هي بمثابة الأمنية والعيد:
زولاً سرب سربة وخلى الديار غربه
أدوني لي شربة خلوني النقص دربه
« الشيخ إسماعيل الولي»
قدم الأخ والصديق الأستاذ مكي حاج عربي محاضرة بالنادي الاجتماعي للجالية السودانية بمسقط ، بعنوان « الشيخ إسماعيل الولي» ، وذلك في إطار البرنامج الثقافي الحافل والمتنوع للنادي. تركزت المحاضرة حول جوهر الفكر الصوفي للشيخ الأستاذ السيد إسماعيل بن عبد الله ? قنديل كردفان . وقد وعد الأستاذ المحاضر مشكوراً بتقديم ملخص لها للنشر. لهذا سوف أترك جانب التصوف، وأتناول في هذه النبذة الموجزة عن الأستاذ قنديل كردفان بعضاً من الجوانب التاريخية والاجتماعية.
الشيخ الأستاذ السيد إسماعيل مثقف وطني ومفكر واسع المعرفة ، حيث له أكثر من سبعين مؤلفاً في التصوف والفقه وفروع المعارف المختلفة ، وفي التاريخ والأدب والشعر.
ولقد اتسم فكره بالأصالة والالتصاق بالبيئة الثقافية والاجتماعية المحلية. وكما هو معروف فإن الطريقة الإسماعيلية التي أسسها السيد إسماعيل هي الطريقة الصوفية الوحيدة السودانية الخالصة ، منشأ وقيادة.
ارتبط السيد إسماعيل وأبناؤه وأحفاده من بعده بالحياة العامة ، وظلوا مشاركين للمواطنين في اهتماماتهم المعيشية ، وفي عمليات الزراعة وحفر الآبار ، وتأسيس معاصر الزيوت وغير ذلك من النشاطات الإنتاجية.
وكانت حلقات الدراسة التي يقيمها السيد إسماعيل تضم تلاميذ من مختلف أنحاء غرب السودان بما في ذلك جبال النوبة ودارفور . وقد كان سلاطين دار مساليت يرسلون له أبناءهم للتعليم.
قدم السيد إسماعيل السند الروحي لمواطني كردفان في مقاومتهم لتجاوزات وقسوة الحكام في بدايات التركية.. وقد واصل ذلك الدور ابنه السيد المكي ، بل قاد معارضة إيجابية مباشرة . وقد كان السيد المكي يستضيف الإمام المهدي بداره بالأبيض أثناء زيارات الإمام لها في مرحلة العمل السري والإعداد للثورة ( د. محمد سعيد القدال - الإمام المهدي- لوحة لثائر سوداني ) ؛ وقد أسهم السيد المكي في إزكاء روح المقاومة حتى توجت بتحرير الأبيض وانتصارات الثورة المهدية الباهرة في شيكان ؛ ومن ثم إخلاء الحاميات المصرية من السودان وتأسيس الدولة المستقلة وعاصمتها الأبيض ؛ وكانت تلك الانطلاقة الكبرى نحو تحرير الخرطوم .
تفهم السيد إسماعيل بعمق طبيعة التنوع العرقي والديني لبانوراما الجنسيات الأجنبية (مصريون ? شوام ? مغاربة ? إغريق ? أرمن - فلاتة ? هوسا ? هنود ? يهود ? إثيوبيون ? إريتريون.) ، وكذلك القبائل السودانية المختلفة من كردفان ودارفور وجبال النوبة ومن الشمال النيلي ، التي عاشت في الأبيض ؛ فلقد كانت الأبيض مركزاً اقتصادياً واجتماعياً جاذباً آنذاك . ولقد أسهم السيد إسماعيل في تعميق أسس التسامح والتعايش والمحبة وسط ذلك المجتمع.
مع مواصلة أحفاد السيد إسماعيل الاهتمام بالجوانب الدينية والدعوة إلى تهذيب النفوس ، ارتبطوا بالعمل الوطني العريض ، وحافظوا على استقلاليتهم ، ولم يناصروا الأنظمة الشمولية؛ كما أسهموا في النشاط الثقافي والأدبي والاجتماعي الحافل الذي عرفت به مدينة الأبيض.
من أحفاد السيد إسماعيل الرئيس إسماعيل الأزهري ، والأديب والشاعر محمد المكي إبراهيم ، والأستاذ مكي حاج عربي (مقدم المحاضرة) .
النهود
النهود واحدة من أحب المدن إلى نفسي ؛ وهي من المدن التي تترك في الذاكرة انطباعات قوية، لما يمتاز به أهلها من أصالة وحسن معشر، ولبيئتها الاجتماعية الصحية المستمدة من التمازج القومي البديع الذي ازدهر فيها تحت ظل الحيوية الاقتصادية للمدينة، وأثمر أنشطة وطنية وثقافية ثرية. تثير فينا هذه الذكريات ، كما كتب أحد الأصدقاء « الأشواق للأرض والناس والدعاش «.
الرحلة من الأبيض إلى النهود لا تزال حية في ذاكرتي رغم السنين، بل العقود العديدة منذ ذلك الزمن الجميل الذي كنا نقوم فيه بتلك الرحلة بانتظام ولمرات عديدة كل عام . فلكل واحدة من القرى أو المحطات التي تمر بها اللواري في الرحلة من الأبيض إلى النهود نكهة خاصة.. ..وصفها الأخ هميم في إيجاز بديع « الكثبان .. وجمال السماء .. والنيران التي تلوح وتخبو..» العيارة .. الدودية .. أم صميمة .. الخوي .. عيال بخيت .. ثم يلوح جبل حيدوب مبشراً بأننا على مشارف النهود.... وهل تدرون ما النهود؟ قديماً قال أحد الشعراء :
الناس مرقدها النهود وأنت مرقدك الخوي
لو كنت تدري ما النهود لكنت تطوي الأرض طي !
كتب أحد الاصدقاء عن أهمية المساعدين (مساعد الحلة والمساعد الكبير).. والعمل كمساعد هو أحد مراحل ما يعرف الآن بالتدريب على رأس العمل ، حيث يتأهل المساعد ليصبح سائق لوري) ، ولقد اكتسب سائقو اللواري بالغرب مهاراتهم من العمل لسنوات طويلة كمساعدين .. وبعضهم أتيحت له فرصة التدريب في قراشات رئيسية في الأبيض. وبفضل هذه المهارة يجابهون باقتدار وثقة مصاعب ومفاجآت السفرية من وحل وسيول وأعطال ميكانيكية وكهربائية. ومن الصفات المميزة لهؤلاء السواقين تمتعهم بالأمانة والغيرة على سلامة البضائع التي يؤتمنون على ترحيلها.. وبروح عالية من الزمالةً.
موقف اللواري بالنهود تحفه أشجار اللبخ الظليلة.. مما يجعله مكاناً مناسبا لراحة اللواري وأصحابها سواء تلك التي تعمل ما بين الأبيض والنهود، أو تلك التي لا تزال تنتظرها الرحلة إلى الفاشر أبو زكريا مروراً بالدم جمد وأم كدادة.. عبر 17 قوز، والتي تحتاج إلى صاجات ومهارات خاصة ؛ وإلى لواري وسواقين يأنسون في نفسهم الكفاءة ! ومرة أخرى نتذكر عدم قيام طريق الإنقاذ الغربي !
ويمور موقف اللواري في النهود بالحركة والحيوية، حيث يعج بجمهرة المستقبلين والمودعين .. والباعة المتجولين والمشترين للمنتجات الكردفانية، ومن يقصدونه لتلقي الأخبار التي يأتي بها القادمون من دار صباح ودار غرب (وذلك قبل أن تكون للشمارات مواقع دوت كوم !)، ومن يحضروا للموقف ليستقبلوا جريدة كردفان ليستمتعوا بها وهي طازجة.
موقف النهود يثير في النفس ذكريات عزيزة .. فهو مجاور لنادي السلام.. هذه المنارة الثقافية العريقة ( تأسس عام 1917م ) . وكان مقراً لنشاطاتنا في اتحاد طلاب كردفان ( فرع النهود ) في الإجازات الصيفية (محاضرات ? ندوات ? مسرحيات ? محو أمية)، تماماً مثل نادي الأعمال الحرة بالأبيض الذي كان يستضيف نشاطات الاتحاد الرئيسي. ومن الناحية الجنوبية يطل موقف اللواري على دكان الأخ دبوجة !
وهذه مناسبة لكي أذكر بعضاً من أبناء جيلي من أبناء النهود الكرام:
يوسف مختار أبو عاقلة - التيجاني علي التوم - مكي حاج عربي ? حامد رشوان - محمد احمد حسن جحا ? الحسين الحسن وشقيقه عباس - عمر عباس عجبنا وشقيقه علي - الأمين التيجاني وشقيقه عبد القادر - حسن البلاع ? دفع الله احمد دفع الله ? أحمد عبد الرحمن عبد الحفيظ (حريكة) ? عبد الله إسحق - صديق إدر - علي ضيف الله - محمد عبد القادر شبور- محمد البدوي عبد الساتر ? الصافي جمعة وشقيقه آدم جمعة ? عمر بلال ? عبيد صالح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.